عبد الرزاق طريبق: مدير مكتب "و م ع" بأثينا يواجه رئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تزيبراس إكراهات سياسية داخلية صعبة منذ عدوته الإثنين من بروكسيل باتفاق مع المانحين لا يلبي أولويات حزبه ولا مطالب الشعب خصوصا ما يتضمنه من بنود تعمق تدابير التقشف المطبقة في البلاد منذ خمس سنوات.
ويتهدد حزبه اليسار الراديكالي (سيريزا) حركة تمرد قوية ممثلة في (قاعدة اليسار) الجناح الأكثر تشددا والذي يرفض الاتفاق جملة وتفصيلا، الشيء نفسه لدى حليفه الحكومي الحزب القومي (اليونانيون المستقلون) والذي يرفض عدد من نوابه الاتفاق الذي يفرض رفعا للضريبة على القيمة المضافة الى 23 في المائة وسن تشريعات لتحرير سوق الشغل لمنح مزيد من الليونة في ما يتعلق بالتسريحات والأجور والتوظيفات والاضراب، ثم إقامة آلية تحت مراقبة اوربية تجمع فيها الموارد المالية المتأتية من الخوصصة تخصص لأداء الديون.
وسيكون على تزيبراس غدا الأربعاء طلب دعم أحزاب المعارضة من أجل الحصول على مصادقة البرلمان على الإجراءات الضريبية المنصوص عليها في اتفاق بروكسيل.
ويشترط المانحون أن تكون مصادقة البرلمان قبل نهاية الاربعاء نقطة انطلاق الشروع في مفاوضات لحصول اثينا على حزمة قروض جديدة من ما بين 80 و86 مليار أورو على مدى ثلاثة سنوات، تخصص لسد حاجياتها التمويلية لأداء الديون اساسا.
وتفوق ديون اليونان 320 مليار اورو او 170 في المائة من الناتج الداخلي الخام. وقد تخلفت أثينا في 30 يونيو الماضي عن سداد قرض لصندوق النقد الدولي بقيمة 5ر1 مليار اورو وآخر بقيمة 455 مليون اورو الاثنين الماضي وسيكون عليها الاثنين المقبل سداد قرض بقيمة 5ر3 مليار اورو للبنك المركزي الاوربي وآخر بقيمة 5 مليار اورو في غشت المقبل.
وفي حال انضمام المعارضة اليونانية للتصويت غدا الاربعاء على لائحة بروكسيل حتى يتمكن البرلمان من التصديق عليها ستفتح أيضا عدة احتمالات أمام تزيبراس وحكومته، لعل أبرزها إجراء تعديل حكومي أو تشكيل حكومة موسعة او المضي نحو انتخابات سابقة لأوانها.
سياسيون: ما حدث في بروكسيل محاولة انقلابية على الحكومة
اعتبر عدد من الوزراء والسياسيين اليونانيون أن مفاوضات بروكسيل الأخيرة والتي سعى خلالها تيار قوي بزعامة وزير المالية الالماني وولفغانغ شوبليه لطرد اليونان من منطقة الأورو كانت محاولة انقلابية واضحة للإطاحة بالحكومة اليونانية.
وقال وزير الطاقة اليوناني باناجيوتيس لافازانيس وزعيم التيار المتشدد في حزب سيريزا إنه بالتوقيع على اتفاق بروكسيل اصبح التفويض الشعبي الممنوح لحزب سيريزا وللحكومة الحالية خلال الانتخابات ثم لاحقا خلال استفتاء 5 يوليوز لاغيا، داعيا تزيبراس الى إلغاء الاتفاق.
وأضاف في بيان إن الحكومة ورئيس الوزراء بامكانه ولو في الدقيقة الاخيرة رفض الاتفاق وسحبه قبل أن يقرر البرلمان بشأنه، وقال ان المعظلة التي يفرضها الدائنون، وهي إما الرضوخ او الدمار، تصرف إرهابي، وقد تم إلغاؤه بفعل الوعي الشعبي العام".
وزير الدولة المكلف بتنسيق العمل الحكومي أليكوسس فلابوراريس دعا الجميع في بيان اليوم الثلاثاء الى تفهم الأخطار المحيطة باليونان وتفادي الفرقة.
وقال "إن البعض يلح بعناده على أن يقود البلد خارج منطقة الأورو على الرغم من أن الحكومة تفادت المحاولة الانقلابية خلال القمة الاروبية الاخيرة ببروكسيل وهي مدركة أن القوى المناوئة لاوربا لن تكف عن مساعيها".
وأضاف "يتعين على اليونانيين أن يدركوا أن رئيس الوزراء والوفد اليوناني المفاوض خاضوا معركة شرسة في بروكسيل، ولم يرضخوا لكل الألاعيب والمحاولات الرامية للاطاحة بحكومة أليكسيس تزيبراس".
وقال إنه على "اليونانيين بمعزل عن انتمائهم السياسي الوعي بالخطر المحدق بالبلد ومساعي القوى المضادة التي تسعى لاهانتنا وتقسيمنا وتخريب بلدنا وتقسيم شعبنا، وأدعوكم لتفادي المساهمة في هذا المشروع وإنجاح مساعيهم سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة".
أما زعيم حزب اليونانيون المستقلون الشريك في الائتلاف الحكومي بانوس كامينوس والذي يشغل منصب وزير الدفاع فقد صرح عقب اجتماع لحزبه مساء اليوم قائلا "من دون شك لكل شخص في أوربا أن ما حدث هو محاولة انقلابية في قلب أوربا. لقد تعرض رئيس الوزراء للابتزاز من أجل أن يقبل وثيقة كانت مخالفة للوثيقة التي صادق عليها البرلمان".
ورغم أنه جدد التأكيد على مساندة حزبه لرئيس الوزراء ومساعيه إلا انه أضاف قائلا "إننا ملتزمون بالمصادقة (خلال جلسة الاربعاء) على ما تم الاتفاق عليه خلال اجتماع زعماء الاحزاب السياسية وفقط ذلك ولن نقبل بالاجراءات التي فرضت علينا".
في أوساط الرأي العام تتزايد يوما عن يوم مشاعر الاستياء والتذمر، بل إن اقسى الكلمات لا تفي للتعبير عن مشاعر الغضب العارم من اتفاق بروكسيل الذي يرى فيه اليونانيون صفعة قوية من الأوربيين وبالخصوص من المانيا والبلدان التي تدور في فلكها.
وتعبر المظاهرات شبه اليومية التي تعرفها شوارع أثيا، وما تحفل به مواقع التواصل الاجتماعي عن جزء من هذا الاستياء والذي يلخصه اليونانيون في ما يقولون "إهانة غير مسبوقة" تعرضوا لها وتصرف أوروبي خسيس جعل من بلادهم مستعمرة ألمانية.
وأصبح وزير المالية الالمانية وولفغانغ شوبليه العدو الابرز لليونانيين، ولا يتورع البعض في وصفه ب"الالماني المتعجرف والمتطرف" خصوصا وأنه سعى لإفشال مفاوضات بروكسيل من خلال طرحه لخروج اليونان من منطقة الاورو لمدة خمس سنوات ، قبل أو يعود ويطرح من جهة أخرى ضرورة إصدار أثينا لكمبيالات وصكوك دين لتلبية حاجياتها التمويلية الداخلية الطارئة.
تزيبراس يعول على أحزاب المعارضة لتمرير اتفاق بروكسيل
وبعد أن قدمت حكومة تزيبراس للبرلمان ليل الثلاثاء مشاريع القوانين المطلوبة للتصديق يوم الاربعاء، بدت المخاوف من أن تفقد أصوات أربعين برلمانيا محسوبا عليها أو يزيد.
فمن أصل 300 عضو بالبرلمان اليوناني لدى الإئتلاف الحاكم 162 عضوا (149 لسيريزا والباقي لحزب اليونانيون المستقلون)، وبالتالي سيتم اللجوء الى أصوات أحزاب المعارضة الرئيسية التي عبرت عن دعمها للاتفاق.
ويبدو أن تزيبراس لن يكون أمامه سوى الاستعانة بالمعارضة لتمرير خطة بروكسيل التي تبدو أكثر إلحاحا حاليا من أجل حصول البلاد على تمويلات استثنائية تمكن من إعادة فتح الابناك المغلقة منذ 26 يونيو الماضي في اطار اجراءات الحكومة للتحكم في السيولة وإنعاش الحركة الاقتصادية في البلاد التي عرفت تراجعا هو الاسوء في تاريخ البلاد، فالحركة الاقتصادية والتجارية شبه متوقفة في البلاد نتيجة إغلاق الابناك وضبابية الوضع الاقتصادي والمالي للبلاد.
وبراي المراقببين فإن تعديلا حكوميا يبدو وشيكا في اليونان مع احتمال تشكيل حكومة وحدة وطنية، لكن لا يعرف ما إذا كان تزيبراس سيحافظ على منصبة كرئيس للوزراء.
فحسب صحيفة (إيثنوس) فمن أجل أن يحصل على دعم المعارضة للتصويت غدا على خطة بروكسيل فإن الأخيرة قد تشترط عليه تنفيذ أجندة حكومية دقيقة لا تحيد عن الاتفاق مع المانحين، وربما أن يقدم على تشكيل حكومة وحدة وطنية مستبعدة في الوقت الراهن امكانية الدعوة لانتخابات سابقة لاوانها.
أما صحيفة (كاثيمينيري) فاعتبرت أن الحكومة اليونانية أدخلها اتفاق بروكسيل في شرك رمال متحركة وإن كان الاتفاق ضروريا في الوقت الراهن بالنسبة لليونان ولا مفر منه، فعدد من نواب سيريزا لن يصوتوا على الاتفاق والشيء نفسه بالنسبة لحليفه (اليونانيون المستقلون) اما رئيسة البرلمان وهي ابرز المعارضين للاتفاق فستضع العراقيل من اجل الا يصادق عليه البرلمان يود غد وفشلت الى الآن مساعي تزيبراس لإقالتها.