يلعب النظام الجزائري على حبل التناقضات الطائفية والعرقية بين المالكية العرب والإباضية الأمازيغ، ويقوم بإذكاء الصراع بينهما، وبعد أن تشتد المعارك يتدخل كحكم بين الطرفين أو يستعمل القوة إذا خرجت الأمور عن السيطرة. وليس ما وقع أخيرا في غرداية سوى نموذج مصغر لما يحدث يوميا. فلقد تجددت الاشتباكات من جديد بين طرفي النزاع، وقد أصيب حوالي 20 شخصا وذلك بعد هدوء دام عدة أسابيع، وتسبب في تجدد هذه الاشتباكات إقدام السلطات على تدشين مشروع عقاري مضر بأحد أطراف الخصومة المذهبية والعرقية.
وفي هذا السياق أفادت مصادر أن عددا من أفراد قوات مكافحة الشغب تدخلوا خلال هذه الاشتباكات التي وقعت، الجمعة الماضي، بين مجموعات من الشباب الإباضيين (أمازيغ) والمالكيين (عرب) بمدينة القرارة (120 كلم شمال شرق عاصمة الولاية)، قصد وضع حد للصراع، واندلعت المواجهات عقب أداء صلاة الجمعة، على إثر انطلاق مشروع للترقية العقارية بالمنطقة المسماة "البطحة"، والذي كان محل اعتراض من قبل الطرف المالكي.
وقد امتدت هذه الأحداث، إلى أحياء أخرى من مدينة القرارة، حيث قام العشرات من الشباب بأعمال تخريب والرشق بالحجارة والزجاجات الحارقة، مما تسبب في اشتعال نيران بمحلات وسيارات يملكها خواص.
وتشهد ولاية غرداية مواجهات متكررة بين طائفة الميزابيين البربرية التي تعتنق المذهب الإباضي وطائفة الشعانبة العربية التي تتبع المذهب المالكي.
ولما يفشل النظام الجزائري في الاستفادة من هذه الأحداث، وبعد أن تكون قد خرجت عن السيطرة، يقوم ببعث رسائل عن طريق بعض المقربين منه، وذلك قصد التهدئة، أو يعطي الأوامر لقوات الجيش والدرك قصد التدخل العنيف، مما حول المنطقة إلى بؤرة مشتعلة ليل نهار.
ويرى متتبعون أن الإباضيين والمالكية بغرداية عاشوا سنين طويلة من التسامح والتقارب، ولم يعرفوا مثل هذه النزاعات إلا في العقود الأخيرة، وذلك بسبب تدخلات النظام، الذي يميز في إنجاز المشاريع بين الطائفتين، بينما تقوم عناصر من النظام نفسه بتحريض الطائفة الأخرى، مما يؤدي إلى نشوب نزاعات عنيفة ذهب ضحيتها الكثير من أبناء الطائفتين.
وإذا استمر النظام الجزائري في نهج سياسة فرق تسد بين الطائفتين فإن الحريق سيمتد إلى باقي المناطق وحينها لن تفيد محاولاته في إطفاء النار التي ستشتعل بشكل كبير.