لم يمر سوى يومين عن تدشين مقر المكتب المركزي للأبحاث القضائية، التابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، حتى أعلن المكتب المذكور عن تفكيك خلية إرهابية خطيرة، ينشط أفرادها في عدد متفرق من المدن المغربية، معلنا بذلك بداية ممارسة الصفة الضبطية لعناصر الديستي، التي منحهم إياها القانون الذي صادق عليه البرلمان. ويأتي تأسيس المكتب المذكور كثمرة للقانون المذكور، الذي منح ضباطا من الديستي الصفة الضبطية، وهو القانون الذي أثار جدلا حينه، لكنه يتوفر على أبعاد كثيرة، أهمها وضع ضباط هذه المديرية تحت إمرة الوكيل العام للملك ويمنحهم سرعة التحرك في مواجهة الجريمة الإرهابية والجريمة المنظمة والتي تكون لها تشابكات معقدة.
ليس المكتب المركزي للأبحاث القضائية ترفا في الأجهزة، أي أن وجوده ليس تكميليا ولا تجميليا ولكنه وجود ضروري لعدة أسباب.
فأول تلك الأسباب هو تمكين عناصر المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، الذين يتوفرون على الضفة الضبطية، من جهاز يؤطر عملهم، ويمنحهم آليات الاشتغال وقاعدة لانطلاق أعمالهم.
وثانيها تفعيل القانون القاضي بمنح عناصر الديستي الصفة الضبطية، حيث إن القانون لم يمنح المديرية برمتها هذه الصفة، وبالتالي كان لزاما تحديد نطاق ومجال تفعيل القانون.
وثالثها هو تمكين هذه المديرية من أدوات محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة والجريمة المالية، فالمكتب المركزي للأبحاث القضائية، الذي جاء تأسيسه تتويجا للقانون المذكور، سيمكن الديستي من سرعة إنجاز المهام الموكولة إليها.
لا يخفى على أحد أن العالم ومعه المغرب عرف تطورات كثيرة، وبقدر تقدم المجتمعات بقدر ما تطورت الجريمة الإرهابية، حيث لا يمكن المقارنة بين ممارسات الإرهابيين في أفغانستان مع نظرائهم في العراق بعد الغزو الأمريكي ولا يمكن مقارنة هؤلاء مع الجهاديين اليوم بعدما وقع في سوريا.
الكل يعرف أن الجريمة الإرهابية تطورت بشكل خطير جدا وأن الجيل الرابع من الجهاديين، يعتبر من أخطر الأجيال الإرهابية، ويعيش مرحلة ما بعد العولمة، والمغرب ليس بمنأى عن مخاطر الإرهاب الدولي.
من هذا المنطلق يستحيل الاشتغال بالطرق القديمة، ولهذا كان لزاما على المغرب أن يطور أداءه الأمني، المشهود له بالكفاءة، على المستوى اللوجيستيكي والقانوني، وفي هذا الإطار يدخل تأسيس هذا المكتب.
لم يعد ممكنا محاربة الجريمة الإرهابية من طرف جهاز أمني يشعر أنه مكبل بالعديد من القيود، خصوصا في ظل وجود من يشكك في تحركاته وعملياته، وبالتالي تطلب الأمر أن يتوفر بين يديه على ترسانة قانونية تؤطر مجالات اشتغاله ويتوفر على آلية لتنفيذ هذا القانون.
لقد واجه المغرب تحديات كبيرة، وأصيب بالدهشة صبيحة أحداث 16 ماي الإرهابية، والتي مرت عليها اليوم حوالي 13 سنة، ولم يعد المغرب الآمن المطمئن بعيدا عن طموحات الإرهابيين وتخطيطاتهم، بل أصبح في مرمى حجر من وجودهم، وما كان لبلد يستشعر التهديدات الإرهابية أن ينام على أذنه ولكن عليه أن يطور أداءه الأمني في مواجهة الإرهاب وهو ما مكن من تفكيك عشرات الخلايا الإرهابية، وضربها في مهدها قبل المرور إلى مرحلة التنفيذ.
وراكمت المديرية المذكورة خبرات كبيرة في مجال محاربة الإرهاب ومواجهة الجريمة المنظمة وتهريب المخدرات، وخلال عقد من الزمن حققت المديرية المذكورة عملا جبارا، استحق تنويه العالم، كما استحق أوسمة منحتها دول حليفة للمدير العام للديستي عبد اللطيف الحموشي.
كل ما راكمه جهاز المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني يعتبر دخيرة ينبغي استثمارها في اتجاه مواجهة أكثر فعالية تحت غطاء قانوني واضح هو الذي يسمى الآن المكتب المركزي للأبحاث القضائية.