خمس قضايا كبرى يمكن استنتاجها من خلال ترؤس جلالة الملك محمد السادس، حفل إطلاق مخطط تنمية جهة الدارالبيضاء الكبرى (2015- 2020)، وهي قضايا تعكس الروح التشاركية بين الدولة والمجتمع، وتعكس جوهر الدستور المغربي الجديد والمعنى القوي لحضور الدولة من خلال المجتمع، وحضور المجتمع من خلال الدولة. فالمخطط المذكور يعكس الطابع التشاركي، فهناك إصرار على إشراك المواطن في تفاصيل المشروع، وتحسيسه بتملكه، حتى يمكن تنمية الوعي حول حياة الحاضرة، ومحاربة الترييف الذي تعرضت له المدينة الكبرى في المغرب على امتداد سنوات، وبفعل تواطؤ المنتخبين ومافيات متعددة، مما أثر سلبا على الوجه الحضري للمدينة.
فبعد مدن مراكش وطنجة وسلا والرباط وتطوان، جاء الدور على جهة الدارالبيضاء الكبرى لتحظى ببرنامج للتنمية المندمجة، المتوازنة والشاملة، والذي تمت بلورته بناء على مقاربة تشاركية ممنهجة تشرك مختلف الفاعلين بالجهة.
وينهل هذا البرنامج الطموح، القائم على مقاربة مجددة من حيث أفقية واندماج وانسجام التدخلات العمومية، من التجارب الرائدة لبعض المدن العالمية التي أثبتت فعاليتها في مجالي التسيير والتخطيط.
وكي يكون المواطن شريكا فهذا المشروع يولي المحور الأول منه، الذي يروم تحسين ظروف عيش الساكنة (6ر2 مليار درهم)، اهتماما خاصا للفئات الاجتماعية في وضعية هشاشة، وللأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، وذلك في تكامل تام مع برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
القضية الثانية التي يطرحها المشروع الضخم لمدينة الدارالبيضاء هي التقدم المتضمن، حيث إن المشروع أصر على توفير الشروط اللازمة لإزالة التفاوتات داخل المجال ووسط الساكنة، بشكل يتماهى مع مقاربة صاحب الجلالة القائمة على إشراك الفرد في السياسات العمومية.
وتهدف المقاربة الملكية إلى نهج سياسة تجيب على السؤال الملكي، الذي ورد في الخطاب الأخير، الذي تطرق فيه جلالة الملك إلى الثروة وضرورة إعادة النظر في توزيعها وإنتاجها. ولهذا لا عجب أن نجد أن تعزيز مراكز ومنشآت القرب، ومواكبة القطاع غير المهيكل، وتعميم التعليم الأولي، وتأهيل البنيات الصحية، وإحداث مركز لتدبير التدخلات الاستعجالية وعمليات الإغاثة، وحماية البيئة، وتحسين ظروف السكن، وتعميم التغطية بشبكات الماء الشروب والكهرباء والتطهير السائل، من أهم محاور هذا المشروع.
ولم ينس المشروع روح التكامل والشمولية في منجزاته وأهدافه، حتى يكون منسجما ومتناغما، يجمع بين المشاريع الاقتصادية والسياحية الكبرى، وبين المشاريع الاجتماعية، التي لها علاقة مباشرة بالمواطن وبحياته، سواء أكان من سكان الدارالبيضاء أم من سكان المدن الأخرى، الذي يزور المدينة للسياحة أو لقضاء أغراض تجارية.
ولهذا يهدف المحور الثاني من المشروع إلى تعزيز الحركية على مستوى الجهة (27 مليار درهم)، وذلك من خلال تمديد خطوط الطرامواي، وتعزيز أسطول الحافلات، وتهيئة الطرق الحضرية والإقليمية والطرق السيارة، وإنجاز المنشآت الفنية والأنفاق.
أما المحور الثالث فيروم تعزيز الجاذبية الاقتصادية للجهة عبر إعادة هيكلة المناطق الصناعية الحالية، وتهيئة مناطق صناعية جديدة، وتهيئة مناطق للخدمات واللوجيستيك، وتحسين مناخ الأعمال. وسيتم تمويله في إطار شراكة بين القطاعين العام والخاص.
وبالنسبة للمحور الرابع (2 مليار درهم)، فيتوخى تكريس مكانة الجهة كوجهة وطنية ودولية للتجارة والترفيه، وفضاء لاستقبال التظاهرات الكبرى. وسيتم في هذا الإطار بناء مسرح كبير، وقرية رياضية، وتأهيل مركب محمد الخامس، وفضاء "لكازابلونكيز"، وتأهيل الشريط الساحلي وغابة "مرشيش" وحديقة الحيوانات عين السبع.
القضية التي لا ينبغي تجاوزها في هذا السياق تتعلق بتكاثف كل هذه الجهود في حماية أمن المواطن، فإزالة طابع الترييف والعشوائيات، يساعد على الطابع الحضري للمدينة الذي تقل فيه الجريمة، على عكس الطابع الحالي الذي تعشش فيه كل أنواع الانحرافات.