جعلت المملكة المغربية من النهوض بالقارة الإفريقية وتنميتها خيارا استراتيجيا في سياساتها القائمة على دعم الشراكات جنوب جنوب، في إطار رؤية ملكية ثاقبة ومتقدمة لقارة سمراء واثقة في مؤهلاتها وقدراتها على تحقيق التقدم والازدهار المنشود من قبل شعوبها. ولم يتوان المغرب، في ظل القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، عن التعبير عن تشبثه وانفتاحه على جذوره الإفريقية، واستعداده للمساهمة، بجميع الأشكال، في إعادة البناء والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في بلدان القارة، إيمانا منه بأن النهوض بالقارة الإفريقية وتعزيز أمنها واستقرارها هو السبيل الوحيد لتعزيز الأمن الإقليمي والدولي.
وتأتي الزيارات المكثفة التي قام بها جلالة الملك مؤخرا إلى العديد من البلدان الإفريقية لتؤكد هذا الالتزام والتوجه الذي يؤسس لتحرك فعال للمملكة على الصعيدين الإقليمي والدولي يروم تفعيل نموذج تنموي مبتكر في إفريقيا، يرتكز على إعادة الثقة للقارة في إمكاناتها ومواردها، وفي ما تزخر به من كفاءات ومواهب بشرية، قادرة على إطلاق مشروع نهضوي طموح واللحاق بالركب الحضاري الذي تتسارع وتيرته دون أن يترك مكانا للضعفاء.
وكان جلالة الملك محمد السادس، قد أكد في خطاب ألقاه بأبيدجان خلال افتتاح المنتدى الاقتصادي المغربي الإيفواري (فبراير الماضي)، أن إفريقيا "لم تعد قارة مستعمرة، بل قارة حية، ليست في حاجة لمساعدات إنسانية، بقدر حاجتها لشراكات ذات نفع متبادل ولمشاريع التنمية البشرية والاجتماعية".
وأكد الملك محمد السادس أن "استتباب الأمن والاستقرار في القارة يقتضي احترام سيادة الدول ووحدتها الوطنية والترابية، والتنسيق لمواجهة التنظيمات الإرهابية، وعصابات الاتجار في السلاح والبشر والمخدرات، التي تهدد، ليس فقط الأمن الإقليمي بالساحل والصحراء، بل أيضا المنطقة الأورو - متوسطية، والأمن الدولي برمته".
وفي هذا الصدد، أشادت العديد من وسائل الإعلام وصناع الرأي الأمريكي، بالتزام جلالة الملك، المتجذر في التاريخ العريق للمغرب، وكذا بنجاعة المقاربة الملكية الرامية إلى إقامة شراكات للتنمية، وتحقيق التقدم بشكل متضامن مع إفريقيا.
واعتبرت مجلة (فوربس مغازين) الأمريكية أن جلالة الملك محمد السادس "يحمل رؤية متقدمة لقارة إفريقيا واثقة بمؤهلاتها، وأكثر حرية وازدهارا، رؤية تروم التخلص من ثقل أعباء وهموم حقبة استعمارية بائدة".
وقال ريشارد مينيتر، كاتب المقال، إن "الأمر يتعلق برؤية للأمل لحرية المبادرة والتغيير بالنسبة لإفريقيا"، موضحا أن هذه الرؤية الملكية "تفند أسطورة استعمارية لا تزال تعتقد أن إفريقيا تعاني دوما من ماضيها الكولونيالي، وبالتالي، فإن القارة بحاجة إلى مزيد من المساعدة أكثر من الفرص".
وأبرز مينيتر أن المقاربة الملكية تمد اليد للفرص، في وقت لا يرى فيه الآخرون سوى الخطر، مستدلا على ذلك ب"الاستثمارات المباشرة الضخمة للمغرب في غرب إفريقيا، وخاصة في قطاعات البنوك والاتصالات والأسمدة".
وأكد المحللون الدوليون المهتمون بالشأن الإفريقي أن المغرب قدم الدليل الواضح على استعداده للاضطلاع بدور طلائعي على صعيد القارة الإفريقية، معتبرين أن الأمر يمثل "إشارة قوية" خاصة وأن واشنطن وباريس وباقي العواصم الغربية الكبرى في حاجة ماسة إلى "شريك يمكن الاعتماد عليه لتعزيز الأمن الإقليمي، ودعم الشراكة من أجل التقدم الذي ترنو إليه شعوب القارة.
ومن جانبها، أشارت صحيفة (هافينغتون بوست) الأمريكية، الواسعة الانتشار، إلى أن هذا الالتزام الراسخ، الذي يتميز بعراقته واستعداده دوما لخدمة القضايا العادلة والانشغالات الكبرى للقارة، "نابع من المكانة الروحية لجلالة الملك محمد السادس، بصفته أميرا للمؤمنين، وسبط النبي، إضافة إلى كثير من الفضائل التي تعطي مكانة خاصة لجلالة الملك في قلوب سكان المنطقة.
وهذا ما دفع العديد من البلدان الإفريقية إلى التقدم بطلبات لتكوين أئمتها بالمغرب، وهو ما يمثل، برأي المحللين، "اعترافا واضحا" بواجهة المقاربة الشاملة للمملكة تحت قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس في مجال مكافحة التطرف الديني والعنف والإرهاب بالمنطقة.
وقال الدبلوماسي الأمريكي السابق، روبرت هالي، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن "تقديم طلب للمغرب لتكوين أئمة بلدان إفريقية يشكل بكل وضوح اعترافا بنجاح المقاربة الشاملة التي اعتمدتها المملكة تحت قيادة جلالة الملك في مجال محاربة التطرف والعنف بالمنطقة".
وبالنسبة لهذا الدبلوماسي السابق، فإن المغرب يتميز في هذا المجال بفضل مقاربته الشاملة التي تركز على المثل الروحية من خلال نشر قيم الإسلام المعتدل والمتسامح التي تتفرد بها المملكة، موضحا أن هذا "العمل المهم للغاية" الذي قام به المغرب قادر أيضا على تعزيز الاستقرار والأمن والازدهار بالمنطقة.
وفي سياق متصل، أكد بيتر فام، مدير أفريكا سانتر، التابع لمجموعة التفكير الأمريكية، أطلانتيك كاونسيل، أن المغرب أضحى يمثل "قوة للاعتدال والسلام" في إفريقيا، قادرة على مساعدة بلدان القارة لمواجهة خطر التطرف الديني الذي يهدد مجتمعاتها.
فتكوين الأئمة الأفارقة، بالنسبة لهذا الخبير الأمريكي، سيمكن الجالية المسلمة في هذه البلدان من استلهام النموذج المغربي للتحصين ضد تهديدات التطرف الديني.
وحاصل القول، فإذا كان المغرب قد نجح في رهان مكافحة الإرهاب والتطرف عبر تبني مقاربة شاملة وإطلاق دينامية إصلاحية في الحقل الديني، فإن رهانه الأكبر اليوم يكمن في تنمية القارة الإفريقية والنهوض بأوضاعها، مقدما بذلك نموذجا بارزا للمساهمة المغربية في الجهود الدولية لمحاربة التطرف والإرهاب وإرساء فضاء قاري للرخاء والتنمية المستدامة.