في خطوة تصعيدية جديدة وسعيا منها لبسط جوهر بعض مظاهر الأزمة التي يعرفها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في الآونة الأخيرة ومستجداتها، نظمت "جمعية باحثات وباحثي المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية" ندوة صحفية بمقر نادي المحامين بالرباط، وذلك يوم الثلاثاء 03 يونيو الجاري. ممثلو الجمعية سلطوا الضوء خلال هذه الندوة على تجليّات وتداعيات الأزمة التي تضرب مؤسسة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وانعكاساتها السلبية على مستقبل الأمازيغية وآفاق تفعيل طابعها الرسمي، محمّلين المسؤولية في ذلك لإدارة "إيركام" بسبب اعتمادها لمقاربات تدبيرية "مُغرِقة في البيروقراطية والمزاجية، وتصلّب مواقفها المجانبة أحياناً للقانون ولمصلحة المؤسسة وللعاملين بها، ومُضيّيها في سياسة تهميش الباحثين واحتقارهم."
وقال المحفوظ اسمهري، الكاتب العام لجمعية باحثات وباحثي المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، في تصريح لتلكسبريس، ان مطالبهم ليست مادية صرفة كما حاولت الإدارة اتهامهم بذلك، مؤكدا ما جاء في الورقة التقديمية للندوة من ان الشق المادي لمطالبهم "يقتصر فقط على الاعتراف لفئة الباحثين المتعاقدين بمجهوداتهم (وعددهم 8 باحثين)؛ أما باقي فئات الباحثين، وهم الغالبية، فلا مطالب مادية لهم".
وجاء في تصريح اسمهري، ان هذه الندوة "تأتي في إطار تنوير الرأي العام حول مستجدات الازمة داخل المعهد الملكي للثقافة الامازيغية، على اعتبار ان الادارة نهجت سياسة تغليط الرأي العام، ونحن نريد توضيح طبيعة هذه الازمة، التي ليس لها اي مطلب مادي بل هدفها هو الرقي بمؤسسة المعهد الملكي للثقافة الامازيغية إلى مؤسسة بحث مرجعية تتوفر فيها المعايير الدولية المتعارف عليها" مصيفا انه "لا يعقل ان يكون الباحثين غير ممثلين في الهيئات العلمية داخل المؤسسة" حيث اعتبر المتحدث ان هناك "هيمنة الادارة بشكل شبه مطلق على مصدر القرار العلمي والأكاديمي في المؤسسة بالإضافة إلى الوضعية الادارية الشاذة لفئة الباحثين بالمعهد، والتي نطالب بان تكون مماثلة لأساتذة التعليم العالي، لانها كذلك".
وأضاف المحفوظ اسمهري ان "هذا هو مطلبنا الاساسي والذي تقول عنه الادارة انه يتعلق بمطالب مادية، وهو غير صحيح، لأن لدينا مطالب مادية بالنسبة لثمانية باحثين متعاقدين، يقومون بأعباء الترجمة التي ترد على المؤسسة وهو طلب كبير، وبالمقابل يتقاضون اجورا زهيدة، نطلب من الادارة تسوية وضعيتهم بالشكل الذي نهجته في تسوية وضعيات سابقة، ولا نطالب بالزيادة ولا بالنقصان او غير ذلك.."
من جانبه قال علي موريف، نائب الكاتب العام لجمعية لجمعية باحثات و باحثي المعهد الملكي للثقافة الامازيغية، في تصريح لموقعنا ان هذه "الندوة تأتي في إطار التحول الذي يعرفه المعهد الملكي للثقافة الامازيغية، لإعطاء مجموعة من التوضيحات للرأي العام عبر القنوات الصحفية ، عبر إثارة الانتباه إلى مجموعة من الإكراهات والتحديات والمشاكل والأزمة التي تعيشها مراكز البحث داخل المعهد الملكي للثقافة والامازيغية" مضيفا ان الباحثين لهم "تصور جديد يتوافق مع مقتضيات الوثيقة الدستور وإعطاء دينامية جديدة للبحث وللمؤسسة بشكل عام حتى لا تشتغل وفق المقاربات المنهجية التقليدية قبل الوثيقة الدستورية"، مع العلم، يضيف موريف، ان "هذا الدستور قام بترسيم الامازيغية ليس فقط في الفصل الخامس ولكن في الديباجة وفي الفصل 31"، قبل ان يختم بالقول ان "هذا هو منظور وتصور الجمعية بناء على هذه الوثيقة الدستورية وبناء على السياق والتحولات السياسية والاجتماعية والثقافية والقيمية التي يشهدها، ليس فقط المغرب وإنما منطقة شمال افريقيا بشكل عام."
وشدد المتدخلون خلال الندوة وأثناء ردودهم على اسئلة الصحافة على ضرورة تغيير ادارة المعهد للطريقة التي تسير بها مرافق المؤسسة وعلاقاتها مع الباحثين والرقي بالمعهد إلى مستوى معاهد البحث التي تحترم فيها المعايير العلمية في مجال البحث كما هو متعارف عليه دوليا.
ومن خلال تدخلات المسؤولين في الجمعية وكذا مضامين الورقة التي وزعت على الصحافيين يبرز بشكل واضح ان هناك تصادم بين رؤية تروم الدفع بالمعهد ليكون قدوة في مجال البحث وتفعيل قوانين المؤسسة وتعديل بعضها لتتوفر في المعهد معايير المؤسسات العلمية، في مقابل رؤية آخرى يقول عنها الباحثون انها تجوزت وأصبحت معيقة للبحث داخل المعهد بعد دستور 2011..
وفي هذا الاطار يقول الباحثون والباحثات المعهد انه حرصاً منهم "على تجويد البحث العلمي والرقيّ به داخل المؤسسة، باعتباره ورشاً استراتيجياً مستعجلاً بالنسبة لمستقبل الأمازيغية. ومساهمةً منهم في النهوض بالأمازيغية من زاوية علمية أكاديمية متخصصة، وضخ دماء جديدة في شرايين المؤسسة" بادروا إلى تأسيس "جمعية باحثات وباحثي المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية"، لاسيما بعد استمرار تراجع أداء المعهد، بسبب اعتماد الإدارة لمقاربات تدبيرية مُغرِقة في البيروقراطية والمزاجية، ناهيك عن تصلّب مواقفها المجانبة أحياناً للقانون ولمصلحة المؤسسة وللعاملين بها، ومُضيّيها في سياسة تهميش الباحثين واحتقارهم."
وقد استغل المسؤولون عن الجمعية فرصة لقائهم بالصحافة لإلقاء المزيد من الضوء على تجليّات الأزمة بالمعهد ووضعوا بين أيديكم بعضاً من مظاهرها، والتي جاءت على الشكل التالي:
1- إعطاء تأويلات غير سليمة للنصوص القانونية المنظمة للمعهد (النظام الأساسي- النظام الداخلي)؛
2- عدم استثمار الإدارة للإمكانيات المادية المرصودة للمعهد من طرف الدولة، حيث يتم إرجاع أموال طائلة إلى خزينة الدولة، على حساب مشاريع البحث العلمي والنهوض بالأمازيغية في شتى المجالات؛
3- حصول نزيف على مستوى الكفاءات العلمية، والتي فضلت الرحيل عن مؤسسة تضاءلت فيها شروط البحث العلمي، بسبب طغيان المقاربة الإدارية الضيقة؛
4- مساهمة محتشمة وباهتة للمعهد في الساحة الوطنية في كل ما له علاقة بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية؛
5- إقصاء الباحثين من تمثيليتهم داخل الهيئات العلمية للمعهد وإفراغها من محتواها (المجلس العلمي، ومجالس مراكز البحث)؛
6- ضرب استقلالية مراكز البحث، من خلال فرض مشاريع بحث معينة وتوقيف أخرى، وتنظيم أنشطة باسم المراكز دون علم الباحثين؛
7- الرقابة على مشاركات الباحثين في الأنشطة الفكرية والثقافية والإشعاعية؛
8- انتهاج سياسة التمييز في الأجور، مما ولدّ الحيف اتجاه الباحثين المتعاقدين؛
9- الارتجالية في التدبير الإداري لبعض القضايا، وهو ما نلمسه من خلال المذكرات المتتالية التي يجُبّ آخرُها أولَها؛
10- غياب رؤية إستراتيجية في استقدام الكفاءات العلمية اللازمة للنهوض بالأمازيغية؛
11- ترويج مغالطات حول مطالب الجمعية، ومحاولة التطبيع مع الأزمة التي تضرب المعهد، والبحث لها عن مبررات، من قبيل الإدعاء بأنها راجعة إلى خوف الباحثين على مصالحهم في ظل المرحلة الانتقالية التي تجتازها المؤسسة، قبيل إحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية؛
ومن هذا المنطلق، يقول باحثو الجمعية، "فقد كانت مطالبنا الأساسية، وما تزال، هي الاستقلالية العلمية والأكاديمية لمراكز البحث واحترام رأي الباحثين في تسييرها، ورفع الرقابة عن مشاركاتهم في الأنشطة الإشعاعية والثقافية والفكرية."
كما أن مطالبنا، يضيف الباحثون، تتوخى أيضا "تفعيل قوانين المؤسسة وتعديل بعضها لتتوفر في المعهد معايير المؤسسات العلمية؛ فلا يعقل أن نتحدث عن مؤسسة أكاديمية وباحثوها مقصيون من كل هياكلها العلمية (المجلس العلمي، ومجالس مراكز البحث) ولهم وضعية إدارية شاذة عن تلك التي للأساتذة الباحثين في المؤسسات الأكاديمية. وهكذا أصبحنا نشكل حالة فريدة بين مؤسسات البحث العلمي، إن على المستوى الوطني أو على المستوى العالمي. وهذه الوضعية لا يمكن أن تُمكّن المغرب من المكانة التي يطمح إليها في مجال تدبير التعددية الثقافية واللغوية في محيطه الإقليمي، والوفاء بالتزاماته أمام المنتظم الدولي لحقوق الإنسان، ولاسيما ما يتعلق بالحقوق اللغوية والثقافية والهوياتية."
كما أن الاستجابة لانتظارات المغاربة بعد ترسيم الأمازيغية في دستور 2011، يقول الباحثون، "يتطلب تطعيم مراكز البحث بالموارد البشرية الكافية، ووضع الإمكانيات المتوفرة رهن إشارة هذه المراكز من أجل التعاقد مع الباحثين والكفاءات من خارج المؤسسة، وذلك قصد تحويل المعهد إلى قُطبٍ أكاديمي مرجعي في كل ما له علاقة بالبحث في مجال الأمازيغية. كما نُطالب برفع الوصاية عن الباحثين، والسّماح لهم بالاشتغال في إطار برامج علمية مشتركة مع مؤسسات البحث العلمي على المستوى الوطني والدولي."
وأشار الباحثون إلى محاولات الإدارة اتهامهم بأن لهم مطالب مادية صرفة، وهو "ما فنذناه بقوة الحجة في مذكرتنا الأخيرة ليوم 8 ماي، بينما الشق المادي لمطالبنا يقتصر فقط على الاعتراف لفئة الباحثين المتعاقدين بمجهوداتهم (وعددهم 8 باحثين)؛ أما باقي فئات الباحثين، وهم الغالبية، فلا مطالب مادية لهم." يختم الباحثون..