خلص فاعلون حقوقيون مغاربة اليوم الثلاثاء بالرباط إلى ان المغرب حقق منذ نهاية التسعينات الى اليوم تراكمات مهمة في مجال حقوق الانسان عبر إصلاحات مؤسساتية بشكل تدرجي وجدت صدى لها في دستور 2011 مما جعل الورش الحقوقي اختيارا استراتيجيا وليس تجاوبا ظرفيا. وبالمقابل شدد المشاركون في ملتقى وكالة المغرب العربي للأنباء، على ضرورة اعتماد استراتيجية شمولية تكرس المكتسبات وتمكن في الان ذاته من تجاوز الاختلالات التي تسجل بين الفينة والاخرى.
وتميز الملتقى بمشاركة واسعة لفاعلين حقوقيين تطرقوا للتحديات التي لا زال يتعين على المغرب رفعها في ما يتعلق بالخصوص بتنفيذ ما تبقى من توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة وإشاعة ثقافة حقوق الانسان.
وفي سياق استعراضه للتجربة الحقوقية بالمغرب تطرق محمد الصبار، الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، للمنحى التصاعدي الذي عرفه ورش حقوق الانسان بالمغرب الذي "لا يجب الحديث عنه دون استحضار الانفراج السياسي الذي سجل في نهاية التسعينات من خلال عودة المنفيين مرورا بتجربة هيأة الانصاف والمصالحة وبمراجعة عدد من التشريعات والمصادقة على الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، وصولا الى اعتماد دستور 2011 ،الذي نص على ضمانات كبيرة في مجال احترام حقوق الانسان" .
وأكد الصبار على ان التجربة الحقوقية بالمغرب تفاعلت بشكل إيجابي مع هيأة الإنصاف والمصالحة وطي ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بشكل يعكس الإرادة السياسية للدولة من جهة ويؤكد على تنامي الوعي الحقوقي لدى المواطن المغربي من جهة ثانية، مبرزا أن "الوعي الدستوري" بأهمية حقوق الإنسان سيمهد الطريق أمام المصادقة على مجموعة من الاتفاقيات والمعاهدات المهمة ومنها معاهدة روما المتعلقة بالمحكمة الجنائية الدولية وبإلغاء عقوبة الاعدام.
وقال الصبار إن تقييم التجربة المغربية في مجال حقوق الإنسان يجب أن يتم من خلال استحضار التراجعات التي سجلت حتى في أعرق الديمقراطيات بعد هجمات 11 شتنبر 2001، سواء على مستوى ظروف الاعتقال أو غياب ضمانات المحاكمة العادلة، و"التي كان لها انعكاس وتأثير على الديمقراطيات الناشئة".
وبخصوص الوضع الحقوقي بالأقاليم الجنوبية أوضح الصبار أنه يتم تسييس ملف حقوق الانسان و"أن مصالح سياسية تلبس لباسا حقوقيا" مضيفا أن رفع شعار توسيع مهمة المينورسو لمراقبة حقوق الانسان مردود عليه بالنظر إلى أن إضافة مهمة مراقبة الوضعية الحقوقية لهذه الالية الاممية يكون في الدول التي تعرف حربا أهلية أو في حالة انهيار الدولة أو عند بداية مرحلة البناء التي تعقب فترة الانهيار.
وأكد الصبار أنه بالرغم من الانجازات التي تحققت في هذا المجال فإنه يتعين الاقرار بأن المغرب يواجه مجموعة من التحديات ترتبط بالملفات التي لها علاقة بالتوتر الفكري من قبيل محاربة التمييز ضد المرأة وبحرية المعتقد ، وبالحكامة الامنية داعيا من جهة الى تطوير ثقافة الاحتجاج وعدم استعمال هذا الحق بشكل يتعارض مع ما هو متعارف عليه دوليا ومن جهة ثانية الى مراقبة التدبير الامني وربط المسؤولية بالمحاسبة.
اما الحبيب بلكوش، رئيس مركز دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية، فاوضح إن قضايا حقوق الانسان بالمغرب ليست ظرفية بل جزءا من معركة ذات امتداد تاريخي ومن اختيارات الدولة التي تعززت بوثيقة دستورية ضامنة للحريات والحقوق، داعيا إلى تحصين هذه المكتسبات من خلال ضمان التنسيق والتكامل بين جميع المؤسسات العاملة في هذا المجال وذلك لتجاوز الاختلالات التي تسجل بين الفينة والاخرى.
ولضمان التناسق والتكاملية بين المؤسسات، دعا بلكوش الى وضع إطار يحتكم اليه الجميع وذلك من خلال التعجيل بإخراج الخطة الوطنية للديمقراطية وحقوق الإنسان الى حيز الوجود مضيفا ان هذه الخطة ستعطي معنى أكثر للإرادة السياسية التي أبانت عنها الدولة في مجال حقوق الانسان وستمكن من قياس درجة التقدم والتأخر في هذا المجال.
وأبرز بلكوش ، علاقة بالجانب المتعلق بتدبير الاحتجاجات والتظاهرات السلمية، أنه رغم المجهودات التي تبذلها المؤسسة الامنية فإنها مطالبة بمضاعفة الجهود للتفاعل الايجابي مع الدينامية التي يعرفها المجتمع بشكل لا يمكن أن يؤثر على صورة المغرب بالخارج وعلى التزاماته الدولية في مجال صيانة الحق في التظاهر مبرزا في الوقت ذاته أنه يتعين ايضا الحفاظ على الامن باعتباره حقا من حقوق الإنسان.
وبعد أن شدد على أن التأهيل لا يهم المؤسسة الامنية فقط بل جميع المؤسسات، دعا بلكوش إلى تقوية آليات الوساطة وتوطيد الحكامة الاقتصادية ومحاربة الريع والفساد مضيفا أنه يتعين تملك ثقافة حقوق الانسان بما يمكن من احتضان المشروع الذي انخرط فيه المغرب وإخراج المجلس الاعلى للأمن والتفاعل بإيجابية مع كل الانتقادات.
من جهته ذكر محمد نشناش، رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، بأن نضال المغرب من أجل الحرية والديمقراطية يعود الى سنوات الاستقلال مبرزا ان العهد الجديد تميز بنهج سياسة تعتمد على المفهوم الجديد للسلطة وبسن إصلاحات تشريعية ومؤسساتية وبتجربة هياة الانصاف والمصالحة كتجربة رائدة في مجال العدالة الانتقالية.
وقال إنه يتعين فتح حوار جدي وصريح لتجاوز الاشكالات المتعلقة بمحاربة الريع والفساد والبطالة والرقي بجودة التعليم والمساواة في الولوج الى الخدمات الاساسية.
وشدد النشناش على اهمية المقاربة الملكية الجديدة المتعلقة بالهجرة واللجوء التي تعتمد على الجانب الاجتماعي بدلا من الاقتصار على المقاربة الامنية.
وندد النشناش بالوضعية التي توجد عليها ساكنة تندوف التي تعيش محرومة من أبسط الحقوق محملا المسؤولية للجزائر التي تحتضن وتدعم هذه المخيمات .
ومن جانبه أبرز وعبد العالي حامي الدين، رئيس منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، أن تطور موضوع حقوق الإنسان مؤطر بتوفر الارادة السياسية وبنضج المجتمع ومتلازم مع مجال البناء الديمقراطي والمؤسساتي، وخاضع للبناء الديمقراطي والتراكم والتدرج مشيرا إلى أن المغرب حقق تقدما معتبرا سواء من خلال التصديق على الاتفاقيات الدولية المهمة أو عبر التفاعل الايجابي مع الاليات الاممية المتعلقة بحقوق الانسان وتحديدا فتح المجال للمقررين الأمميين لزيارة المغرب بكل حرية.
ودعا حامي الدين، في معرض حديثه عن الانتظارات، الى التصديق على معاهدة روما المتعلقة بالمحكمة الجنائية الدولية وإلى مراجعة قانون المسطرة الجنائية واعتماد برامج في مجال الحكامة الامنية والحد من التدخلات العنيفة لتفريق المظاهرات وإيلاء اهمية كبرى لواقع السجون عبر تفعيل الافراج المقيد ومراجعة الاعتقال الاحتياطي مشددا على ضرورة معالجة الاشكالات المتعلقة بالحق في التنظيم عبر تأسيس الجمعيات.
اما بخصوص المعتقلين على خلفية قانون الارهاب، فقد أكد حامي الدين على ضرورة اعتماد منهج جديد سواء من طرف الدولة أو من طرف المعتقلين "الذين يتعين عليهم بعث إشارات مطمئنة للمجتمع والقيام بمراجعات" مبرزا أن الحل يمر عبر مقاربة حقوقية وفكرية تعتمد الحوار والإدماج الاجتماعي.
وبشأن الوضع في الاقاليم الجنوبية عبر حامي الدين عن رفضه المطلق للمس بالسيادة المغربية بمبرر الدفاع عن حقوق الانسان مشيرا في الوقت ذاته الى أنه يتعين بذل مزيد من الجهود لكسب معركة الانسان.
وخلص حامي الدين أن الطلب على الامن يصبح في بعض الاحيان اكثر من الطلب على حقوق الانسان مبرزا في الوقت ذاته أن هذا الامر لا يجب ان يكون مبررا لحدوث بعض التجاوزات.
صور من لقاء اليوم الذي خصص لتقييم التجربة المغربية في مجال حقوق الإنسان