انقضت سنة 2013 دون أن يحصل عدد من الناشطين والصحفيين والنقابيين على أبسط حقوقهم التي ناضلوا من أجلها بالجزائر التي يسلم فيها واقع حقوق الإنسان من أي تقييم مستقل، في ظل المنع الذي يطال المنظمات غير الحكومية الدولية. وطغت على السنة المنقضية مظاهر الاحتجاجات الشعبية المتكررة، منها مضاعفة حالات الانتحار وحرق الأجساد، دون الحديث عن المظاهرات شبه اليومية المطالبة بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية الأساسية وفي مقدمتها الحق في التشغيل والسكن اللائق.
وتعرضت عدد من هذه المظاهرات للقمع، لاسيما في الجزائر العاصمة حيث تحظر السلطات أي تجمع كيفما كانت طبيعته، وأبرز مثال على ذلك تفريق عنيف لاعتصام مدرسين مضربين مع مطلع أكتوبر الماضي، تعرض خلاله متظاهرون لتوقيفات مستهدفة حتى قبل الوصول إلى مكان الاعتصام.
وأثار هذا الوضع الحقوقي المدير المساعد لمنظمة "هيومان رايتس ووتش" لمنطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط إيريك كولدستن الذي أكد أن الجزائر "تعد البلد الإفريقي الوحيد بشمال إفريقيا الذي يعرقل، بشكل ممنهج ، زيارات المنظمات غير الحكومية المدافعة عن حقوق الإنسان، في حين تزور هذه الهيئات، بكل حرية وبانتظام ، بلدان مصر وليبيا وتونس والمغرب".
ولم تسلم المنظمات المحلية بدورها من الرقابة، منها الجمعية الجزائرية لمحاربة الرشوة التي منعت من المشاركة ، مؤخرا ، في مؤتمر أممي ببنما سيتي للدول الاطراف لمكافحة الفساد، بسبب "فيتو" فرضته الحكومة الجزائرية.
من جهة أخرى، واصلت الجزائر رفضها لطلبات توصلت بها منذ مدة طويلة في إطار الإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة المتعلقة بزيارات المقررين الخاصين المعنيين بالتعذيب وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب والأحكام القضائية التعسفية، وكذا بزيارة مجموعة العمل حول الاختفاءات القسرية أو العفوية.
سابقة خطيرة في تاريخ انتهاكات حرية الصحافة هي تلك التي كان بطلها رسام الكاريكاتور جمال غانم الذي يعمل لحساب صحيفة جهوية، والمتابع من طرف مشغله عن كاريكاتور لم ينشر أصلا يتطرق "لمرض رئيس الجمهورية".
وقد اتهم غانم على أساس شكاية تقدمت بها صحيفة (لا فوا دوران) ب"محاولة الإضرار بالمؤسسة وإهانة رئيس الجمهورية وخيانة الأمانة"، وهي الشكاية التي لا أساس قانونيا لها، وفق أحد المعلقين.
وتأتي قضية جمال غانم مباشرة بعد قضية المدون عبد الغني علوي الذي توبع قضائيا بعد نشره على حسابه الفايسبوكي صورا مركبة ورسوما كاريكاتورية لرئيس الجمهورية وللوزير الأول.
وكان دفاع المدون الشاب المسجون منذ 15 شتنبر الماضي قد أعلن نيته اللجوء إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وإعداد مذكرة موجهة للمقرر الأممي الخاص حول حماية الحق في حرية الرأي والتعبير والنهوض به. ويهدف الدفاع من خلال المبادرتين إلى "إدانة الجزائر لخرقها حقوق الإنسان والمس بحرية التعبير".
ودخلت منظمة العفو الدولية على الخط في هذه القضية، حيث دعت إلى الإفراج الفوري عن علوي، وقالت "يبدو أن السلطات الجزائرية تحاول خنق الانتقادات في هذه المرحلة غير الواضحة قبل الانتخابات الرئاسية العام المقبل".
وبين القضيتين، يبرز ملف الصحفي رباح بن مغار المتهم بالقذف في حق منتخب محلي بما يعتبر "تهديدا حقيقيا لحرية الصحافة"، وفق منظمة "مراسلون بلا حدود" التي دعت السلطات في الجزائر إلى "تعديل نص القانون حول وضعية الصحفيين".
وبدورهم، عبر صحفيون عن التذمر من وضعيتهم الاجتماعية، لاسيما وأن الإعلاميين بالجزائر العاملين في القطاع الخاص يتقاضون مع كل نهاية شهر أجورا زهيدة لا تكفيهم لمواجهة التكاليف الباهظة للحياة. وحسب عدة تقارير مستقلة حول الوضعية المهنية والمادية في القطاع الخاص، فإن صحفيي الجرائد التي تنعت بكونها مستقلة يتلقون أجورا لا تتجاوز 300 أورو.
وعلى غرار حرية التعبير المهضومة وتكميم الصحافة المستقلة، فإن الحريات النقابية لم تكن أفضل حالا في 2013، مما دفع منظمة "هيومان رايتس ووتش" إلى دعوة "السلطات الجزائرية إلى الكف عن وضع العراقيل أمام إحداث النقابات المستقلة، وأن تسمح بتنظيم المظاهرات السلمية والإضرابات العمالية والمشاركة فيها".
وحسب المنظمة المدافعة عن حقوق الإنسان، فإن السلطات منعت المظاهرات، ومارست اعتقالات تعسفية في حق مناضلين نقابيين، وتابعت بعضهم قضائيا لا لسبب سوى لممارسة أنشطتهم النقابية بشكل سلمي، حيث عمدت إلى إبعاد موظفين وسجن قادة نقابيين بتهم ذات طابع سياسي.
وأعربت المنظمة عن الأسف لكون "السلطات الجزائرية تلجأ إلى مناورات إدارية بغرض منع بعض النقابات المستقلة من الحصول على وضع قانوني" لممارسة أنشطتها، موضحة أن "القانون المنظم للنقابات الجديدة لا يجيز سوى إخطار السلطات بوجودها، وليس طلب الترخيص لإحداثها".
واستنتجت هذه الهيئة الحقوقية، من خلال شهادات من نحو عشرين نقابيا، أن هذه الممارسات خلقت "مناخا من التخويف، والقلق من منع بروز نقابات مستقلة بالموازاة مع نقابات تدعمها الدولة والمتواجدة أصلا".
وأعطت المنظمة مثالا على ذلك بمنع تسليم وصل التسجيل لنقابة أساتذة التعليم العالي المتضامنين وللنقابة الوطنية المستقلة لعمال البريد.
ووفق جوي ستورك المدير المساعد لقسم "هيومان رايتس ووتش" بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فإن "العمال لا يجب تسريحهم أو سجنهم لمشاركتهم في أنشطة نقابية سلمية".
وفي نفس مسار التضييق، تعرض ناشطون حقوقيون لعقوبة حبسية نافذة في قضية تعود إلى مارس الماضي عندما تظاهر مناضلون بمدينة غرداية (600 كلم جنوب العاصمة) للاحتجاج على التلاعب بأموال عمومية.
وقد حكم على المسؤول عن الفرع المحلي للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان كمال الدين فخار بسنة حبسا نافذا، فيما صدر حكم في حق رفقاء له بستة أشهر حبسا نافذا، بعد أحداث تزامنت وافتتاح الدورة ال46 لعيد الزربية بغرداية يوم 26 مارس.
وأكد الضحايا أنهم "تعرضوا للضرب والتعذيب قبل أن يتم اعتقالهم بطريقة عنصرية وفجة خلال مسيرة سلمية تضامنا مع المعطلين ومع مطالبهم المشروعة".
وفي رده على محاكمته، أشار فخار إلى أن العقوبة "القاسية" في حقه تؤكد "الاتهامات الغريبة التي توجهها كالعادة شرطة غرداية"، ملاحظا أن هذا الحكم يمثل الرغبة في معاقبة النشطاء الإنسانيين والمعطلين والنقابيين المستقلين وكل شخص يجرöؤ على المطالبة بحقوقه أو على معارضة النظام".
ووجه نداء جاء فيه "مرة أخرى، نطالب، بإلحاح، كافة المنظمات الحقوقية غير الحكومية، خاصة المفوضية العليا لحقوق الإنسان، بفتح تحقيق معمق حول تجاوزات الجهاز القضائي الجزائري خلال معالجته لملفات النشطاء الإنسانيين والنقابيين المستقلين والعاطلين".
وعاشت غرادية أيضا في ختام السنة على إيقاع اتهامات جديدة لانتهاكات حقوق الإنسان بعد مواجهات ذات طابع عرقي بين مزابيين أمازيغ وعرب الشعانبة.
فبعد اشتباكات وأعمال عنف في بلدية غرارة (130 كلم قرب مدينة غرداية) يوم 22 نونبر، تظاهر مئات الأشخاص ضمنهم أعيان مزابيين بغرداية للتنديد ب"الانتهاكات التي طالت شبابا موقوفين من طرف الشرطة"، خلال هذه الأحداث التي اندلعت إثر مباراة محلية لكرة القدم واستمرت نحو 36 ساعة.
واتهمت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان حينها قوات الأمن باتخاذ موقف "متحيز" في الاشتباكات بين المزابيين والشعانبة.
وجاء في بيان للرابطة أن "الموقف الفاضح لبعض عناصر قوات الأمن، سواء أثناء المواجهات أو خلال إيقاف جزائريين مزابيين ، تبعث على الاعتقاد بأن الشرطة الجزائرية تصرفت كقوات الاحتلال الأمريكي في العراق، خاصة في سجن أبو غريب".