لم تأت الشكوك هذه المرة في قدرة حكومة عبد الإله بنكيران على استكمال مدتها القانونية من غريمه اللدود حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، أو من خصومه في أحزاب المعارضة، أو من النقابات العمالية المنتقدة بشدة لسياسته، بل إن سهام الشكوك أتت اليوم من عقر داره، وعلى لسان نائبه في حزب العدالة والتنمية الأستاذ لحسن الداودي، الذي يشغل في الحكومة الحالية منصب وزير التعليم العالي والبحث العلمي. فخلال ندوة صحفية نظمت على هامش "المؤتمر الأول للوزراء المكلفين بالبحث العلمي عن دول الحوار 5+5 "، الذي احتضنته الرباط يومي 19 و 20 شتنبر 2013 بقاعة أحمد بلافريج بمقر وزارة الخارجية بالرباط، انبرى السيد لحسن الداودى للجواب على سؤال صحفي قائلا: "بعد عام سنلتقي هنا لنتدارس حصيلة عملنا"، ثم استدرك مبتسما: "هذا إذا بقينا في الحكومة". وهو ما استدعى ابتسامة ضاحكة من الوزيرة الفرنسية المكلفة بالبحث العلمي مع زملائها الأوربيين الحاضرين، وابتسم الوزير الجزائري نصف ابتسامة سارع إلى ابتلاعها، فيما ظل الوزيران الليبي والموريتاني واجمين وكأنهما غائبين عما يجري حواليهما.
وبعد انتهاء الندوة الصحفية غادر وزراء 5+5 مقاعدهم الجلدية البيضاء اللون ليتبين أن بذلاتهم القاتمة كساها بعض الغبار الذي نالته من الكراسي المغبرة. الأمر الذي دفع بأحد الصحفيين الظرفاء إلى القول: " كان الأجدر أن يهتم لحسن الداودي بالبحث عن الغبار ومطاردته قبل الاعتناء بالبحث العلمي". ربما عملت إحدى مؤسساتنا الجامعية مستقبلا على ابتكار شعبة مختصة في علم الغبار كأحد فروع العلوم البيئية. ومن شأن ذلك مساعدة الحكومة التي ينتمي إليها لحسن الداودي على تدبير الغبار السياسي الذي يثار حولها، واتقاء مضاعافات أضراره التي تسبب الربو والحساسية، وهي الأعراض التي تعاني منها بإفراط حكومة بنكيران، إذ تشكو من ضيق في التنفس بعد انسحاب الاستقلالين ومن صعوبة في تليين شوكة الأحرار وتطويعها إلى إبرة سلسة لترقيع ثوب الحكومة.
وبعد استنفاد مخزون الغبار الذي ظلت الحكومة تقوم بذره على أعين المواطنين منذ تنصيبها، باتت اليوم في حاجة ملحة لغبار من نوع آخر تغطي به إخفاقاتها المتواصلة.
الغبار هو ما يحتاجه بنكيران كمفعول سحري يمكنه من الاستمرار على رأس الحكومة سنوات أخرى مستريحا تحت غطاء من طبقات جزيئاته المريحة.