تعتبر المقابر من المرافق العمومية ذات الأهمية الإنسانية حيث تجسد احترام الإنسان الميت وصيانة كرامته وحقوقه، كما تشكل جزءا من الفضاء العمومي مما يستدعي تنظيمها على النحو الأمثل حتى تساهم في تعزيز جمالية المدن والبوادي. وأمام حركة التمدن السريعة واتساع المجال الحضري الذي تشهده المدن المغربية، أصبحت المقابر تطرح مجموعة من الإشكاليات تتعلق بطرق تدبير شأنها والمحافظة عليها.
وإذا كان سوء حالة المقابر ظاهرة تتقاسمها غالبية المدن والبوادي فإن مدينة الرباط تعاني من ضيق مساحة المقابر حيث من المتوقع أن تصل إلى حدها الأقصى في ما يتعلق بطاقتها الاستيعابية بعد سنة أو سنتين على الأكثر، بل إن بعض مقابر العاصمة قد أغلقت بسبب عدم قدرتها على استقبال مزيد من أموات المسلمين كمقبرة يعقوب المنصور.
ومن المنتظر أن تلقى مقابر أخرى نفس المصير كمقبرة الشهداء حيث أكد محافظها ، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أنه لا يمكن لهذه المقبرة أن تصمد لأكثر من سنة أمام التدفق الكبير للأموات حيث تستقبل خمسة عشر نعشا يوميا.
هذه الوضعية تتطلب من المجلس البلدي والسلطات المحلية على الخصوص البحث عن حلول عاجلة للاستجابة للطلب المتزايد على أماكن الدفن بالعاصمة.
ويقول بوجمعة الدرعي نائب رئيس المجلس البلدي لمدينة الرباط في تصريح مماثل ان " الجميع على وعي بإشكالية الطاقة الاستيعابية للمقابر التي تعاني منها مدينة الرباط " ، معتبرا أن " المشكل يكمن في ندرة الأراضي المخصصة لدفن أموات المسلمين".
وأكد الدرعي أن المجلس البلدي وولاية الرباطسلا زمور زعير على قدم وساق للبحث عن مقابر جديدة وتمديد أخرى.
وقال في هذا الصدد، إن المجلس البلدي يسعى إلى ضم خمسة عشر هكتارا مجاورة لمقبرة "الصديق"، توجد في ملكية وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (الثلث)، وعدد من الورثة (الثلثين)، مشيرا إلى أن المجلس شرع في التفاوض مع الورثة وقد يلجأ إلى مسطرة نزع الملكية لتمديد هذه المقبرة.
من جهة أخرى، أشار نائب رئيس المجلس البلدي للرباط إلى أن المجلس ناقش مع المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر إمكانية تمديد مقبرة حي الرياض الكائنة أمام حديقة الحيوانات السابقة، مضيفا أن الأمر يحتاج فقط إلى إجراءات قانونية وإدارية.
وأشار أيضا إلى مبادرة لأحد المحسنين بجماعة أم عزة الذي وهب قطعة أرضية تبلغ مساحتها 26 هكتارا قصد تحويلها إلى مقبرة، غير أن المشكل الذي يحول دون استغلالها، حسب السيد الدرعي، هو بعد المسافة عن مدينة الرباط (20 كلم)، بالإضافة إلى أن القطعة الأرضية غير مجهزة.
مقترح آخر تقدم به رئيس مقاطعة أكدال الرياض رضا بن خلدون يهم إمكانية استغلال الحزام الأخضر الذي يفصل مدينتي الرباط وتمارة ، بحيث أشار الى أن العائق الأكبر لمواجهة ضيق المقابر بالرباط هو شح العقار الذي يحول دون توسيع وإحداث مقابر جديدة.
وقال إن " جميع المقابر وصلت طاقتها الاستيعابية إلى نهايتها باستثناء مقبرة الشهداء التي لا زالت تتوفر على مساحات قليلة معدة للدفن ".
وأضاف أن مجلس مقاطعة أكدال الرياض طلب فتوى من المجلس العلمي الأعلى حول مسألة اقتراح طريقة جديدة للدفن في المقابر (الدفن الأفقي .. قبر فوق قبر) كوسيلة لمواجهة ضيق المساحات المخصصة للدفن بالعاصمة.
وبالفعل، فقد أصدر المجلس العلمي الأعلى في مارس 2011 فتوى ارتأت فيها الهيئة العلمية المكلفة بالإفتاء" أن تتأنى في الأمر وتتروى فيه وألا تتعجل وتتسرع في الإفتاء بجواز الدفن على الطريقة الجديدة أفقيا .. قبرا فوق قبر، وأن يبقى الدفن على ما هو مقرر ومعلوم شرعا ومتعارف عليه اجتماعيا ".
وفي انتظار إيجاد الحلول الكفيلة للاستجابة للطلب المتزايد على القبور، تبقى إشكالية المقابر بالرباط وفي المغرب عموما تحتاج إلى مقاربة شمولية تهم، بالإضافة إلى توسيع مساحاتها وإحداث أخرى جديدة، تحديث طرق تدبيرها وتحسين مظهرها كجزء من الفضاء العام.
وقد أكدت دراسة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان في سنة 2012 حول " حالة مقابر المسلمين بالمغرب ومقترحات عملية من أجل إصلاحها " أنه لا يعقل بأي حال من الأحوال اعتبار المقابر مجالا " ميتا " لمجرد أنه يأوي "الموتى"، بل جزءا "حيا" من المشهد العام داخل البوادي والمدن، بما يمكن أن نطلق عليه اسم "المقابر المóشóاهد " وهو مفهوم يدخل في إطار تدبير المقابر ضمن إستراتيجية محكمة ومتكاملة لإعداد التراب وتأثيث المجال.