لا زال معتقلاً بألمانيا.. المحكمة الدستورية تجرد محمد بودريقة من مقعده البرلماني    طنجة المتوسط يعزز ريادته في البحر الأبيض المتوسط ويتخطى حاجز 10 ملايين حاوية خلال سنة 2024    بهدف تعزيز التنمية المحلية.. الناظور مع موعد معرض متنقل للاقتصاد الاجتماعي والتضامني    ضمنهم طفل مغربي.. مقتل شخصين وإصابة آخرين في هجوم بسكين بألمانيا والمشتبه به أفغاني    عامل نظافة يتعرض لاعتداء عنيف في طنجة    فوضى حراس السيارات في طنجة: الأمن مطالب بتدخل عاجل بعد تعليمات والي الجهة    حادثة مروعة بمسنانة: مصرع شاب وإيقاف سائق سيارة حاول الفرار    النصب على "الحراكة" في ورزازات    السكوري: نسخة "النواب" من مشروع قانون الإضراب لا تعكس تصور الحكومة    في درس تنصيب أفاية عضوا بأكاديمية المملكة .. نقد لخطابات "أزمة القيم"    ميناء طنجة المتوسط يكسر حاجز 10 ملايين حاوية في سنة واحدة    عامل إقليم الجديدة يستقبل رئيس وأعضاء المجلس الإقليمي للسياحة    ريال مدريد يُسطر انتصارا كاسحا بخماسية في شباك سالزبورج    شباب الريف الحسيمي يتعاقد رسميا مع المدرب محمد لشهابي    حموشي يؤشر على تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني    في الحاجة إلى ثورة ثقافية تقوم على حب الوطن وخدمته    توقعات أحوال الطقس ليوم الخميس    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    جهود استباقية للتخفيف من آثار موجة البرد بإقليم العرائش    اتخاذ إجراءات صارمة لكشف ملابسات جنحة قطع غير قانوني ل 36 شجرة صنوبر حلبي بإقليم الجديدة    نحن وترامب: (2) تبادل التاريخ ووثائق اعتماد …المستقبل    وزارة الداخلية تكشف عن إحباط أزيد من 78 ألف محاولة للهجرة غير السرية خلال سنة 2024    رسميا.. مسرح محمد الخامس يحتضن قرعة الكان 2025    توقيع اتفاقية مغربية-يابانية لتطوير قرية الصيادين بالصويرية القديمة    دولة بنما تقدم شكوى للأمم المتحدة بشأن تهديدات ترامب لها    القضاء يبرء طلبة كلية الطب من التهم المنسوبة اليهم    المغرب يُحبط أكثر من 78 ألف محاولة هجرة غير نظامية في 2024    القضاء الفرنسي يصدر مذكرة توقيف بحق بشار الأسد    منتخب "U17" يواجه غينيا بيساو وديا    الشيخات داخل قبة البرلمان    اعتقال المؤثرين .. الأزمة بين فرنسا والجزائر تتأجج من جديد    غموض يكتنف عيد الأضحى وسط تحركات لاستيراد المواشي    بنعلي: المغرب يرفع نسبة الطاقات المتجددة إلى 45.3% من إجمالي إنتاج الكهرباء    وهبي يعرض مشروع قانون المسطرة الجنائية الجديد    الغموض يلف العثور على جثة رضيعة بتاهلة    أيوب الحومي يعود بقوة ويغني للصحراء في مهرجان الطفل    120 وفاة و25 ألف إصابة.. مسؤول: الحصبة في المغرب أصبحت وباء    الإفراط في تناول اللحوم الحمراء يزيد من مخاطر تدهور الوظائف العقلية ب16 في المائة    سناء عكرود تشوّق جمهورها بطرح فيديو ترويجي لفيلمها السينمائي الجديد "الوَصايا"    حضور جماهيري مميز وتكريم عدد من الرياضيين ببطولة الناظور للملاكمة    محكمة الحسيمة تدين متهماً بالتشهير بالسجن والغرامة    مجموع مشتركي نتفليكس يتخطى 300 مليون والمنصة ترفع أسعارها    الكويت تعلن عن اكتشاف نفطي كبير    دراسة: أمراض اللثة تزيد مخاطر الإصابة بالزهايمر    جماهير جمعية سلا تطالب بتدخل عاجل لإنقاذ النادي    عادل هالا    Candlelight تُقدم حفلاتها الموسيقية الفريدة في طنجة لأول مرة    الصين تطلق خمسة أقمار صناعية جديدة    المدافع البرازيلي فيتور رايش ينتقل لمانشستر سيتي    الشاي.. كيف تجاوز كونه مشروبًا ليصبح رمزًا ثقافيًا عميقًا يعكس قيم الضيافة، والتواصل، والوحدة في المغرب    المغرب يواجه وضعية "غير عادية" لانتشار داء الحصبة "بوحمرون"    فضيل يصدر أغنيته الجديدة "فاتي" رفقة سكينة كلامور    علماء يكشفون الصلة بين أمراض اللثة وأعراض الزهايمر    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقابر المغرب تضيق بموتاها
نشر في أخبارنا يوم 27 - 02 - 2012

تستبد بنادية وعائلتها نفس الحيرة في كل مرة تنتقل لزيارة قبر الوالد بمقبرة الغفران في ضاحية الدارالبيضاء الجنوبية. تحتاج نادية والعائلة إلى تمضية وقت طويل قبل الاهتداء إلى قبر المرحوم المدفون قبل 13 سنة. بين متاهات الطريقات العديدة بين قبور الموتى تسبح أرجل نادية في بحر شاسع من الشواهد واللحود المتشابهةن وفي كل مرة تتغير معالم المقبرة. العشرات من الصفوف الجديدة تفاجئها في كل زيارة بإغراق قبر الوالد في الابتعاد أو الاختفاء. حتى العلامات التي تستدل بها نادية على مكان قبر والدها، والتي تصر على تذكرها في كل مرة تغادر فيها أرض المقبرة لتشكل علامتها في رحلة البحث القادمة، ما تلبث أن تصبح بلا معنى في الاستهداء إلى مكانه، بعد أن تتدارى داخل الخريطة المتجددة يوميا داخل مقبرة الغفران. نادية تعرف أكثر من غيرها أن معدلات الدفن في الغفران ترتفع يوما بعد آخر بحكم المعايشة الميدانية، في مدينة مليونية تضيق مقابرها بموتاها … وقد لا تجد لهم مكانا في القادم القريب من السنوات.
بالأمس فقط، كانت مقاربة القرب حاضرة في تدبير شأن الأموات، حيث كانت مدينة الدار البيضاء تتوفر على عدد كبير من فضاءات الدفن المُوزَّعة على أحياء العاصمة الاقتصادية، فاق عددها عشرة مدافن، أغلقت أغلبُها أبوابها بعد أن فاق الطاقة الاستيعابية للدفن وضاقت المساحات بالأموات، من بينها مقبرة أهل فاس، غيرَ بعيد عن «لهجاجمة»، في حي بوركون، ومقبرة أولاد زيان، المجاورة لمقبرة اليهود والمسيحيين، في ما يشبه «حي المقابر»، ومقبرة مسعود الرويضي، على مقربة من «ملعب فيليب»، قبل أن «تموت»، بدورها بالتقادم، ومقبرة سيدي مومن، القريبة من كاريان الرحامنة، ومقبرة القاعدة العسكرية في شارع عمر بن الخطاب، ومقبرة الشهداء في شارع الحزام الكبير، ومقبرة سيدي عثمان، قرب الضريح، ومقبرة حي سباتة في شارع الجولان، ومقبرتا عين حرودة وسيدي أحمد بلحسن في مديونة، ثم مقبرة سيدي مسعود، بينما ظلت مقبرتا «الرحمة» و«الغفران» الوحيدتان في مواجهة القادمين من عالم الأحياء إلى استراحة عالم الأموات.
‘‘الغفران‘‘ : بوادر اختناق قادم
تقوم مقبرة الغفران على امتداد مساحة تقدر ب138 هكتارا من الأراضي المُسترجَعة في ضواحي الدار البيضاء. استقبلت مقبرة ”الغفران”الواقعة على تراب جهة الدار البيضاء الكبرى منذ افتتاحها سنة 1989 إلى عام 2010 وفقا للإحصائيات المسجلة لأعداد الأموات ما مجموعه 136 ألف و839 جثة، منها 68 ألف و377
جثة للرجال، 47 ألف و 397 جثة للنساء، و 21 ألف و 65 جثة للأطفال، وذلك من مختلف المقاطعات المستفيدة من دفن الأموات بهذه المقبرة : عين السبع، الحي المحمدي، سيدي البرنوصي، الصخور السوداء، سيدي مومن، الفداء، مرس السلطان، ابن امسيك، سيدي عثمان، سباتة، مولاي رشيد، عين الشق، جماعة الهراويين، جماعة المشور. وفقا للإحصائيات المسجلة لأعداد الأموات الذين يدفنون بمقربة الغفران وحدها فعددها يصل إلى ما لا يقل عن 25 جثة يوميا وقد يصل العدد إلى 40 جثة خلال فصل الصيف وكذا أثناء شهر رمضان والمعدل الشهري للدفن هو 750 جثة وقد يصل أحيانا إلى 1000 جثة مما يجعلها سنويا قد تصل إلى عشرة آلاف جثة مدفونة. ويصل عدد المقابر الخاصة ب ”الغفران”حوالي 110 تباع بثمن 40 ألف درهم بمساحة 25 مترا مربعا، وهي بقعة تتسع ل 12 قبرا .
أمام عدم وجود سياسة واضحة بخصوص المقابر في الدارالبيضاء، إن على المستوى الوطني أو المحلي، قررت بعض العائلات، في إطار تضامني بين أفرادها، حجز مَدافنَ عائلية تحسبا لأي طارئ داخل فضاء مقبرة الغفران، التي تشير تقديرات المهتمين بأنها قد تغلق أبوابها بعد عقد من الزمن. وهو ما سيخلق في حالة تأكيدة أزمة حقيقية في العاصمة الاقتصادية، خصوصا وأن تقادم المقابرالذي يتم بمرور 40 سنة عن آخر عملية دفن،سيحول دون إعادة استعمال المقابر الكاملة التي أغلقت في وجه الدفن منذ أزيد من ثلاثة عقود، كمقبرتي أولاد زيان وأهل فاس في بوركون. وقد انتبه المشرع إلى بوادر هذه الأزمة منذ زمن، حيث نص الظهير الشريف رقم 986.68، بتاريخ 19 شعبان 1389 (31 أكتوبر 1969) المتعلق بنظام دفن جثت المسلمين إلى أزمة المقابر، فقرر «السماح لكل شخص بالدفن في ملكه، شرط أن يبتعد القبر ب50 مترا عن السكنى أو عن البئر القريبة، وشرط حصوله على إذن بخصوص ذلك من سلطة العمالة أو الإقليم الذي يوجد الملك المذكور في دائرة نفوذه».
الرباطسلا : مقابر تتقلص يوميا
النقص الحاد في العقار… تشابك الخيوط والمصالح بين عدة مؤسسات وجهات رسمية واقتصادية … المضاربة المحمومة على الأراضي… كلها أسباب تفاقم من مشكل اختناق المقابر في الرباط وسلا وماجاورهما. تنضاف إليها كثرة المتدخلين في قطاع المقابر، فتدبير قطاع المقابر لا يقتصر على سلطات الولاية والجماعات الحضرية، بل تتدخل فيه أيضا وزارة الأوقاف، وتتدخل الوكالة الحضرية أيضا باقتراحاتها في الأماكن الصالحة لإنشاء المقابر حسب تصميم التهيئة الذي تهيئه بتعاون مع السلطات الولائية، ودخلت على الخط في الآونة وكالة تهيئة حوض أبي رقراق التي حصلت على أزيد من 6000 هكتار أغلبها تابع لوزارة الأوقاف.
يلقي الكثير من المسؤولين في الرباط اللوم في الزيادة في أزمة الوعاء العقاري على كل هذه الأسباب محاولين إثارة الانتباه إلى الخصاص الوشيك في هذا المرفق الاجتماعي الحيوي. ففي الوقت الذي لا تزال فيه مقبرتي حي الرياض ذو الكثافة السكانية القليلة نسبيا، ومقبرة شالة الخاصة بدفن سكان تواركة، بعيدتان عن مرحلة الأزمة، تقارب المقابر الأربعة الأخرى الرئيسية في العاصمة : مقبرة الصديق في الحي الصناعي والمجاورة لأحياء التقدم والنهضة الآهلة بالسكان، ومقبرة الشهداء المعروفة بكونها كانت المدفن الرئيسي لسكان الرباط منذ عقود مضت، ثم مقبرة مرجان من الامتلاء نهائيا.
في مدينة سلا، تحولت مقبرة سيدي عبد المظلوم بباب الخميس، ومقبرة سيدي مسعود أمسار بباب سبتة الى طرق للمرور، وأدخلت مقبرة باب معلقة ومقبرة سيدي بنعاشر الى مشاريع ضخمة، فيما أتلفت مقابر بالكامل أو جزئيا كمقبرة سيدي موسى، ووظفت مقابر للاستغلال الشركات الكبرى كمقبرة باب شعفة التي حولتها ريضال الى مآرب لسياراتها فيما حولت وظائف مقابر أخرى في إطار الاستغلال للمنفعة العامة الى طرق أو مشاريع أخرى. الأرقام تشير إلى أن مدينة سلا لوحدها تحتاج سنويا إلى 17000 متر مربع في السنة من المقابر إذا ما اعتبرنا أنها تشهد حوالي 70 حالة وفاة يوميا.
في الآونة الأخيرة طفت الى السطح دعوة رئيس مقاطعة أكدال الرياض، بإتباع طريقة دفن الموتى بشكل عمودي، بدل الشكل الأفقي المعتمد الآن في المدافن المغربية. وفيما ينتظر مقترحو ومصممو الفكرة في انتظار ما ستلقاه الفكرة من قبل لجنة الإفتاء في المجلس العلمي الأعلى، لازال الكل يعيش على أمل إيجاد شبر ارض يأوي سوأته يوما من الأيام. الفكرة الثانية الموضوعة على طاولة الإفتاء للمجلس العلمي الأعلى هي الترخيص لإعادة استعمال المقابر بعد مضي ثلاثين عاما عوض الأربعين عاما المتعارف عليها حاليا ما يعني الدفن في أماكن لقبور استعملت فيما مضى.
طنجةأصيلة : خريطة متغيرة للمقابر
أموات يدفنون فوق بعضهم … مقابر تحولت إلى أماكن لرمي النفايات… قبور تجتث لخلق مدافن أخرى…خريطة قبور تتغير باستمرار … هذه حالة المقابر في محور طنجةأصيلةتطوان. حسب تقرير أعدته اللجنة المكلفة بالشؤون الاجتماعية والثقافية بالمجلس السابق لعمالة طنجة أصيلة ، فإن سكان المدينة سيجدون صعوبة كبيرة من أجل دفن موتاهم في السنوات القليلة المقبلة ، وهو ما أثارت انتباهه أيضا المندوبية الجهوية للشؤون الإسلامية بطنجة ، حول تدهور وضعية المقابر بالمدينة ، باعتبار أن مساحتها المتبقية بالمدار الحضري تشارف على الانتهاء أمام استمرار ضعف الوعاء العقاري ، فيما لا تتعدى نسبة استغلالها بالمدار القروي حوالي 60 بالمائة.
رابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين بجهة طنجةتطوان، تؤكد في تقريرها أن مجلسي الجماعة الحضرية لطنجة والجماعة الحضرية لأصيلة، يحاولون إعادة النظر بشأن حال مقابر هاتين المنطقتين من أجل حل مشكل دفن الأموات. ويتعلق الأمر بحال مقبرة «المجاهدين» في طنجة، التي امتلأت عن آخرها خصوصا جناحها القديم، الذي بدأ الدفن به منذ بداية السبعينات، ثم مقبرة «الريحان» بأصيلة. الأخطر يضيف التقرير، أنه «يتم دفن الموتى في حفر سطحية وغير عميقة من أجل تلافي الوصول إلى رفات الموتى، ما يتسبب في انبعاث الروائح الكريهة داخل محيط المقبرة». وغالبا ما يفاجأ زوار المقبرة بتغير خريطة توزيع القبور بشكل ملفت للنظر. وتتكون أراضي مقبرة «الريحان»، من عقارات تابعة لأملاك الخواص، وأراضي وقفية قدمت في شكل هبة لم تكتمل بشأنها مسطرة الاقتناء عن طريق الحيازة من قبل المجلس.
وضعت الجماعة الحضرية لمدينة طنجة مخططا لإقامة مقبرة جماعية نموذجية تمتد على مساحة 15 هكتارا بمنطقة الرهراه، من أجل تدبير جيد لعمليات الدفن في مقابر تراعي حرمة الأموات. ويأتي مخطط الجماعة الحضرية لمدينة طنجة تنفيذا لتوصيات سابقة للمجلس على إثر إغلاق مقبرة حي “مرشان” وصعوبة مواصلة عمليات الدفن بمقبرة “المجاهدين” نظرا لوجود إكراهات عقارية على هذه القطعة الأرضية.
وقد سبق وأن قررت سلطات طنجة، خلال نهاية سنة 2008 ، تعويض أماكن الدفن المتوفرة حاليا. لكن بالرغم من الإعلان عن هذا القرار الذي انتظره سكان طنجة طويلا لازال سكان طنجة يجدون صعوبة في دفن موتاهم. وكان الاتفاق على إحداث أربعة مقابر جديدة عوض مقبرة واحدة رئيسية , حسب ما أعلن عنه الكاتب العام للولاية ، موزعة على المقاطعات الحضرية الأربعة طنجة المدينة و السواني و مغوغة وبني مكادة ، حيث خصص لهذا المشروع ، مساحة إجمالية تصل إلى 200 هكتار من أراضي الجموع المنتشرة بمناطق مختلفة عند مداخل المدينة, كما تقرر إعداد مقبرة جديدة أخرى على مساحة 20 هكتارا بتراب جماعة اكزناية ، كل هذا لم يتحقق ، نتيجة تأخر تخصيص اعتماداته.
سيدي يحي – الجديدة : جثث جديدة فوق جثت قديمة
تشهد المقبرة الوحيدة لسيدي يحيى الغرب حالة غير مسبوقة من الإكتظاظ لكثرة الضغط عليها، جراء توافد الموتى حيث تتم عملية الدفن حاليا عبر المسالك التي كانت مخصصة في وقت سابق لمرور زوار المقابر أو في أماكن لقبور استعملت فيما مضى. أمام هذا المشكل بات من الضروري تحرك المجلس البلدي لاقتناء عقار من أجل إحداث مقبرة بمواصفات تحترم حرمة القبور.
وقد سبق لشركة العمران، في شراكة مع المجلس البلدي للمدينة أن تعهد ضمن محاضر في اجتماعات عقدت بالولاية سنة 2000 باقتناء أراض من الجماعة السلالية ” الرحاونة ” بسيدي يحيى الغرب غير أن هذا المشروع لم ير النور. أكثر من ذلك تم إلغاء الاتفاقية المشتركة مع الجماعة القروية لعامر السفلية التي سبق للمجلس السابق أن صادق عليها، والمتعلقة بقيام المجلس القروي بإحداث مقبرة مكان مقبرة الأجانب التابعة لنفوذ ترابها آنذاك قبل أن تصبح ضمن المدار الحضري للمدينة، بعد ما أصبحت أرضا خالية إثر نقل رفات الموتى النصارى إلى فرنسا.
تستبد بنادية وعائلتها نفس الحيرة في كل مرة تنتقل لزيارة قبر الوالد بمقبرة الغفران في ضاحية الدارالبيضاء الجنوبية. تحتاج نادية والعائلة إلى تمضية وقت طويل قبل الاهتداء إلى قبر المرحوم المدفون قبل 13 سنة. بين متاهات الطريقات العديدة بين قبور الموتى تسبح أرجل نادية في بحر شاسع من الشواهد واللحود المتشابهةن وفي كل مرة تتغير معالم المقبرة. العشرات من الصفوف الجديدة تفاجئها في كل زيارة بإغراق قبر الوالد في الابتعاد أو الاختفاء. حتى العلامات التي تستدل بها نادية على مكان قبر والدها، والتي تصر على تذكرها في كل مرة تغادر فيها أرض المقبرة لتشكل علامتها في رحلة البحث القادمة، ما تلبث أن تصبح بلا معنى في الاستهداء إلى مكانه، بعد أن تتدارى داخل الخريطة المتجددة يوميا داخل مقبرة الغفران. نادية تعرف أكثر من غيرها أن معدلات الدفن في الغفران ترتفع يوما بعد آخر بحكم المعايشة الميدانية، في مدينة مليونية تضيق مقابرها بموتاها … وقد لا تجد لهم مكانا في القادم القريب من السنوات.
بالأمس فقط، كانت مقاربة القرب حاضرة في تدبير شأن الأموات، حيث كانت مدينة الدار البيضاء تتوفر على عدد كبير من فضاءات الدفن المُوزَّعة على أحياء العاصمة الاقتصادية، فاق عددها عشرة مدافن، أغلقت أغلبُها أبوابها بعد أن فاق الطاقة الاستيعابية للدفن وضاقت المساحات بالأموات، من بينها مقبرة أهل فاس، غيرَ بعيد عن «لهجاجمة»، في حي بوركون، ومقبرة أولاد زيان، المجاورة لمقبرة اليهود والمسيحيين، في ما يشبه «حي المقابر»، ومقبرة مسعود الرويضي، على مقربة من «ملعب فيليب»، قبل أن «تموت»، بدورها بالتقادم، ومقبرة سيدي مومن، القريبة من كاريان الرحامنة، ومقبرة القاعدة العسكرية في شارع عمر بن الخطاب، ومقبرة الشهداء في شارع الحزام الكبير، ومقبرة سيدي عثمان، قرب الضريح، ومقبرة حي سباتة في شارع الجولان، ومقبرتا عين حرودة وسيدي أحمد بلحسن في مديونة، ثم مقبرة سيدي مسعود، بينما ظلت مقبرتا «الرحمة» و«الغفران» الوحيدتان في مواجهة القادمين من عالم الأحياء إلى استراحة عالم الأموات.
‘‘الغفران‘‘ : بوادر اختناق قادم
تقوم مقبرة الغفران على امتداد مساحة تقدر ب138 هكتارا من الأراضي المُسترجَعة في ضواحي الدار البيضاء. استقبلت مقبرة ”الغفران”الواقعة على تراب جهة الدار البيضاء الكبرى منذ افتتاحها سنة 1989 إلى عام 2010 وفقا للإحصائيات المسجلة لأعداد الأموات ما مجموعه 136 ألف و839 جثة، منها 68 ألف و377
جثة للرجال، 47 ألف و 397 جثة للنساء، و 21 ألف و 65 جثة للأطفال، وذلك من مختلف المقاطعات المستفيدة من دفن الأموات بهذه المقبرة : عين السبع، الحي المحمدي، سيدي البرنوصي، الصخور السوداء، سيدي مومن، الفداء، مرس السلطان، ابن امسيك، سيدي عثمان، سباتة، مولاي رشيد، عين الشق، جماعة الهراويين، جماعة المشور. وفقا للإحصائيات المسجلة لأعداد الأموات الذين يدفنون بمقربة الغفران وحدها فعددها يصل إلى ما لا يقل عن 25 جثة يوميا وقد يصل العدد إلى 40 جثة خلال فصل الصيف وكذا أثناء شهر رمضان والمعدل الشهري للدفن هو 750 جثة وقد يصل أحيانا إلى 1000 جثة مما يجعلها سنويا قد تصل إلى عشرة آلاف جثة مدفونة. ويصل عدد المقابر الخاصة ب ”الغفران”حوالي 110 تباع بثمن 40 ألف درهم بمساحة 25 مترا مربعا، وهي بقعة تتسع ل 12 قبرا .
أمام عدم وجود سياسة واضحة بخصوص المقابر في الدارالبيضاء، إن على المستوى الوطني أو المحلي، قررت بعض العائلات، في إطار تضامني بين أفرادها، حجز مَدافنَ عائلية تحسبا لأي طارئ داخل فضاء مقبرة الغفران، التي تشير تقديرات المهتمين بأنها قد تغلق أبوابها بعد عقد من الزمن. وهو ما سيخلق في حالة تأكيدة أزمة حقيقية في العاصمة الاقتصادية، خصوصا وأن تقادم المقابرالذي يتم بمرور 40 سنة عن آخر عملية دفن،سيحول دون إعادة استعمال المقابر الكاملة التي أغلقت في وجه الدفن منذ أزيد من ثلاثة عقود، كمقبرتي أولاد زيان وأهل فاس في بوركون. وقد انتبه المشرع إلى بوادر هذه الأزمة منذ زمن، حيث نص الظهير الشريف رقم 986.68، بتاريخ 19 شعبان 1389 (31 أكتوبر 1969) المتعلق بنظام دفن جثت المسلمين إلى أزمة المقابر، فقرر «السماح لكل شخص بالدفن في ملكه، شرط أن يبتعد القبر ب50 مترا عن السكنى أو عن البئر القريبة، وشرط حصوله على إذن بخصوص ذلك من سلطة العمالة أو الإقليم الذي يوجد الملك المذكور في دائرة نفوذه».
الرباطسلا : مقابر تتقلص يوميا
النقص الحاد في العقار… تشابك الخيوط والمصالح بين عدة مؤسسات وجهات رسمية واقتصادية … المضاربة المحمومة على الأراضي… كلها أسباب تفاقم من مشكل اختناق المقابر في الرباط وسلا وماجاورهما. تنضاف إليها كثرة المتدخلين في قطاع المقابر، فتدبير قطاع المقابر لا يقتصر على سلطات الولاية والجماعات الحضرية، بل تتدخل فيه أيضا وزارة الأوقاف، وتتدخل الوكالة الحضرية أيضا باقتراحاتها في الأماكن الصالحة لإنشاء المقابر حسب تصميم التهيئة الذي تهيئه بتعاون مع السلطات الولائية، ودخلت على الخط في الآونة وكالة تهيئة حوض أبي رقراق التي حصلت على أزيد من 6000 هكتار أغلبها تابع لوزارة الأوقاف.
يلقي الكثير من المسؤولين في الرباط اللوم في الزيادة في أزمة الوعاء العقاري على كل هذه الأسباب محاولين إثارة الانتباه إلى الخصاص الوشيك في هذا المرفق الاجتماعي الحيوي. ففي الوقت الذي لا تزال فيه مقبرتي حي الرياض ذو الكثافة السكانية القليلة نسبيا، ومقبرة شالة الخاصة بدفن سكان تواركة، بعيدتان عن مرحلة الأزمة، تقارب المقابر الأربعة الأخرى الرئيسية في العاصمة : مقبرة الصديق في الحي الصناعي والمجاورة لأحياء التقدم والنهضة الآهلة بالسكان، ومقبرة الشهداء المعروفة بكونها كانت المدفن الرئيسي لسكان الرباط منذ عقود مضت، ثم مقبرة مرجان من الامتلاء نهائيا.
في مدينة سلا، تحولت مقبرة سيدي عبد المظلوم بباب الخميس، ومقبرة سيدي مسعود أمسار بباب سبتة الى طرق للمرور، وأدخلت مقبرة باب معلقة ومقبرة سيدي بنعاشر الى مشاريع ضخمة، فيما أتلفت مقابر بالكامل أو جزئيا كمقبرة سيدي موسى، ووظفت مقابر للاستغلال الشركات الكبرى كمقبرة باب شعفة التي حولتها ريضال الى مآرب لسياراتها فيما حولت وظائف مقابر أخرى في إطار الاستغلال للمنفعة العامة الى طرق أو مشاريع أخرى. الأرقام تشير إلى أن مدينة سلا لوحدها تحتاج سنويا إلى 17000 متر مربع في السنة من المقابر إذا ما اعتبرنا أنها تشهد حوالي 70 حالة وفاة يوميا.
في الآونة الأخيرة طفت الى السطح دعوة رئيس مقاطعة أكدال الرياض، بإتباع طريقة دفن الموتى بشكل عمودي، بدل الشكل الأفقي المعتمد الآن في المدافن المغربية. وفيما ينتظر مقترحو ومصممو الفكرة في انتظار ما ستلقاه الفكرة من قبل لجنة الإفتاء في المجلس العلمي الأعلى، لازال الكل يعيش على أمل إيجاد شبر ارض يأوي سوأته يوما من الأيام. الفكرة الثانية الموضوعة على طاولة الإفتاء للمجلس العلمي الأعلى هي الترخيص لإعادة استعمال المقابر بعد مضي ثلاثين عاما عوض الأربعين عاما المتعارف عليها حاليا ما يعني الدفن في أماكن لقبور استعملت فيما مضى.
طنجةأصيلة : خريطة متغيرة للمقابر
أموات يدفنون فوق بعضهم … مقابر تحولت إلى أماكن لرمي النفايات… قبور تجتث لخلق مدافن أخرى…خريطة قبور تتغير باستمرار … هذه حالة المقابر في محور طنجةأصيلةتطوان. حسب تقرير أعدته اللجنة المكلفة بالشؤون الاجتماعية والثقافية بالمجلس السابق لعمالة طنجة أصيلة ، فإن سكان المدينة سيجدون صعوبة كبيرة من أجل دفن موتاهم في السنوات القليلة المقبلة ، وهو ما أثارت انتباهه أيضا المندوبية الجهوية للشؤون الإسلامية بطنجة ، حول تدهور وضعية المقابر بالمدينة ، باعتبار أن مساحتها المتبقية بالمدار الحضري تشارف على الانتهاء أمام استمرار ضعف الوعاء العقاري ، فيما لا تتعدى نسبة استغلالها بالمدار القروي حوالي 60 بالمائة.
رابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين بجهة طنجةتطوان، تؤكد في تقريرها أن مجلسي الجماعة الحضرية لطنجة والجماعة الحضرية لأصيلة، يحاولون إعادة النظر بشأن حال مقابر هاتين المنطقتين من أجل حل مشكل دفن الأموات. ويتعلق الأمر بحال مقبرة «المجاهدين» في طنجة، التي امتلأت عن آخرها خصوصا جناحها القديم، الذي بدأ الدفن به منذ بداية السبعينات، ثم مقبرة «الريحان» بأصيلة. الأخطر يضيف التقرير، أنه «يتم دفن الموتى في حفر سطحية وغير عميقة من أجل تلافي الوصول إلى رفات الموتى، ما يتسبب في انبعاث الروائح الكريهة داخل محيط المقبرة». وغالبا ما يفاجأ زوار المقبرة بتغير خريطة توزيع القبور بشكل ملفت للنظر. وتتكون أراضي مقبرة «الريحان»، من عقارات تابعة لأملاك الخواص، وأراضي وقفية قدمت في شكل هبة لم تكتمل بشأنها مسطرة الاقتناء عن طريق الحيازة من قبل المجلس.
وضعت الجماعة الحضرية لمدينة طنجة مخططا لإقامة مقبرة جماعية نموذجية تمتد على مساحة 15 هكتارا بمنطقة الرهراه، من أجل تدبير جيد لعمليات الدفن في مقابر تراعي حرمة الأموات. ويأتي مخطط الجماعة الحضرية لمدينة طنجة تنفيذا لتوصيات سابقة للمجلس على إثر إغلاق مقبرة حي “مرشان” وصعوبة مواصلة عمليات الدفن بمقبرة “المجاهدين” نظرا لوجود إكراهات عقارية على هذه القطعة الأرضية.
وقد سبق وأن قررت سلطات طنجة، خلال نهاية سنة 2008 ، تعويض أماكن الدفن المتوفرة حاليا. لكن بالرغم من الإعلان عن هذا القرار الذي انتظره سكان طنجة طويلا لازال سكان طنجة يجدون صعوبة في دفن موتاهم. وكان الاتفاق على إحداث أربعة مقابر جديدة عوض مقبرة واحدة رئيسية , حسب ما أعلن عنه الكاتب العام للولاية ، موزعة على المقاطعات الحضرية الأربعة طنجة المدينة و السواني و مغوغة وبني مكادة ، حيث خصص لهذا المشروع ، مساحة إجمالية تصل إلى 200 هكتار من أراضي الجموع المنتشرة بمناطق مختلفة عند مداخل المدينة, كما تقرر إعداد مقبرة جديدة أخرى على مساحة 20 هكتارا بتراب جماعة اكزناية ، كل هذا لم يتحقق ، نتيجة تأخر تخصيص اعتماداته.
سيدي يحي – الجديدة : جثث جديدة فوق جثت قديمة
تشهد المقبرة الوحيدة لسيدي يحيى الغرب حالة غير مسبوقة من الإكتظاظ لكثرة الضغط عليها، جراء توافد الموتى حيث تتم عملية الدفن حاليا عبر المسالك التي كانت مخصصة في وقت سابق لمرور زوار المقابر أو في أماكن لقبور استعملت فيما مضى. أمام هذا المشكل بات من الضروري تحرك المجلس البلدي لاقتناء عقار من أجل إحداث مقبرة بمواصفات تحترم حرمة القبور.
وقد سبق لشركة العمران، في شراكة مع المجلس البلدي للمدينة أن تعهد ضمن محاضر في اجتماعات عقدت بالولاية سنة 2000 باقتناء أراض من الجماعة السلالية ” الرحاونة ” بسيدي يحيى الغرب غير أن هذا المشروع لم ير النور. أكثر من ذلك تم إلغاء الاتفاقية المشتركة مع الجماعة القروية لعامر السفلية التي سبق للمجلس السابق أن صادق عليها، والمتعلقة بقيام المجلس القروي بإحداث مقبرة مكان مقبرة الأجانب التابعة لنفوذ ترابها آنذاك قبل أن تصبح ضمن المدار الحضري للمدينة، بعد ما أصبحت أرضا خالية إثر نقل رفات الموتى النصارى إلى فرنسا.
في نفس السياق، قرر المجلس البلدي بالجديدة مؤخرا اقتناء مساحة بعدة هكتارات على تراب جماعة مولاي عبد الله أمغار من أجل إحداث مقبرة لدفن موتى مدينة الجديدة بعدما أضحت مقبرة “الرحمة” عاجزة عن استيعاب جثث الهالكين، و هو ما دفع مسؤولي المدينة إلى فتح أبواب مقبرة “سيدي موسى” التي تم إغلاقها لعدة سنوات جراء امتلائها في وجه الهالكين من جديد، إذ باتت قبورها تحتضن موتى توضع جثثهم فوق هياكل عظمية لجثث سابقة أمام ذهول و استياء شريحة واسعة من ساكنة المدينة التي تعتبر أن الجماعة الحضرية و الحالة هاته لم تف بالتزاماتها الاجتماعية تجاه المواطنين.
تستبد بنادية وعائلتها نفس الحيرة في كل مرة تنتقل لزيارة قبر الوالد بمقبرة الغفران في ضاحية الدارالبيضاء الجنوبية. تحتاج نادية والعائلة إلى تمضية وقت طويل قبل الاهتداء إلى قبر المرحوم المدفون قبل 13 سنة. بين متاهات الطريقات العديدة بين قبور الموتى تسبح أرجل نادية في بحر شاسع من الشواهد واللحود المتشابهةن وفي كل مرة تتغير معالم المقبرة. العشرات من الصفوف الجديدة تفاجئها في كل زيارة بإغراق قبر الوالد في الابتعاد أو الاختفاء. حتى العلامات التي تستدل بها نادية على مكان قبر والدها، والتي تصر على تذكرها في كل مرة تغادر فيها أرض المقبرة لتشكل علامتها في رحلة البحث القادمة، ما تلبث أن تصبح بلا معنى في الاستهداء إلى مكانه، بعد أن تتدارى داخل الخريطة المتجددة يوميا داخل مقبرة الغفران. نادية تعرف أكثر من غيرها أن معدلات الدفن في الغفران ترتفع يوما بعد آخر بحكم المعايشة الميدانية، في مدينة مليونية تضيق مقابرها بموتاها … وقد لا تجد لهم مكانا في القادم القريب من السنوات.
بالأمس فقط، كانت مقاربة القرب حاضرة في تدبير شأن الأموات، حيث كانت مدينة الدار البيضاء تتوفر على عدد كبير من فضاءات الدفن المُوزَّعة على أحياء العاصمة الاقتصادية، فاق عددها عشرة مدافن، أغلقت أغلبُها أبوابها بعد أن فاق الطاقة الاستيعابية للدفن وضاقت المساحات بالأموات، من بينها مقبرة أهل فاس، غيرَ بعيد عن «لهجاجمة»، في حي بوركون، ومقبرة أولاد زيان، المجاورة لمقبرة اليهود والمسيحيين، في ما يشبه «حي المقابر»، ومقبرة مسعود الرويضي، على مقربة من «ملعب فيليب»، قبل أن «تموت»، بدورها بالتقادم، ومقبرة سيدي مومن، القريبة من كاريان الرحامنة، ومقبرة القاعدة العسكرية في شارع عمر بن الخطاب، ومقبرة الشهداء في شارع الحزام الكبير، ومقبرة سيدي عثمان، قرب الضريح، ومقبرة حي سباتة في شارع الجولان، ومقبرتا عين حرودة وسيدي أحمد بلحسن في مديونة، ثم مقبرة سيدي مسعود، بينما ظلت مقبرتا «الرحمة» و«الغفران» الوحيدتان في مواجهة القادمين من عالم الأحياء إلى استراحة عالم الأموات.
‘‘الغفران‘‘ : بوادر اختناق قادم
تقوم مقبرة الغفران على امتداد مساحة تقدر ب138 هكتارا من الأراضي المُسترجَعة في ضواحي الدار البيضاء. استقبلت مقبرة ”الغفران”الواقعة على تراب جهة الدار البيضاء الكبرى منذ افتتاحها سنة 1989 إلى عام 2010 وفقا للإحصائيات المسجلة لأعداد الأموات ما مجموعه 136 ألف و839 جثة، منها 68 ألف و377
جثة للرجال، 47 ألف و 397 جثة للنساء، و 21 ألف و 65 جثة للأطفال، وذلك من مختلف المقاطعات المستفيدة من دفن الأموات بهذه المقبرة : عين السبع، الحي المحمدي، سيدي البرنوصي، الصخور السوداء، سيدي مومن، الفداء، مرس السلطان، ابن امسيك، سيدي عثمان، سباتة، مولاي رشيد، عين الشق، جماعة الهراويين، جماعة المشور. وفقا للإحصائيات المسجلة لأعداد الأموات الذين يدفنون بمقربة الغفران وحدها فعددها يصل إلى ما لا يقل عن 25 جثة يوميا وقد يصل العدد إلى 40 جثة خلال فصل الصيف وكذا أثناء شهر رمضان والمعدل الشهري للدفن هو 750 جثة وقد يصل أحيانا إلى 1000 جثة مما يجعلها سنويا قد تصل إلى عشرة آلاف جثة مدفونة. ويصل عدد المقابر الخاصة ب ”الغفران”حوالي 110 تباع بثمن 40 ألف درهم بمساحة 25 مترا مربعا، وهي بقعة تتسع ل 12 قبرا .
أمام عدم وجود سياسة واضحة بخصوص المقابر في الدارالبيضاء، إن على المستوى الوطني أو المحلي، قررت بعض العائلات، في إطار تضامني بين أفرادها، حجز مَدافنَ عائلية تحسبا لأي طارئ داخل فضاء مقبرة الغفران، التي تشير تقديرات المهتمين بأنها قد تغلق أبوابها بعد عقد من الزمن. وهو ما سيخلق في حالة تأكيدة أزمة حقيقية في العاصمة الاقتصادية، خصوصا وأن تقادم المقابرالذي يتم بمرور 40 سنة عن آخر عملية دفن،سيحول دون إعادة استعمال المقابر الكاملة التي أغلقت في وجه الدفن منذ أزيد من ثلاثة عقود، كمقبرتي أولاد زيان وأهل فاس في بوركون. وقد انتبه المشرع إلى بوادر هذه الأزمة منذ زمن، حيث نص الظهير الشريف رقم 986.68، بتاريخ 19 شعبان 1389 (31 أكتوبر 1969) المتعلق بنظام دفن جثت المسلمين إلى أزمة المقابر، فقرر «السماح لكل شخص بالدفن في ملكه، شرط أن يبتعد القبر ب50 مترا عن السكنى أو عن البئر القريبة، وشرط حصوله على إذن بخصوص ذلك من سلطة العمالة أو الإقليم الذي يوجد الملك المذكور في دائرة نفوذه».
الرباطسلا : مقابر تتقلص يوميا
النقص الحاد في العقار… تشابك الخيوط والمصالح بين عدة مؤسسات وجهات رسمية واقتصادية … المضاربة المحمومة على الأراضي… كلها أسباب تفاقم من مشكل اختناق المقابر في الرباط وسلا وماجاورهما. تنضاف إليها كثرة المتدخلين في قطاع المقابر، فتدبير قطاع المقابر لا يقتصر على سلطات الولاية والجماعات الحضرية، بل تتدخل فيه أيضا وزارة الأوقاف، وتتدخل الوكالة الحضرية أيضا باقتراحاتها في الأماكن الصالحة لإنشاء المقابر حسب تصميم التهيئة الذي تهيئه بتعاون مع السلطات الولائية، ودخلت على الخط في الآونة وكالة تهيئة حوض أبي رقراق التي حصلت على أزيد من 6000 هكتار أغلبها تابع لوزارة الأوقاف.
يلقي الكثير من المسؤولين في الرباط اللوم في الزيادة في أزمة الوعاء العقاري على كل هذه الأسباب محاولين إثارة الانتباه إلى الخصاص الوشيك في هذا المرفق الاجتماعي الحيوي. ففي الوقت الذي لا تزال فيه مقبرتي حي الرياض ذو الكثافة السكانية القليلة نسبيا، ومقبرة شالة الخاصة بدفن سكان تواركة، بعيدتان عن مرحلة الأزمة، تقارب المقابر الأربعة الأخرى الرئيسية في العاصمة : مقبرة الصديق في الحي الصناعي والمجاورة لأحياء التقدم والنهضة الآهلة بالسكان، ومقبرة الشهداء المعروفة بكونها كانت المدفن الرئيسي لسكان الرباط منذ عقود مضت، ثم مقبرة مرجان من الامتلاء نهائيا.
في مدينة سلا، تحولت مقبرة سيدي عبد المظلوم بباب الخميس، ومقبرة سيدي مسعود أمسار بباب سبتة الى طرق للمرور، وأدخلت مقبرة باب معلقة ومقبرة سيدي بنعاشر الى مشاريع ضخمة، فيما أتلفت مقابر بالكامل أو جزئيا كمقبرة سيدي موسى، ووظفت مقابر للاستغلال الشركات الكبرى كمقبرة باب شعفة التي حولتها ريضال الى مآرب لسياراتها فيما حولت وظائف مقابر أخرى في إطار الاستغلال للمنفعة العامة الى طرق أو مشاريع أخرى. الأرقام تشير إلى أن مدينة سلا لوحدها تحتاج سنويا إلى 17000 متر مربع في السنة من المقابر إذا ما اعتبرنا أنها تشهد حوالي 70 حالة وفاة يوميا.
في الآونة الأخيرة طفت الى السطح دعوة رئيس مقاطعة أكدال الرياض، بإتباع طريقة دفن الموتى بشكل عمودي، بدل الشكل الأفقي المعتمد الآن في المدافن المغربية. وفيما ينتظر مقترحو ومصممو الفكرة في انتظار ما ستلقاه الفكرة من قبل لجنة الإفتاء في المجلس العلمي الأعلى، لازال الكل يعيش على أمل إيجاد شبر ارض يأوي سوأته يوما من الأيام. الفكرة الثانية الموضوعة على طاولة الإفتاء للمجلس العلمي الأعلى هي الترخيص لإعادة استعمال المقابر بعد مضي ثلاثين عاما عوض الأربعين عاما المتعارف عليها حاليا ما يعني الدفن في أماكن لقبور استعملت فيما مضى.
طنجةأصيلة : خريطة متغيرة للمقابر
أموات يدفنون فوق بعضهم … مقابر تحولت إلى أماكن لرمي النفايات… قبور تجتث لخلق مدافن أخرى…خريطة قبور تتغير باستمرار … هذه حالة المقابر في محور طنجةأصيلةتطوان. حسب تقرير أعدته اللجنة المكلفة بالشؤون الاجتماعية والثقافية بالمجلس السابق لعمالة طنجة أصيلة ، فإن سكان المدينة سيجدون صعوبة كبيرة من أجل دفن موتاهم في السنوات القليلة المقبلة ، وهو ما أثارت انتباهه أيضا المندوبية الجهوية للشؤون الإسلامية بطنجة ، حول تدهور وضعية المقابر بالمدينة ، باعتبار أن مساحتها المتبقية بالمدار الحضري تشارف على الانتهاء أمام استمرار ضعف الوعاء العقاري ، فيما لا تتعدى نسبة استغلالها بالمدار القروي حوالي 60 بالمائة.
رابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين بجهة طنجةتطوان، تؤكد في تقريرها أن مجلسي الجماعة الحضرية لطنجة والجماعة الحضرية لأصيلة، يحاولون إعادة النظر بشأن حال مقابر هاتين المنطقتين من أجل حل مشكل دفن الأموات. ويتعلق الأمر بحال مقبرة «المجاهدين» في طنجة، التي امتلأت عن آخرها خصوصا جناحها القديم، الذي بدأ الدفن به منذ بداية السبعينات، ثم مقبرة «الريحان» بأصيلة. الأخطر يضيف التقرير، أنه «يتم دفن الموتى في حفر سطحية وغير عميقة من أجل تلافي الوصول إلى رفات الموتى، ما يتسبب في انبعاث الروائح الكريهة داخل محيط المقبرة». وغالبا ما يفاجأ زوار المقبرة بتغير خريطة توزيع القبور بشكل ملفت للنظر. وتتكون أراضي مقبرة «الريحان»، من عقارات تابعة لأملاك الخواص، وأراضي وقفية قدمت في شكل هبة لم تكتمل بشأنها مسطرة الاقتناء عن طريق الحيازة من قبل المجلس.
وضعت الجماعة الحضرية لمدينة طنجة مخططا لإقامة مقبرة جماعية نموذجية تمتد على مساحة 15 هكتارا بمنطقة الرهراه، من أجل تدبير جيد لعمليات الدفن في مقابر تراعي حرمة الأموات. ويأتي مخطط الجماعة الحضرية لمدينة طنجة تنفيذا لتوصيات سابقة للمجلس على إثر إغلاق مقبرة حي “مرشان” وصعوبة مواصلة عمليات الدفن بمقبرة “المجاهدين” نظرا لوجود إكراهات عقارية على هذه القطعة الأرضية.
وقد سبق وأن قررت سلطات طنجة، خلال نهاية سنة 2008 ، تعويض أماكن الدفن المتوفرة حاليا. لكن بالرغم من الإعلان عن هذا القرار الذي انتظره سكان طنجة طويلا لازال سكان طنجة يجدون صعوبة في دفن موتاهم. وكان الاتفاق على إحداث أربعة مقابر جديدة عوض مقبرة واحدة رئيسية , حسب ما أعلن عنه الكاتب العام للولاية ، موزعة على المقاطعات الحضرية الأربعة طنجة المدينة و السواني و مغوغة وبني مكادة ، حيث خصص لهذا المشروع ، مساحة إجمالية تصل إلى 200 هكتار من أراضي الجموع المنتشرة بمناطق مختلفة عند مداخل المدينة, كما تقرر إعداد مقبرة جديدة أخرى على مساحة 20 هكتارا بتراب جماعة اكزناية ، كل هذا لم يتحقق ، نتيجة تأخر تخصيص اعتماداته.
سيدي يحي – الجديدة : جثث جديدة فوق جثت قديمة
تشهد المقبرة الوحيدة لسيدي يحيى الغرب حالة غير مسبوقة من الإكتظاظ لكثرة الضغط عليها، جراء توافد الموتى حيث تتم عملية الدفن حاليا عبر المسالك التي كانت مخصصة في وقت سابق لمرور زوار المقابر أو في أماكن لقبور استعملت فيما مضى. أمام هذا المشكل بات من الضروري تحرك المجلس البلدي لاقتناء عقار من أجل إحداث مقبرة بمواصفات تحترم حرمة القبور.
وقد سبق لشركة العمران، في شراكة مع المجلس البلدي للمدينة أن تعهد ضمن محاضر في اجتماعات عقدت بالولاية سنة 2000 باقتناء أراض من الجماعة السلالية ” الرحاونة ” بسيدي يحيى الغرب غير أن هذا المشروع لم ير النور. أكثر من ذلك تم إلغاء الاتفاقية المشتركة مع الجماعة القروية لعامر السفلية التي سبق للمجلس السابق أن صادق عليها، والمتعلقة بقيام المجلس القروي بإحداث مقبرة مكان مقبرة الأجانب التابعة لنفوذ ترابها آنذاك قبل أن تصبح ضمن المدار الحضري للمدينة، بعد ما أصبحت أرضا خالية إثر نقل رفات الموتى النصارى إلى فرنسا.
في نفس السياق، قرر المجلس البلدي بالجديدة مؤخرا اقتناء مساحة بعدة هكتارات على تراب جماعة مولاي عبد الله أمغار من أجل إحداث مقبرة لدفن موتى مدينة الجديدة بعدما أضحت مقبرة “الرحمة” عاجزة عن استيعاب جثث الهالكين، و هو ما دفع مسؤولي المدينة إلى فتح أبواب مقبرة “سيدي موسى” التي تم إغلاقها لعدة سنوات جراء امتلائها في وجه الهالكين من جديد، إذ باتت قبورها تحتضن موتى توضع جثثهم فوق هياكل عظمية لجثث سابقة أمام ذهول و استياء شريحة واسعة من ساكنة المدينة التي تعتبر أن الجماعة الحضرية و الحالة هاته لم تف بالتزاماتها الاجتماعية تجاه المواطنين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.