يدشن إعلان أحزاب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والعمالي والاشتراكي اليوم الأربعاء بالرباط عن إطلاق مسار للاندماج ٬ لمحطة تؤشر على تحول في تاريخ "الحركة الاتحادية" التي عاشت فترات عصيبة بفعل صراعات داخلية أدت إلى انشقاقات في صفوف حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية٬ الحزب الأم الذي كان بدوره قد خرج من رحم الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ( 1975 ). ويندرج هذا القرار الذي سيعرض على الأجهزة التقريرية للأحزاب الثلاثة حسب بيان قدم خلال ندوة صحافية نظمت بهذه المناسبة أطلق عليه اسم"بيان من أجل الوحدة" ٬ ضمن مشروع واسع يهدف إلى "بلورة قطب يساري" حامل لمشروع اشتراكي حداثي يمكن من "تكسير عقال وضعية تشتت وتشرذم اليسار المغربي" ويتسع لكل القوى المحسوبة على هذا التوجه٬ والذي تمليه التحولات السياسية التي عرفها المغرب وبصفة خاصة بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة. وبرأي محللين فإن هذا المسار من شأنه المساهمة في "عقلنة المشهد السياسي المغربي " وفق تقاطبات واضحة ومنسجمة الرؤى والأهداف والمرجعيات٬ عوض تحالفات ظرفية تتفق على الحد الأدنى وتتأثر لمجرد حدوث اختلافات بسيطة في التقدير وفي الحسابات. وفي سياق تحليله للخطوة التي أقدمت عليها الأحزاب الثلاثة٬ قال منار السليمي٬ أستاذ العلوم السياسية إن هذا المسار الذي انطلق منذ حوالي ثماني سنوات٬ والذي يبدو أنه يصل مراحله النهائية٬ يمكن تفسيره بأن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أصبح أكثر واقعية في التعامل مع الأحزاب اليسارية الصغرى "لأنه تخلى عن فكرة الانصهار من خلال تبنيه لصيغة توفيقية فيها اعتراف بوجود الأحزاب الصغرى وفي نفس الوقت قبول هذه الأحزاب بالعودة إلى الحزب الأم". وفضلا عن ذلك فإن هذه الخطوة تؤكد برأي السليمي استرجاع الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية للتيارات التي انشقت عليه في ظروف ومناخ سياسي عرف فيه الاتحاد مجموعة من التحولات٬ مضيفا أن هذا القرار يعد أيضا نتاج "تغيرات عرفها الحزب بعد مؤتمره الوطني الأخير الذي أسفر عن فوز ادريس لشكر بالكتابة الأولى للاتحاد والذي بدأ في ترجمة وعوده بتجميع اليسار التي كانت إحدى أبرز النقط في برنامجه الذي قدمه قبل انتخابه كاتبا اول خلال المحطة التنظيمية الأخيرة ". وفضلا عن الجوانب الايجابية التي يمكن استخلاصها من هذه المحطة يرى السليمي بالمقابل أن نقطة ضعف هذه المبادرة تتجلى في الخطاب الذي تم تسويقه بالمناسبة من قبل الأحزاب الثلاثة "والذي قد يتم توظيفه من قبل جهات أخرى يمكن أن تعتبر نفسها بأنها مستهدفة من هذه العملية. والأكيد أن خطوة تجميع اليسار والتي من شأنها ٬برأي السليمي٬ أن تحفز على بروز أقطاب أخرى ممثلة في قطب ليبيرالي بقيادة الأصالة والمعاصرة والتجمع الوطني للأحرار٬ وقطب "يميني إسلامي " يضم أحزاب الاستقلال والحركة الشعبية والعدالة والتنمية٬ تؤسس لبداية الخروج من القطبية القديمة ممثلة في "الكتلة الديمقراطية" و" الوفاق الوطني "و "مجموعة الثمانية". ومن جهته استحضر سعيد خمري٬ أستاذ العلوم السياسية٬ نتائج المؤتمر الوطني الأخير للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وما يروج من حديث الآن عن بروز تيار متحفظ على طريقة اشتغال القيادة الجديدة للاتحاد٬ مشيرا إلى أن الحاجة أصبت ماسة بالنسبة للاتحاديين لمأسسة التيارات وتوضيح الرؤى والأفكار والاحتكام للهياكل بما يفضي إلى دمقرطة القرار الحزبي٬ وهو الأمر الذي قال بشأنه السيد ادريس لشكر إن تأسيس التيارات غير قابل للتحقق إلا إذا وافقت عليه الأجهزة التقريرية للحزب.
وأبرز خمري أن الظرفية السياسية التي يعيشها المغرب باتت تحتم بروز أقطاب واضحة المعالم٬ مبرزا أن ما تعيشه الأغلبية الحالية من تصدعات ناجمة عن قرار المجلس الوطني الانسحاب من الحكومة هي من إفرازات الوضعية الحالية للمشهد السياسي الذي يعاني من البلقنة وتشتت الخريطة السياسية والتحالفات الهشة . وخلص إلى أن تجميع الحقل السياسي وفق مرجعيات متقاربة من شانه أن يضع حدا لتفادي تشكيل ائتلافات حكومية بأي ثمن وبحد أدنى من الاتفاقات سرعان ما تتلاشى بمجرد وقوع حادث عرضي أو اختلاف بسيط في التقدير . بالموازاة مع هذه القراءات يرى زعماء أحزاب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والعمالي والاشتراكي أن الهدف من هذا المسار هو النهوض بطاقة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وممكناته والرفع من فعالياته في الإسهام في إنجاح الانتقال الديمقراطي وصيانة المكتسبات الوطنية بهدف المضي به "حزبا للقوات الشعبية طليعيا في موضوع الطموحات الشعبية وفي بلورتها انتصارا للمغرب المتقدم الموحد والديمقراطي". ويأتي هذا القرار كما يشرح ذلك "بيان من أجل الوحدة " انطلاقا من واجب "التصدي لتعاويذ الإحباط وسياسات النكوص التي تستهدف تقويض الامل الديمقراطي الاشتراكي". كما يجد هذا القرار سندا له في واجب 'التحفيز على الرقي النوعي بالمشاركة الشعبية وعلى توسيعها ٬ وهي التكريس الاجتماعي والثقافي للانتقال الديمقراطي " وكذا في "واجب الإسهام الفعال في تمتين وتمنيع الاصطفاف الوطني الحازم في صون وحدة ترابنا الوطني ٬ وتعميق انصهار كل مكونات شعبنا في نسيج وطني واحد تتناغم فيه تنويعاته الجهوية وتعدديته الثقافية والسياسية".