ولدعبد العزيز بوتفليقة سنة 1937 بوجدة، وهي السنة نفسها التي ازداد فيها صديق طفولته أمال قويدر، وفي هذا الحوار، يحكي هذا الإذاعي السابق حياة الطفولة والدراسة التي عاشها مع بوتفليقة وكيف تنكر هذا الأخير لمدينة وجدة وللمغاربة الذين ولد بينهم وترعرع بينهم قبل أن يلتحق بالثوار في الجزائر، ويحكي قويدر بحسرة، كيف أن ممرضة كانت عشيقة لبوتفليقة خانها وهرب عليها، ولم يخبرها حينما قرر الرحيل إلى الجزائر، وظلت المسكينة تبكي بصوت عالي في الأزقة والدروب بحثا عنه، لكن الخائن بوتفليقة تركها بعدما تمكن في غفلة منها من سرقة كل أغراضه التي كانت بحوزتها من صور وتذكارات وهرب ليلا كالفأر. وفي هذا الحوار مع قويدر يحكي الرجل تفاصيل الطفولة مع عن عبد العزيز بوتفليقة قائلا: " أنا أعرفه جيدا، هاداكْ... الوْلد كانْ ولدْ وْجدة..، وكان يعيش في «درب الطويل» وازداد في حي مدرومة.. بوتفليقة لم يظهر إلا بعد حصوله على «الشهادة»، وأنا لا أزال أتذكّر أحدَ أيام 1954 ونحن واقفون تحت شجرة للزيتون أمام إعدادية عبد المومن، وكان الزّلزال قد ضرب منطقة «الأصنام» في الجزائر، وكنا متحلقين حوله وبدأ يتلو علينا «سورة الزلزلة»: «ِذَا زُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الأرْضُ أَثْقَالَهَا وَقَالَ الإنْسَانُ مَا لَهَا»... وكان يقصد بذلك إثارة إعجاب الأصدقاء إلى وعيه ولحفظة بعض السّور في القرآن.. كان ذكيا ولطيفا، ولكنْ في الوقت نفسِه رزينا وماكرا.. وسأذكر لك -لاحِقاً- أين يكمن مكرُه وخداعه. في 1955 أسّس، مع بعض رفاقه «الاتحاد العام للطلبة الجزائريين».. وهناك ظهرت شخصية بوتفليقة، خصوصا لمّا انطلق الإضراب العامّ، لأنّ الجزائريين قاطعوا الدّراسة، وكنا في القسم قلة قليلة بسبب تغيّبهم نتيجة الإضراب. كان بوتفليقة هو من يحرّك «الاتحاد العامّ للطلبة الجزائريين».. كان له صديقان حميمان هما: محمد السّفرجلي (وعُين شقيقه عيسى السّفرجلي سفيرا بعد توليه رئاسة الجمهورية) وحميدة كرزازي - لماذا وصفته بالماكر والخادع؟ هو كان خَدّاعا وماكرا، فقد كان يُرسل بعض التلاميذ الجزائريين إلى جبهات الحرب في 1962، وكان يتعمّد إرسالهم في طرُق ملغومة وشائكة ومُسيَّجة بأسلاك كهربائية بقصد التخلص منهم!. . هنا بدأ.. لأنّ الجزائر لا تريد «جماعة وجدة» أن تحكم بعد خروج فرنسا ويُريدون التخلّص منها لِمَا كان معروفا عنها من موالاة للنظام المغربيّ.. الحسن الثاني كان ذكيا، لأنه أنشأ حكومة جزائرية في وجدة، ضمنها: أحمد عصمان، يوسف السّعدي، علال السّي ناصر.. هذه لم ينجح فيها الحسن الثاني، لكنْ كانت فكرة ممتازة. - كنت شديدَ الالتصاق به في مرحلة المُراهَقة.. أين كان يقضي معظمَ أوقاته؟ كان يُحبّ كرة القدم، وكان «كوايْري بمعنى الكلمة». يلعب في الدّفاع مع صديقه السّفرجلي. وقد سافر معنا إلى مدينة فاس في إطار الألعاب المدرسية وقضينا أوقاتا جميلة، لكنه «شخص حْدّودي».. وإضافة إلى كرة القدم، فقد ممتازا في التمثيل وأدّى دورا رائعا في مسرحية «عبد يحرّر حُرّا»، وحميدة الكرزازي هو الذي لعب دور «العبْد»، لأنه كان أسمرَ اللون.. كان ذلك في الاعدادية التكميلية بمناسبة الاحتفال المدرسيّ لسنة 1952.
- يقال إنه كان وسيما وأنيقا؟ كان جسمه مكسواً بالشّعر، رأيته في الحمام الشّعبي، ولم يَسلم منه إلا الوجه.. كان يلبس سترة «tricot»، لأنها كانت مُوضة جديدة آنذاك، ولكنْ كان عاديا في المُجمَل. - هل كانت له ارتباطات عاطفية في وجدة؟ " يضحك" أعرف صديقته.. كانت ممرضة، وهي نقطة أخرى تؤكد مكره وخداعه، ففي اليوم الذي غادر وجدة دخل محتالا إلى غرفتها وسرَق منها كل صوره ورسائله وكلَّ الوثائق والذكريات التي كانت تجمعهما!.. كانتْ عْنده نية فاسْدة للهرب.. كانت شابة جميلة جدّا، وقد تعاطف معها الناس كثيرا، لأنّ المسكينة خرجت إلى الحي وبدأتْ تبكي وتسأل عن مكانه.. - قبل هروبه، هل كان يزاول مِهناً بعينها لكسب المال؟
كان يعيش بمال جبهة التحرير الوطنية.. ولا أعتقد أنه امتهن شيئا، ولم يكن مُتطلّبا، فهو لم يكن يدخّن أو يشرب الخمر أو من رواد الملاهي.. - كيف كانت مواقفه من النظام الملكيّ؟ وهل كان يحبّ المغاربة؟ كان يعظم الملك محمد الخامس، أما الحسن الثاني فموقفه لم يكن واضحا تجاهه.. لا أعتقد أنّ بوتفليقة كان يحبّ المغاربة، خصوصا بعد الاستقلال، فقد تأصّلَ بدءُ كُره الجزائريين للمغرب، حينما كان المغاربة الذين درسوا مع الجزائريين يلتحقون أفواجا بالوزارات المُستحدَثة مباشرة بعد الاستقلال. لم يعُد الجزائريون حينها يتمتعون، بطبيعة الحال، بالامتيازات نفسِها التي كانت لهم تحت الادارة الاستعمارية الفرنسية. يقال إنه انتمى إلى شبيبة حزب الاستقلال وحاول اجتياز مباراة وزارة الداخلية المغربية لولا أنْ رفضت الأخيرة طلبه بدعوى حمله الجنسية الجزائرية.. هل هذا صحيح؟ بالنسبة إلى حزب الاستقلال فهو قد انتمى في البداية فعلا إلى الشبيبة المدرسية التي كانت تسمى قبل ذلك الشبيبة الاستقلالية.. أما بخصوص رغبته في الالتحاق بوزارة الداخلية فلا علم لي بذلك، في الحقيقة.. - ما هي الصّورة التي تحتفظ بها اليوم لبوتفليقة؟ هو شخص خانَ مبادئَه وتنكّرَ للجميل وللصّداقة التي ربطتنا به، وكانت لديه فكرة ممتازة، وهي وحدة شمال إفريقيا، وقد فرّط فيها، مع الأسف. بوتفليقة شخص جاحد للنعمة، وقد تبرّأ منه فقيهه الورسيسي، الذي علّمه القرآن، فقد قصده بعد الاستقلال ورفضَ حتى استقباله.. وقد وقع الأمرُ نفسُه للكثيرين ممّن كان يأكل ويشرب في بيوتهم.. - تعلم أنه مريض هذه الأيام.. هل تتوقع أن يقضيَّ آخرَ أيامه في وجدة، كما يشاع هنا؟ هو نشأ وترعرع بيننا وتنكّرَ لنا.. «وهو ما عْندو فينْ يْموتْ إيلا ما ماتشْ فالمغربْ.. ما عندوش لحْبابْ إلا في وْجدة»..
امال قويدر صديق سابق لبوتفليقة وصحافي مقدّم برنامج «صوت الحق» في إذاعة وجدة في السبعينيات الحوار مأخوذ عن جريدة "المساء"