سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
محمد العربي: بوتفليقة كان صديقا عزيزا في وجدة لكنه تنكر لي بعد استقلال الجزائر قال إنه انتمى إلى الثورة الجزائرية لدفع الشبهات والتهديدات عن والده العميل لفرنسا
- يتحدّث عنك جميع من جايلوك كصديق مقرَّب من عبد العزبز بوتفليقة.. متى بدأت علاقتك به؟ ترجع معرفتي ببوتفليقة إلى نهاية الأربعينيات.. كانت الحركة الوطنية تهتمّ بتأسيس مدارس التعليم الحر لنشر الثقافة المغربية، عكس المدارس العمومية، التي همّشت جوانب الهوية العربية الاسلامية للمغرب، وعملت على «فرْنَسة» المغرب. ومن أجل ذلك، أنشأت الحركة الوطنية «مدرسة القرآن الكريم» في طريق مولاي إسماعيل في وجدة، وكان والدي عبد القادر العربي هو مديرها.. شاءت الصّدَف أن يكون بيت بوتفليقة قريبا من تلك المؤسّسة، فهو كان يسكن في «زنقة مدرومة»، غيرَ بعيد عن المدرسة، ولا يزال بيته موجودا هناك إلى اليوم.. كان عبد العزيز في سنّ المراهقة وكنت أكبُره بحوالي 6 سنوات... وفي كل يوم وأنا ذاهب إلى المدرسة ألتقيه، بين الحين والحين، حتى وقع التعارُف بيننا، رغم كونه شخصا انطوائيا.. لم يكن يشاركنا اللعب الطفولي آنذاك. كان صديقه الوحيد هو عمودٌ كهربائي قريب من جامع مدرومة، فقد كان دائما يتكئ عليه.. والذين كانوا يعرفونه في المدرسة يقولون إنه كان مجتهدا في الفرنسية والعربية، وهو شيء نادر وسط الجزائريين، لأنهم كانوا يعتنقون الثقافة الفرنسية في المدارس العمومية، عكسَ المغاربة، الذين أسّسوا مدارس حرة لتعلم اللغة العربية والتاريخ والثقافة الإسلاميَّيْن. كانت علاقتنا علاقة محبّة واستمرّت إلى أن أتت انتفاضة وجدة مع خلع الملك محمد الخامس في 16 غشت 1953،وألقي عليّ القبض ودخلتُ السجن لمدة ثلاث سنوات، وفي 1954 كان واحدا من أطر الثورة الجزائرية في وجدة. - هل التقيت به بعد مُغادرتِك السّجن؟ فعلا، لمّا جاء الاستقلال وتم الإفراج عنا من السجون، سنة 1956، بقيت العلاقة مع بوتفليقة طيبة وجيّدة، وجاء بعد خروجي من السّجن لزيارتي، ولا أزال أحتفظ بصورة فوتوغرافية تؤرّخ لتلك الذكرى، سأهديها لجريدتكم حصريا. في هذه الأثناء كان منهمكا في الثورة الجزائرية في الوقت الذي رجع المغاربة لبناء البلاد والانكباب على مرحلة ما بعد الاستقلال. كان حزب الاستقلال في تلك المرحلة مساهما في الثورة الجزائرية عبر الدعم المادي، والمعنوي خاصة، فكان الجزائريون يتمتعون بتسهيلات كثيرة، وتم غض الطرف على عدد كبير من التجاوزات التي قام بها المنتمون إلى الثورة. فمع الأسف، كانوا يريدون أكثر من ذلك، ولحد الساعة هم يعتبرون أن المغرب لم يساهم معهم بما فيه الكفاية في تحرير بلادهم، لقد كانوا يرغبون في الحصول على ورقة البيضاء في كل المجالات، ولم تكفهم الامتيازات التي كان المغرب يضعها بين أيديهم ما بين 1956 و1962، لم يكف الجزائريين إيواء «جماعة وجدة» والسماح لمقاتليهم بالتجول في المدينة باللباس العسكري وقتل وخطف كل من تقع عليه أعينهم. - ما هو غرض زيارته لك في سنة 1956 بعد خروجك من السّجن؟ جاء لتهنئتي بالإفراج عني.. وبطبيعة الحال، تمحورَ موضوع حديثنا حول الثورة الجزائرية ومساهمته فيها وما عاناه الوطنيون المغاربة في السّجون الفرنسية. - كيف كانت نظرته إلى الملكين محمد الخامس والحسن الثاني؟ على كل حال، بالنسبة إلى محمد الخامس كان عندهم رجلا مُقدَّسا.. حتى جاءت قضية اختطاف طائرة الزّعماء الخمسة (أحمد بن بلة، الحسين آيت أحمد، محمد بوضياف، محمد خيضر والصحافي مصطفى الأشرف).. شابتِ العملية شكوكٌ تفيد أن المغرب مُتورّط في خطف الطائرة، مع أنّ المغرب بعيد عن مثل هذه العمليات، ولم يكن من الممكن أن يصل محمد الخامس إلى هذا الحد من الدّناءة والخيانة في تعاطيه مع الثورة الجزائرية.. بل إنّ العكس هو الذي وقع، فالمغرب رفض ترسيمَ الحدود والشقيقة الجزائر تقبع تحت الاحتلال الفرنسي.. كان محمد الخامس يقول لفرنسا :»فقط اخرُجوا من الجزائر، نحن شعبان شقيقان سنحلّ مشاكلنا مع بعضنا البعض!».. - متى انقطعت علاقتك ببوتفليقة؟ في الحقيقة، قلّت الاتصالات حينما «طلع إلى الجبل» وبدأ في المقاومة المسلحة، وأصبح رجُلا له دور في الثورة الجزائرية وأحدَ أطرها.. ولما استقلت الجزائر انقطعت العلاقة بشكل كامل.. الأكثر من هذا أنه في الوقت الذي استُبعد من الجزائر إلى الإمارات، عقب موت الرئيس هواري بومدين، وإسناد رئاسة لبجمهورية إلى الشاذلي بن جديد، ذهبت إلى فرنسا للاستشفاء في نهاية السبعينيات، رأيته نازلا من إحدى الطائرات في مطار «أورلي» في باريس، تنكر لي.. فحين تقدّمتُ للسلام عليه كانت تحيته لي باردة ومفاجئة.. - هل كان وزيرا للخارجية آنذاك؟ لا، لم يكن قد تقلد بعدُ أيَّ منصب بارز في الدولة. التقينا في باريس. تنكَّرَ لي كما لو أنه لم يَعرفني يوما.. كنت أتوقع أن يُسلّم عليّ بحرارة ويتذكر ما جمعنا في وجدة، لكنْ تفاجأتُ من طريقة سلامه ورغبته في التخلص مني بسرعة.. - في رأيك، ما الذي جعل القادة الجزائريين يتنكرون لأفضال المغاربة بعد استقلالهم، بل أصبحوا العدو رقم 1 لوحدتهم الترابية؟ أعتقد أن هناك ثلاثة عوامل أساسية: العامل الأول تاريخي، فهم يقولون إنّ المغرب لم يُقدّم الدعم الكافي للأمير عبد القادر في موقعة «إيسلي» سنة 1944، رغم أنّ المغاربة خسروا المعركة.. أنا لا أدري كيف نحاسب المغرب حسابا شديدا ونطالبه بما لا يملكه؟ ففاقدُ الشيء لا يُعطيه.. هذا إذن غبن وظلم تاريخيان. العامل الثاني هو رغبتهم في توريط المغرب في المرحلة الأولى للاستقلال سنة 1956 في الثورة، رغم أنّ المغرب كان ضعيفا ولم يكن في مُستطاعه أن يُعطيّ أكثرَ مما بذل. ورغم ذلك فقد آوى المقاومة وتعرّضتْ وجدة للقصف بسبب ما سمي آنذاك «جماعة وجدة»، التي تضمّ المقاومة الجزائرية. العامل الثالث هو أنه بعد استقلال الجزائر أرادت الاستفراد بزعامة إفريقيا.. وكان قادتها يحاربون الدول التي يرون أن لها مقومات هذه الزّعامة. ومن جملة الدول التي أرادوا كسر شوكتها المغرب.. ولا يمكن للقادة الجزائريين أن ينسَوا للمغرب انهزامهم في حرب الرّمال 1963، فهم يحبّون استعراضَ العضلات حتى في الوقت الذي تكون فيه ضامرة أو غير موجودة أصلا.. - هل صحيحٌ أنّ والد عبد العزيز بوتفليقة كان خائنا وعميلا تابعا للإدارة الاستعمارية؟ المعروف عنه أنه كان من أعضاء «ودادية الجزائريينبوجدة»، فهم كانوا يتمتعون بامتيازات فرنسية، عكس المغاربة. ففرنسا كانت تعتبرهم «مواطنين فرنسيين»، والجزائر «محافظة فرنسية».. وكانت فرنسا تعطي المعمّرين الجزائريين أراضي الدولة ليستفيدوا منها، ولكنْ مع الاستقلال قامت الدولة المغربية باسترجاع أراضيها، ممّا أغضب الجزائر الرّسمية، التي اعتبرت ذلك بمثابة سرقة أموال وممتلكات وأراضي رعاياها. - هل تعرف شيئا عن الجانب العاطفي لبوتفليقة؟ بوتفليقة لم يتزوج في وجدة، لكنْ كانت له علاقة مع ممرّضة في مستشفى «الفارابي» حاليا، وكان هذا المستشفى يسمى «موريس لوستو».. كان يحبّها ومرتبط بها ارتباطا شديدا. - هل كان «زيرَ نساء» كما أشيع عنه لاحقا؟ لا، لا أعتقد ذلك. كان أنيقا وهادئا. - هل تستطيع أن تصفه لمّا كان في وجدة؟ هل لا تزال تحتفظ بصورة بوتفليقة المراهق في مخيلتك؟ نعم.. كان شعره كثيفا يفرقه على رأسه الدائري المكتنز.. وجهه كان أبيض.. عيناه الزرقاوان تمنحان وجهه وسامة نادرة. كان أنيقا وقصيرا في الوقت نفسه. لم يكن مندفعا في كلامه وفي مزاحه، بل ميّالا إلى الرّزانة. - ألم تسبّب له قامته القصيرة عقدا وسط زملائه؟ لا، لا أعتقد ذلك. - أعود إلى السؤال المتعلق بوالده: هل كانت لبوتفليقة -الأب علاقة بفرنسا؟ كان «بوسيف» (أحد عملاء فرنسا) صديقَه، وهو ميال إلى الإدارة الفرنسية وكان صديق بوتفليقة -الأب، وكانا معا في «ودادية الجزائريينبوجدة»، التي كانت قريبة من فرنسا، والدّليل على ذلك هو اغتيال بوسيف من طرف المقاومة الجزائرية بسبب الخيانة والتعامل مع المستعمر.. - يقال إن والد بوتفليقة تلقى تهديدا من طرف الثوار الجزائريين، لذلك أرسل والده للمقاومة لدفع الشّبهات عنه.. هل هذا صحيح؟ شخصيا، أعتقد أن انتماء عبد العزيز بوتفليقة إلى المقاومة الجزائرية كان بغرض إبعاد الضغوطات عن أبيه، الذي كانت له ارتباطات مع المُستعمِر.. كانت بمثابة «شفاعة». - أين كان بوتفليقة يقضي أغلب أوقاته؟ في كل الأحوال لا أعتقد أنه كان يرتاد الخمّارات أو الملاهي أو حتى يفْرِط في الجلوس في المقاهي، القليلة آنذاك.. كان «حْدودي ومْنْكمْش».. عندي أصدقاء أشارك معهم بعض الهوايات، وكان هو يفضّل صداقة «العمود الكهربائي».. (يضحك). - الآن، وأنت تسمع وتشاهد وتقرأ أن صديقك بوتفليقة قد يغادر الكرسي إلى القبر.. بماذا تحسّ؟ أنا أتألّم، لأنني اعتقدت أنّ شخصا مثله عاش في المغرب ودرس بيننا ولديه شبكة قوية من العائلات والأصدقاء هنا.. (اعتقدتُ) أنه سيصحّح الأخطاء ويعترف بالجميل والخير الذي قدّمه له هذا البلد.. الرّجل يتحمّل المسؤولية داخل الجهاز الأعلى في الدولة منذ 14 سنة، ومع ذلك لا تزال المشاكل بين المغرب والجزائر مُستمرّة: هذه مأساة ونكران للجميل... صديق سابق لبوتفليقة، مقاوم وأول رئيس مجلس بلدي لمدينة وجدة