تفيد القراءة الأولية في تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة عزيز أخنوش، أن هندستها جاءت استجابة لحاجيات الحاضر وتطلعات المستقبل، حيث تنتظر بلادنا ملفات كبرى ذات أهمية كبيرة، خصوصا تلك المتعلقة بما هو اجتماعي، مثل التعليم والصحة والحماية الاجتماعية والتشغيل والكفاءات والادماج الاقتصادي والاجتماعي والانتقالات الطاقية والرقمية، وهذه الملفات تعتبر اليوم ذات أولوية كبيرة، وهي ما نصت عليه إشارات وعناوين النموذج التنموي الجديد، الذي أقرته اللجنة المختصة بذلك والتي ترأسها شكيب بنموسى، الذي تولى في الحكومة الحالية حقيبة التربية والتعليم. البعد الاجتماعي مهم جدا لأنه أرضية صلبة للانتاج، بل هو الأساس للانتقال من الاقتصاد غير المهيكل، الذي يعتبر الشكل المهيمن على اقتصاد بلادنا، إلى اقتصاد مدمج ومندمج يخضع للمعايير الحديثة في الإدارة كما يندرج ضمن الإجراءات القانونية الجاري بها العمل، ولهذا الغرض جاءت الحكومة مجزأة على شكل أقطاب وزارية كبيرة قادرة على احتضان كافة القطاعات، التي ما زالت لم تأخذ سيرها الطبيعي ولم تدخل مرحلة التطور والتقدم الذي يعيشه الاقتصاد المغربي، الذي دخل مرحلة جلب الاستثمارات الكبرى واستقطاب صناعات ضخمة من قبيل صناعة السيارات ومعدات الطيران. حكومة تركز على الأقطاب الاجتماعية تعتبر اليوم ضرورة تاريخية لأنها ستكون مؤهلة لقيادة المغرب نحو مرحلة جديدة، وتخرج به من الأزمة التي خلقتها جائحة كورونا، التي أضرت بالاقتصاد الوطني وأثرت على توازنه الاجتماعي، حيث فقد الكثير من المواطنين عملهم، وبالتالي ستحاول الحكومة من خلال الهندسة التي ركزت على ما هو اجتماعي تأهيل المجتمع ليس فقط للعودة إلى الحياة الطبيعية ولكن استغلال هذه الفرصة للانتقال إلى مرحلة متقدمة قوامها التكوين المتطور والمنسجم مع طبيعة الشغل والتوطين الصناعي. كما ركّزت الحكومة الجديدة في هيكلتها على تثمين القطاعات الوزارية الناجحة والتي أبانت عن فعالية كبيرة مثل الفلاحة والصناعة والسياحة، وهي قطاعات قاومت خلال الجائحة وقادت سفينة الاقتصاد الوطني رغم الظروف الصعبة، وبالتالي كان لزاما الحفاظ على قطبيتها المتميزة. ويتبين أن الحكومة الجديدة مختلفة عن سابقاتها، وليست فقط حكومة لتدبير الشأن العام، ولكنها حكومة قادرة على نقل المغرب إلى مرحلة أخرى مرتبطة بالنموذج التنموي الجديد، الذي يعتبر اليوم وثيقة مرجعية ترسم مستقبل المغرب.