راكمت المملكة المغربية منذ الاستقلال رصيدا مقدرا ومهما في مجال النهوض باوضاع المراة في كافة المجالات، وهو تراكم تصاعدي وإيجابي بحكم الالتزام الملكي القوي المعبر عنه في مبادرات رائدة ونوعية اشادت بها مختلف الدول والمنظمات الدولية، وقد شكل دستور 2011 منعطفا هاما في مسار تكريس حقوق المرأة ومشاركتها المدنية والسياسية من خلال اتخاذ مجموعة من الإجراءات القانونية والمؤسساتية التي تحفظ لها ذلك، سواء المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية نفسها أو بموجب نصوص قانونية منبثقة منها، وذلك في افق تحقيق المناصفة كغاية دستورية تسعى الدولة ومختلف المؤسسات الى بلوغها. لكن الملاحظ أن مقتضيات الدستورية والمتعلقة بالحقوق السياسية للنساء لم يتم تفعيلها كما ينبغي ووفق السقف الدستوري، كما أن بعض النصوص القانونية المنظمة للعملية الانتخابية ككل والتي أبانت نقائص على المستوى العملي في الانتخابات التشريعية والمحلية الفارطة، سواء على مستوى المعايير أوالقواعد أوالإجراءات المعتمدة على هذا المستوى، حيث كانت النتيجة حضور نستئي على مستوى المسؤوليات الانتدابية المنبثقة عن الانتخابات، لا تنسجم وجهود المملكة للنهوض بأوضاع المرأة في مختلف المجالات.لذا أكان من الضروري مراجعة المنظومة القانونية للانتخابات من خلال تغيير القوانين التنظيمية المنظمة لاتتخاب أعضاء مجلس لمجلس النواب( ) وأعضاء مجلس المستشارين( )، وتلك المتعلقة بانتخابات الجماعات الترابية بمستوياتها الثلاث( ).وأفرزت هذه القوانين مستجدات مشتركة بينها( )، ومستجدات تخص كل إطار قانوني على حدة. وفي هذه الورقة سيتم التركيزعلى أهم المستجدات والمعطيات المتعلقة بتمثيلية النساء والشباب في اللوائح والاستحقاقات الانتخابية. المحور الأول: المستجدات القانونية المتعلقة بالتمثيلية النسائية: سعيا لتجسيد مبدأ المناصفة التي نص عليها دستور 2011، واصل المشرع المغربي تعزيز حضور المرأة في الهيئات المنتخبة، وذلك من خلال سن مقتضيات في القوانين التنظيمية المؤطرة للمنظومة الانتخابية بهدف تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج المهام الانتخابية بالرفع من مستوى التمثيل النسائي بالهيئات المنتخبة، وذلك من خلال ثلاث (3) مستويات: على مستوى مجلس النواب: تعويض الدائرة الانتخابية الوطنية بدوائر انتخابية جهوية مع توزيع المقاعد المخصصة حاليا للدائرة الانتخابية الوطنية (90 مقعدا) على الدوائر الانتخابية الجهوية وفق معيارين أساسيين، يأخذ الأول بعين الاعتبار عدد السكان القانونيين للجهة، ويتحدد الثاني في تمثيلية الجهة اعتبارا لمكانتها الدستورية في التنظيم الترابي للمملكة. كما يشترط أن تشمل كل لائحة ترشيح على أسماء مترشحات لا يقل عددهن عن ثلثي عدد المقاعد الواجب ملؤها في كل دائرة انتخابية جهوية، مما يمكن من إدراج أسماء مترشحين ذكور ضمنها في حدود ثلث المقاعد (شباب، أطر، أفراد الجالية..). ونص القانون رقم 04.21 كذلك على تخصيص المرتبتين الأولى والثانية في كل لائحة ترشيح حصريا للنساء، ولا يحول ذلك دون حقهن في الترشح برسم المقاعد المحددة للدوائر الانتخابية المحلية، إلى جانب اشتراط التسجيل في اللوائح الانتخابية لإحدى الجماعات الواقعة في النفوذ الترابي للجهة المعنية بالترشيح لضمان تمثيلية جهوية حقيقية. وقد انعكست هذه التعديلات المهمة التي ادخلت بلغت ترشيحات النساء المسجلة برسم انتخاب أعضاء مجلس النواب لسنة 2021 في المجموع 2329 ترشيحا، أي بنسبة 34.17 بالمئة من العدد الإجمالي للترشيحات، وهو ما سينعكس عمليا ورقميا في حضور النساء في المؤسسة التشريعية( ). أما عدد النساء المنتخبات قد بلغ في مجلس النواب برسم اقتراع 7 أكتوبر 2016، ما مجموعه 81 منتخبة منهن 10 مرشحات انتخبن برسم الدوائر الانتخابية المحلية، و60 برسم الجزء الأول من اللائحة الوطنية المخصصة للنساء، و11 شابة برسم الجزء الثاني من اللائحة الوطنية المخصصة للشباب. مقابل 67 نائبة لسنة 2011 منهن 60 برسم الدائرة الانتخابية الوطنية و7 برسم الدوائر الانتخابية المحلية( ). على مستوى مجالس العمالات والأقاليم: أقرالقانون التنظيمي رقم 06.21 آلية تشريعية لضمان تمثيلية فعلية للنساء داخل هذه المجالس، حيث خصص ثلث المقاعد للنساء في كل مجلس عمالة أو إقليم، ولا يحول ذلك دون حقهن في الترشح برسم المقاعد الأخرى المفتوحة على قدم المساواة أمام الرجال والنسا، وقد كانت نسبة حضور النساء في انتخابات 2015 في عضوية مجالس العمالات والأقاليم جد ضعيفة، لكن مع التعديل الأخير فسيكون حضورهن مقدرا، خصوصا وان القانون اعطى للاحزاب الحق في التقدم بلائحة واحدة مشكلة من أحزاب مختلفة مع حضور اللائحة الإضافية الخاصة بالنساء في حدود الثلث. على مستوى الجماعات:أما بالنسبة لمجالس الجماعات التي ينتخب أعضاؤها عن طريق الاقتراع باللائحة فقد تم التنصيص على تخصيص ثلث المقاعد الواجب شغلها على صعيد مجلس الجماعة للنساء، مع رفع العدد عند الاقتضاء إلى العدد الصحيح الأعلى. وبذلك، ستتجاوز التمثيلية النسوية على الصعيد الوطني نسبة 25 بالمائة مقابل 21 بالمائة في الانتخابات الفارطة، حيث كانت تمثيلية النساء خلال الانتخابات التشريعية لسنة 2016 قد ارتفعت إلى 81 امرأة من أصل 395 في مجلس النواب بنسبة 20.5 في المائة، 60 منهن وصلن عن طريق اللائحة النسوية الوطنية، و9 عبر اللوائح المحلية، و12 عبر لائحة الشباب، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 4 في المائة.كما ان نسبة الثلث في لوائح الترشيح بالنسبة للجهات ومجالس العمالات والاقاليم وكذا الجماعات ذات الاقاراع اللائحي إضافة الى الدوائر الخمس الكبرى في الجماعات ذات الاقتراع الفردي ستمكن تلقائيا من حضور وازن وغير مسبوق للنساء في المؤسسات المنتخبة. المحور الثاني: معطيات تعزز التمثيلية النسوية سيتم تخصيص هذا المحور للحديث عن المعطيات الرقمية لتمثيلية النساء للفترة ما بين 1960 و2021. بخصوص الترشيحات النسوية لعضوية المجالس الجماعية لانتخابات 8 شتنبر 2021: سجلت ترشيحات النساء لعضوية المجالس الجماعية ارتفاعا هاما مقارنة مع انتخابات سنة 2015( )، حيث بلغ مجموع المترشحات لانتخاب مجالس الجماعات والمقاطعات ما مجموعه 47 ألف و60 مترشحة، أي بنسبة تقارب 30 في المائة من العدد الإجمالي للترشيحات، منهن 23 ألف و191 مترشحة في الجماعات التي ينتخب أعضاء مجالسها عن طريق الاقتراع باللائحة و23ألف و869 في الجماعات الخاضعة لأسلوب الاقتراع الفردي. تطور نسبة المرشحات في الانتخابات الجماعية: السنة المرشحات النسبة المئوية 1960 14 0.8% 1969 0 0% 1976 76 0.17% 1983 306 1% 1993 1086 1.18% 1997 1651 1.62% 2003 6024 5% 2009 20458 15.7% 2015 28725 21.94% 2021 47060 30%
تطور عدد المنتخبات:حصلت النساء عقب إجراء الانتخابات الجماعية ل 4 شتنبر 2015 على 255 مقعدا من أصل 678 في مجالس الجهات، أي بنسبة% 38، ولم تحصل النساء على أي منصب كرئيسة مجلس الجهة 12/0. أما المجالس الجماعية، حصلت النساء على 6673 مقعدا من أصل 31000 مقعد، أي بنسبة % 22 ، وهي النسبة التي تضاعفت بالمقارنة مع انتخابات سنة 2009.كما حصلت النساء على 17 منصب كرئيسة لمجلس جماعي من أصل 1503. السنة المنتخبات النسبة المئوية 1960 0 0% 1969 0 0% 1976 9 0.02% 1983 34 0.27% 1993 75 0.33% 1997 83 0.34% 2003 128 0.56% 2009 3424 12.34 % 2015 6673 18.21% 2021 ... ... إن المقتضيات القانونية الجديدة ستسهم لا محال في توسيع المشاركة النسائية والرفع من تمثيليتها، وهو ما يعني التنزيل الواقعي والتشريعي لمقتضيات الدستور القاضية بتعزيز المشاركة السياسية للنساء ، خصوصا أن بلادنا ستشهد في الأيام القادمة إجراء الانتخابات التشريعية والمحلية، والتي تقرر إجراؤها يوم الأربعاء 8 شتنبر بالنسبة للانتخابات البرلمانية والجماعية والجهوية، و يوم الثلاثاء 5 أكتوبر بخصوص انتخابات أعضاء مجلس المستشارين. وبالتالي أمام هذه المستجدات من المؤكد أن تعرف نتائج الانتخابات هذه السنة تمثيلية أكبر للنساء وتحملهن لمهام انتدابية سواء على المستوى الوطني او الترابي، مما سيعزز رصيد المملكة للنهوض بأوضاع النساء في كافة المجالات ومنها المجال السياسي.