في إطار معركة كسر العظام التي تشهدها الجزائر، بين الجناح المحسوب على اللواء المقتول قايد صالح، وجوقة محمد مدين المدعو توفيق وكذا الجنرال خالد نزار، العائدين مؤخرا بقوة، بعد ان برأتهما المحكمة العسكرية بالبليدة، قضت هذه الأخيرة، أمس الخميس، ببراءة الجنرال عبد القادر آيت وعراب المدعو "الجنرال حسان". وجاء هذا الحكم بعدما قبلت المحكمة العليا، قبل أيام، الطعن بالنقض الذي قدمه دفاع العميد حسان. وكان القضاء العسكري قد أمر منتصف سنة 2015 بإيقاف "الجنرال حسان"، ثم قضى أشهرا في السجن قبل أن تدينه المحكمة العسكرية ب5 سنوات سجنا نافذا آنذاك، علما أنه استفاد من الإفراج مؤخرا بعد استنفاذ عقوبته. وللوقوف على حيثيات قرار المحكمة العسكرية بالبلدية، لابد من ربطها بحقيقة الحرب الطاحنة التي تدور رحاها بين الأجنحة المتصارعة داخل مؤسسة العسكرية الجزائرية ومخابراتها. الجنرال حسان هذا، الذي كان يترأس في السابق وحدة "سكورات" لمكافحة الإرهاب في جهاز المخابرات قبل إحالته على التقاعد، هو صهر الجنرال توفيق وذراعه اليمنى، وكان من الطبيعي أن يستصدر له رفاقه قرارا بالبراءة، كما فعلوا مع العديد من الجنرالات وضمنهم محمد مدين المدعو توفيق، المدير الأسبق لأجهزة الاستخبارات، واللواء المتقاعد خالد نزار ، وزير الدفاع الأسبق، وكذا بشير طرطاق، المنسق السابق للأجهزة الأمنية... عودة هؤلاء، وخاصة توفيق وخالد نزار، أشرت على نهاية مرحلة القايد صالح، وبداية عهد جديد/قديم بدأت ملامحه تتضح يوما بعد يوم، من خلال الأساليب المعتمدة في تدبير شؤون البلاد والتعامل مع الحراك الشعبي الرافض لحكم العسكر، وهو ما يذكر الجزائريين بالعشرية السوداء التي كان خالد نزار أحد أبرز جلاديها بالإضافة إلى محمد مدين "توفيق"، الذي كان الرقم الأول في دائرة الاستعلام والأمن بوزارة الدفاع الوطني، والذي عايش خمسة رؤساء جمهورية هم: الشاذلي بن جديد ومحمد بوضياف وعلي كافي واليامين زروال وعبد العزيز بوتفليقة... يشار أن القضاء العسكري الجزائري، كان قد أمر في غشت 2015 بإيقاف الجنرال حسان، حيث قضى أشهرا في السجن قبل أن تدينه المحكمة العسكرية بالبليدة، قرب العاصمة الجزائرية، بتهمة مخالفة أوامر قيادة الجيش، عندما كان المشرف على التدخل العسكري ضد الهجوم الإرهابي الذي استهدف المنشأة الغازية ب"تيغنتورين" بمحافظة "إين أمناس"، جنوبي الجزائر، في يناير 2013، عندما هاجمت مجموعة إرهابية المنشأة الغازية واحتجزت 700 رهينة، وانتهت العملية الأمنية بمقتل 38 رهينة، أغلبهم أجانب. وخلصت التحقيقات التي أجرتها السلطات والأجهزة الأمنية في الجزائر إلى مسؤولية الجنرال حسان عن التقصير الذي أتاح لمسلحين الوصول للمنشأة النفطية. وتزامن اعتقال الجنرال حسان، منتصف عام 2015، مع تغييرات عميقة قام بها الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة على مستوى جهاز المخابرات. وكان الإفراج عن الجنرال حسان قد تزامن مع تقارير إعلامية كشفت أن السلطات الجزائرية بدأت آنذاك في اتصالات ومفاوضات مع عدد من العسكريين الفارين إلى الخارج، بهدف إقناعهم بالعودة إلى البلاد لتسوية أوضاعهم مع القضاء بشكل يضمن عدم المتابعة، تجنبا لنشر أسرار الجيش والدفاع والأمن الجزائري، أو تسليمها لأي طرف أجنبي. وذكرت صحيفة " الوطن"، المقربة من الدوائر الأمنية والعسكرية، نقلا عن مصادر خاصة آنذاك، أن اتصالات جرت مع عدد من القيادات العسكرية لإقناعها بالعودة، يأتي على رأسها وزير الدفاع الأسبق خالد نزار، الذي كان قد فر من الجزائر في شهر إبريل 2019 إلى إسبانيا، بعد تلقيه معلومات عن إمكانية اعتقاله. هذه الأخبار تم تأكيدها، بعد ذلك وخاصة بعد تبرئة الجنرالين توفيق وخالد نزار هذه السنة. هذه التطورات تأتي مع توجه جديد لقيادة الجيش الجزائري، أو لنقل في إطار صراع الأجنحة داخل هذه المؤسسة ومخابراتها، بعد رحيل القائد السابق أحمد قايد صالح، وفي محاولة لكبح جماح الحراك الشعبي الذي يطالب برحيل نظام العسكر، وهو ما جعل هذا الأخير يقدم على التصالح مع بعض القيادات العسكرية التي كان قد أدانها قايد صالح وضغط على القضاء لإدانتها، كالجنرال حسين بن حديد، الذي تم الإفراج عنه من السجن، وأعيد إليه الاعتبار عبر دعوته من قبل قائد الجيش الحالي سعيد شنقريحة للاحتفال الرسمي بعيد الاستقلال في الخامس من يوليو الماضي، كما تمت إعادة عدد من القيادات الأمنية إلى مناصبها، بعدما كانت قد استبعدت منها في عهد قايد صالح. وحسب المتتبعين للشأن الجزائري ولخبايا الأمور في مطبخ الجنرالات، فإن آيت وعرابي المعروف بالجنرال "حسان"، كان من أكثر الأشخاص فسادا في جهاز المخابرات الذي كان يسمى آنذاك مديرية الاستعلام والأمن DRS ، وكان معروفا بالابتزاز وفبركة القضايا والعمليات الإرهابية... كان الجنرال حسان يشغل منصب رئيس مصلحة التنسيق العملياتي والاستعلام لمكافحة الإرهاب المعروف اختصارا باسم "سكورات"، قبل أن يتم إحالته على التعاقد بسبب ما قيل عنه آنذاك أنها مخالفة للأوامر العسكرية في قضية التدخل بعد العملية الإرهابية في تيڨنتورين سنة 2013، لكن اتضح أنه هو من قام بفبركتها بأوامر من الجنرال توفيق، الذي عجّل بسجنه سنة 2015 قبل سقوط الجنرال توفيق بضغط أجنبي وبعدما سحبت فرنسا دعمها له. واليوم، لم يبق أي مقرب من الجنرال توفيق داخل الزنازن، بعد إطلاق سراح الجنرال حسان في ديسمبر المنصرم وتبرئته الآن، وكان قد أطلق قبله سراح جبار مهنى في شهر يوليوز الماضي، وبالتالي لم يعد اليوم أمام جناح التوفيق- نزار، وبعد تغلغلهم من جديد في كل أجهزة ودواليب الدولة، غير وضع شخص تابع لهم في قصر المرادية بعد التخلص من الرئيس/المعين عبد المجيد تبون، الذي يعتبر تركة لعهد المقبور القايد صالح..