يواصل النظام الجزائري تجريب كل الطرق المشروعة منها وغير المشروعة، في محاولة لكبح تهاوي الدينار وتدهور القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار. فبعد مسلسل طباعة النقود كشكل من أشكال التمويل غير التقليدي لمواجهة العجز في الموازنة، والذي باء بفشل ذريع، لجأت بنك الجزائر المركزي إلى أطلاق عملة جديدة من فئة 2000 دينار، التي يُنتظر الشروع في تداولها قريبا إلى جانب ورقة مماثلة من نفس القيمة. وفيما أسهب مدير البنك، خلال استعراض الورقة النقدية الجديدة، في ذكر المغزى والدلالة التاريخيين لشكلها ومضمونها، تجنب الخوض في الأبعاد الاقتصادية والمالية للورقة في ظل الأزمة التي تعيشها البلاد في الآونة الأخيرة. وإذا كانت العملة هي مرآة للاقتصاد فإن العملة الجزائرية تعكس ما يعرفه الاقتصاد الجزائري من انهيار منذ مدة بسبب السياسات الفاشلة التي يتبعها نظام العسكر.. وتشهد قيمة العملة الجزائرية انهيارا غير مسبوق أمام العملات الأجنبية، فضلا عن أزمة السيولة المسجلة في مراكز البريد والبنوك خلال الأشهر الأخيرة. وفي هذا الإطار، دعا الخبير المالي أبوبكر سلامي إلى ضرورة تغيير العملة المحلية من أجل وقف التدهور المستمر وإنقاذ القدرة الشرائية من الانهيار، مما يسمح للبنك باستعادة الكتلة النقدية المتداولة في السوق الموازية، والتي قدرها خبراء في تنظيم منتدى رجال المال والأعمال بنحو 60 مليار دولار. وشدد المتحدث، في تصريح صحفي، على أن "انعكاس انهيار قيمة العملة ظهر جليا في الآونة الأخيرة على القدرة الشرائية وفي ارتفاع مؤشرات التضخم إلى مستويات كبيرة، وهو ما بات يحتم على البنك اتخاذ خطوات جريئة لتغيير العملة من أجل استقطاب كتلة السوق الموازية". وتضمن قانون الموازنة للعام الجاري خفضا مطردا لقيمة العملة المحلية على مدار السنوات الثلاث المقبلة، كما شرع بنك الجزائر منذ العام المنصرم في خفض غير معلن لقيمة العملة المحلية من أجل التخفيف من عجز الموازنة العامة المقدر خلال هذا العام بنحو 23 مليار دولار. ووضع القانون فرضية شروع الدينار الجزائري في استعادة عافيته أمام العملات الأجنبية بحلول العام المقبل، لكن خبراء يتوقعون أن تشكل انعكاسات التهاوي صدمة غير متوقعة للسلطات المالية، خاصة في ظل حاجة الحكومة إلى استقرار اجتماعي في البلاد. وكان الخبير الاقتصادي ووزير الاستشراف السابق بشير مصيطفى قد أكد على "ضرورة مراجعة قيمة العملة المحلية بحذف صفرين من القيمة الحالية، كونها لم تعد تتجاوب مع متطلبات السوق، فالعملة المعتمدة غير متداولة أصلا في السوق بسبب افتقادها لقيمتها وعدم وجود ما يقابلها من بضاعة، حيث صارت كلفة إنتاج القطعة أغلى من قيمتها المالية". وشدد المتحدث على أن "مراجعة قيمة العملة ستكون قاطرة لإصلاح المنظومة المالية في البلاد، وهي الآلية الوحيدة لاستقطاب الكتلة الناشطة خارج المنظومة المصرفية" في إشارة إلى ما أسماه "البحث عن القيمة وليس عن الورقة أو القطعة". وتعتمد الجزائر في تموين حاجيات سوقها المحلية على الاستيراد من الخارج، حيث قدرت وارداتها خلال العام الماضي بحوالي 40 مليار دولار الأمر الذي ساهم مباشرة في ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية، كما تشهد السوق المحلية ندرة جزئية في المواد الغذائية كالزيت والحليب والسميد، بينما تعتمد بمعدل 98 في المائة من مداخيلها على صادرات النفط والغاز. وقدرت إحصائيات دولية أن السعر الذي يحقق للجزائر توازنا في حساباتها هو 116 دولارا للبرميل الواحد من النفط، وهو سقف غير متاح في الأفق بسبب تراجع الإنتاج الداخلي وتجاذبات سوق النفط الدولية المتأثرة منذ 2014. وبغية طمأنة الرأي العام أكد وزير المالية أيمن بن عبدالرحمن أن العملة الوطنية "ستستعيد عافيتها وقوتها" الاقتصادية في حدود نهاية السنة الجارية.