يواصل وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان جولته المغاربية التي استهلها بتونس الجمعة ثم الجزائر لمناقشة مجموعة من القضايا تتعلق أساسا بالسياسات المتعلقة بمقاومة الهجرة غير الشرعية وخطر التطرف والإرهاب، وذلك في أعقاب الهجوم الذي وقع الأسبوع الماضي على كنيسة بمدينة نيس ولقي فيه ثلاثة أشخاص حتفهم. والمتهم بارتكاب هذه العملية مهاجر تونسي، يبلغ من العمر 21 سنة، دخل فرنسا بطريقة غير شرعية من إيطاليا. وتسبب الهجوم -الذي جاء بعد أيام من مقتل المدرس صمويل باتي على يد متطرف شيشاني- في ردود فعل واسعة بفرنسا، نتجت عنها ضغوط على الحكومة لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد أنشطة التطرف والهجرة غير الشرعية. وبعد اتخاذ إجراءات من قبل السلط الفرنسية جرت مناقشة إجراءات أخرى من المرجح أن تشمل ترحيل أعداد من المشتبه فيهم بالضلوع في أنشطة متطرفة أو يقيمون بصفة غير شرعية إلى بلدانهم الأصلية في شمال افريقيا. وعبر الأميرال كمال العكروت، مستشار الأمن القومي السابق في تونس، عن خشيته من أن تتحول المطالب التي حملها وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان خلال زيارته لتونس أمس الجمعة، إلى مسائل شائكة لن يكون من السهل على السلطات التونسية معالجتها. وطالب العكروت في حوار مع جريدة “العرب”، التي أوردت الخبر اليوم، السلطات التونسية بأن تكون جاهزة للتعامل مع المطالب الفرنسية في كل ما يتعلق بترحيل 400 تونسي. وقال إن زيارة وزير الداخلية الفرنسي لتونس تأتي جراء ضغط الشارع الفرنسي والأحزاب المحافظة واليمينيّة المتطرّفة ومطالبتها الحكومة الفرنسية باتخاذ مواقف أكثر صرامة تجاه الأفراد الذين ينظر إليهم على أنهم يشكلون تهديدا أمنيًا لفرنسا. والعمليات الإرهابية الأخيرة خاصة منها عملية نيس، التي تورط فيها مهاجر تونسي، أجّجت الشارع الفرنسي وصعّدت الضغط على حكومة إيمانويل ماكرون للإسراع باتخاذ إجراءات ضد الإسلاميين المتطرفين. وتوقع أن تواجه تونس مع بقية الدول المغاربية ضغوطًا أوروبية جديدة بشأن الجالية المغاربية المتواجدة هناك واحتمال ترحيل عدد من أفرادها. وأشار العكروت -الذي عمل مستشارا أوّل مكلفا بالأمن القومي لدى الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي- إلى القرارات التي اتخذتها حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون، والتي تمس الجالية التونسية في فرنسا؛ مثل منع استقدام الأئمة من خارج فرنسا، وسنّ إجراءات لتقييد تحركات الإسلام السياسي الذي اعتبره متحدّث من الإليزيه ”أصل الشر”، وتشديد المراقبة على المساجد والمراكز الثقافية الإسلامية التي اعتبرها الرئيس الفرنسي بمثابة “حصان طروادة” لكونها “تبث الأفكار المتطرّفة”، ثم تفكيك بعض الجمعيات كجمعية “أحمد ياسين” وجمعية “الذئاب الرمادية” القومية التركية، وطرد المتطرفين الإسلاميين من فرنسا وترحيلهم نحو بلدانهم. وقال المتحدث إن الجو العام الذي تتنزل فيه هذه الإجراءات في فرنسا من شأنه التضييق أكثر على الأجانب خاصة منهم القادمين من دول كتونس، وربما التشديد أكثر فأكثر في الإجراءات المتعلقة بالهجرة ومنح التأشيرة. علاوة على ذلك يوحي الجو العام في فرنسا بعد حادثة نيس بتنامي مشاعر الإسلاموفوبيا والعنصرية لدى البعض والحديث عن وجوب حماية علمانية الدولة وأضاف أن هناك حوالي سبعة ملايين مسلم في فرنسا، ووزير الداخلية الفرنسي تحدث عن 231 شخصا معنيا بالترحيل، "وبعد عملية نيس تم الحديث عن ترحيل 400 تونسي". ومعظم هؤلاء أجانب يُقيمون في فرنسا بصفة غير قانونية؛ من بينهم 180 شخصا، معتقلون في السجون ويشتبه في أنهم "يتبنون معتقدات دينية متطرفة". وتساءل المتحدث عن ما هي "المعتقدات الدينية المتطرّفة" المشار إليها؟ وما هو تعريفها؟ ومن هم ال231 شخصا المعنيون بالترحيل ومن هم ال400 تونسي الذين تم الحديث عنهم بعد حادثة نيس؟ هل هم من ذوي الجنسية المزدوجة؟ وما هي نسبة التونسيين من بين قائمة ال231؟، مضيرا إلى أن البعض من مزدوجي الجنسية، خاصة من الجيل الثاني، لا يتكلمون العربية وربما لم يزوروا في حياتهم تونس إطلاقا. وإذا كان من بين المرحلين نساء لديهن أبناء في حضانتهن، فهل سيتم ترحيل الأبناء معهن؟ وإذا كان البعض من الرجال هم مصدر السند المادي لعائلاتهم فهل سيتم ترحيل العائلات بأكملها؟ هل تونس مهيأة ومتهيئة لقبول المرحلين، وخاصة أن فرنسا بالرغم مما لديها من إمكانيات عاجزة عن ردعهم وإعادة تأهيلهم وإدماجهم في المجتمع؟ هل عدد الأفراد المراد ترحيلهم هو 231 أو 400، أم أن هذا العدد مرشح للزيادة؟ هل سيتم الترحيل فقط من فرنسا فقط أم سيتوسع ليشمل دولا أخرى؟ يجب أن تكون الإجابة عن كل هذه الأسئلة، يضيف المستشار التونسي، واضحة لأخذها بعين الاعتبار عند اتخاذ القرار من قبل الجانب التونسي، مضيفا أنه لن يكون بإمكان تونس في المستقبل رفض قبول أعداد أكبر أو طلبات ترحيل من بلدان أخرى إذا تم القبول بالمبدأ والإستابة للطلب الفرنسي. وحول ما ينبغي للسلطات التنسية فعله في هذا الإطار، توقع العكروت، بعد هذه العمليات الإرهابية وضلوع مهاجرين من تونس فيها، أن تتزايد الضغوط على تونس من طرف فرنسا وكذلك من قبل عدّة بلدان أوروبية أخرى، وخاصة أن أوروبا التي نمت وترعرعت فيها جماعات الفكر التكفيري المتشدّد، وذلك تحت مرأى ومسمع الجميع، أصبحت الآن على صفيح ساخن وفي مواجهة وحرب معلنة على هذه الجماعات ومن يمت لها بصلة من قريب أو من بعيد. وأضاف ان جزءا كبيرا من أوروبا اليوم في حالة استنفار قصوى وتونس كبقية الدول المغاربية مقبلة على تطورات وضغوط كبيرة نتيجة هذا الوضع المستجد. و"الجدير بالذكر أن الموقف التونسي كان دائما صارما في موضوع عودة المتشددين من بؤر التوتر. وأستبعد أن توافق تونس على المقترح الفرنسي كما يبدو، وخاصة أن إمكانياتها وظروفها الداخلية والإقليمية لا تسمح بذلك"، حسب قول العكروت. وقال العكروت إن المرحلين من المتشددين هم عبارة عن قنابل موقوتة شديدة الانفجار وخطيرة على أمن واستقرار تونس، ومراقبتهم مهمة مكلفة جدا تفوت بكثير إمكانيات البلاد، وخاصة أن قوات تونس الأمنية والعسكرية منذ السنوات العشر الأخيرة في حرب مفتوحة على الإرهاب والتهريب والهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة جراء الأوضاع في ليبيا والساحل والصحراء، وهي في الأخير تساهم بصفة مباشرة أو غير مباشرة في حماية الحدود الجنوبية لأوروبا. وذكر العكروت بأن أغلب الدول الأوروبية لم توافق على عودة مواطنيها من سوريا والعراق، بل اقترحت عودة مزدوجي الجنسية إلى بلدانهم الأصلية. وكان الموقف التونسي دائما صارما في موضوع عودة المتشددين من بؤر التوتر، وإلى حد الآن لا توجد معطيات حول قبول تونس من عدمه لمقترح فرنسا أو أي دولة أخرى. وأستبعد أن توافق تونس على المقترح المذكور أو أن تكون مستعدة لاستقبال متشدّدين صَعبُ على فرنسا وإمكانياتها الضخمة ردعهم واحتواؤهم.