تنتخب الكنيسة الكاثوليكية هذا الاسبوع حبرا اعظم جديدا يتعين عليه مواجهة عدد من التحديات المتمثلة بعلمنة المجتمع واضطهاد مسيحيين وفضائح داخلية, في وضع غير مسبوق بعد أول استقالة للبابا منذ سبعة قرون. وما لم تحصل مفاجآت, من المتوقع ان يكون المؤتمر الذي يبدأ الثلاثاء قصيرا, -من يومين الى اربعة ايام كحد اقصى- كما توقع الاب فديريكو لومباردي, المتحدث باسم الفاتيكان في تصريح ادلى به امام حوالى خمسة الاف مراسل لوسائل اعلام معتمدة ينتظرون الدخان الابيض الشهير.
وسينهي انتخاب البابا 266 شهرا مضطربا بدأ في 11 فبراير لدى الاعلان المفاجىء لبنديكتوس السادس عشر استقالته في الخامسة والثمانين من عمره.
وفي رسالة مقتضبة باللغة اللاتينية الى الكرادلة آنذاك, اعلن البابا الالماني "تخليه" عن قيادة "سفينة بطرس". وقد تذرع بتدهور صحته التي لم تعد تسعفه لمواجهة تحديات عالم يشهد تغيرات سريعة. واشاد العالم بهذه الخطوة المتواضعة التي اصابت الكنيسة بالذهول.
ففي 28 فبراير, ومن دون احتفالات انما في اجواء مفعمة بالتأثر, ابلغ يوزف راتسينغر الكرادلة ومن خلالهم الكاثوليك الذين يبلغ عددهم 1,2 مليار نسمة, تخليه عن عصا بطرس لكنه اكد بقاءه معهم في الصلاة.
واغلقت البوابات الضخمة لمقر الاقامة الصيفي في كاستل غاندولفو القريب من روما. وبدأت آنذاك فترة "الكرسي الشاغر".
ومنذ ذلك الحين تفشت الشائعات في روما عن البابا الجديد الذي يفترض ان يجمع المواهب الادارية والخصال القيادية التي تخوله حمل بشارة الانجيل بحماسة, على ان يكون ضليعا في القضايا اللاهوتية واصلاحيا حديثا شرط احترام التقاليد.
هل سيكون ايطاليا, اوروبيا او من الجنوب? فتوازن القوى مختل, لأن 60 من 115 كاردينالا هم اوروبيون (منهم 28 ايطاليا), ويتحدر 19 فقط من اميركا اللاتينية و14 من اميركا الشمالية و11 من افريقيا و10 من آسيا وواحد من استراليا.
وفي الايام الاخيرة, تناقلت وسائل الاعلام اسماء ثلاثة كرادلة باعتبارهم الاوفر حطا للسدة البابوية. وهم الكندي مارك اوليه والبرازيلي اوديلو شيرر والايطالي انجيلو سكولا. وجميعهم يتمتعون بالحيوية ويتصفون بصلابة العقيدة, لكنهم لا يتسمون بالصفات الثورية ويفتقرون الى الكاريزما وان كانوا يحظون بالاحترام الشديد. وتجمعهم ببنديكتوس السادس عشر نقاط تشابه مشتركة.
ويجرى انتخاب البابا الجديد في اطار معقد للكنيسة. فهي تواجه صعوبة في ايصال رسالتها الى العالم الغربي, والتراجع الكثيف للمسيحية في بعض البلدان والتوترات مع الاسلام وفضائح التحرش الجنسي بالاطفال والفساد بين رجال الدين وحتى لدى الاساقفة والانقسامات وسوء الادارة في الدوائر الفاتيكانية الذي جسدته فضيحة فاتيليكس لتسريب وثائق سرية.
وسينهي 115 كاردينالا تقل اعمارهم عن 80 عاما, الاثنين "مؤتمرات عامة" اتاحت لهم التعرف الى بعضهم البعض الاخر بشكل افضل. ولم يشارك 69 منهم في مجمع انتخابي.
وكانت المناقشات التي اجراها الكرادلة حيوية. فقد طرحت على بساط البحث كل المواضيع بما فيها "تحسين" الادارة المركزية والاصلاحات ولاسيما ما يتعلق بدور النساء في الكنيسة.
وفيما اعلن الكرادلة التزامهم الحفاظ على سرية مناقشاتهم, نشرت وسائل الاعلام وثائق جديدة تتعلق بفاتيليكس وتفشت اخبار عن "مجموعة مثلية", وقدم الكاردينال الاسكتلندي كيث اوبرين استقالته لاتهامه بتصرفات جنسية مثلية "غير ملائمة".
واتهمت منظمة قدامى الضحايا الاميركيين للكهنة المتحرشين بالاطفال, اثني عشر كاردينالا بالتغاضي والتساهل مع الكهنة المتحرشين بالاطفال.
وسيدخل الكرادلة الثلاثاء بطواف كنيسة السيستينا الشهيرة التي رسم جدارياتها مايكل انجيلو. وبموجب طقوس راسخة وصارمة ترقى الى القرون الوسطى, تقفل الابواب "بالمفتاح".
وسينتخب هؤلاء الكرادلة الذين سينعزلون عن العالم, بأكثرية الثلثين خلف بنديكتوس السادس عشر. وستحرق اوراقهم الانتخابية لمحو اي اثر عن عمليات الاقتراع البالغة السرية, التي لا يستطيع الكرادلة التحدث عنها, حتى بعد فترة طويلة. وبمساعدة من المواد الباعثة للدخان, سيخرج دخان اسود اذا لم يتوصل الكرادلة الى انتخاب بابا, ودخان ابيض اذا ما اجمعوا على انتخاب خليفة لبطرس.
وحتى قبل خروج الدخان من مدخنة كنيسة السيستينا وانطلاق العنان لأجراس كاتدرائية القديس بطرس, سيكون الكاردينال الايطالي جيوفاني باتيستا ري, اول الكرادلة الاساقفة, قد طرح على البابا المنتخب السؤال الآتي :"هل تقبل بانتخابك القانوني حبرا اعظم?" وسيجيب نعم ويختار اسمه الجديد الذي قد يكون بولس, يوحنا, يوحنا بولس وبيوس وبنديكتوس ...
وبعد ثمان واربعين دقيقة, وهي الفترة التي يقسم خلالها الكرادلة يمين الولاء ويرتدي الحبر الجديد ثيابه الجديدة, سيحصل الكاردينال الفرنسي جان-لوي توران على شرف الاعلان باللغة اللاتينية امام الجموع المحتشدة في ساحة القديس بطرس "هابيموس بابام" (لدينا بابا) ويكشف عن اسمه. ثم يكشف البابا الجديد الذي يضع نجمة حمراء على كتفيه, وجهه للعالم اجمع. عندئذ تبدأ مرحلة جديدة من تاريخ المسيحية الذي بدأ قبل الفي سنة.