احتفت الصحف الإسرائيلية الرئيسية الصادرة اليوم الجمعة، "هآرتس"، و"يديعوت أحرونوت" و"يسرائيل هيوم"، بإشهار الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي مساء أمس الخميس، معتبرة أن هذا الاتفاق هو نصر لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وعقيدته السياسية "بالسلام مقابل السلام"، ومنطق العلاقات الثنائية بين دولة الاحتلال وبين كلّ دولة عربية على حدة، من دون أي رابط أو علاقة بإنهاء الاحتلال والتوصل أولاً إلى حلّ للقضية الفلسطينية. وفيما جعلت "يسرائيل هيوم"، الصحيفة المقربة من نتنياهو، على طبعتها الورقية عنوان "الإمارات أولاً"، في إشارة إلى سياسة نتنياهو في السنوات الأخيرة بالتوصل أولاً إلى اتفاقيات مع الدول العربية ومن ثم مع الطرف الفلسطيني، فإنها لم تنسَ أن تضع على موقعها عنواناً رئيسياً آخر هو "السلام مقابل السلام"، في تأكيد للنصر الإسرائيلي على الموقف العربي العام، ونبذ ورفض شعار الأرض مقابل السلام. في المقابل، اختارت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن تضع عنواناً رئيسياً يقول: "اتفاق تاريخي مع الإمارات العربية"، وإبراز عنوان آخر: "السلام مقابل الضم". واعتبرت "يديعوت أحرونوت" أن نتنياهو عرض أمس أحد أبرز إنجازاته على مدار سنوات حكمه، السلام مع الإمارات العربية المتحدة، لكن هذا الإنجاز جاء مقابل ثمن، إذ تنازل عن فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، وهو ما أثار غضب المستوطنين الذين قالوا "لقد باعنا نتنياهو". صحيفة "هآرتس" من جانبها اختارت عنوان: "إسرائيل والإمارات العربية المتحدة اتفقتا على تطبيع العلاقات مقابل تجميد الضم". إلى ذلك، أشار عدد من المعلقين إلى أهمية الإعلان لجهة تكريس سياسة اليمين الإسرائيلي وتغيير معادلة المفاوضات ومساعي "السلام مع الدول العربية"، بالتخلي عن مبدأ الأرض مقابل السلام. واعتبر ناحوم برنيع في تعليقه في "يديعوت أحرونوت" تحت عنوان "هذا السلام له"، أن نتنياهو يستحق تقديراً كبيراً لأن هذه هي المرة الأولى منذ انتخابه، التي يقوم فيها بتحرك سياسي إيجابي، ولا يبحث عن إحباط مبادرات الآخرين. هذا السلام هو له إذا تطور وتحقق، فهو له، وإذا تشوش وفشل فهو من نصيبه أيضاً، على حدّ قوله. واعتبر محلل الشؤون العربية في "هآرتس"، تسفي برئيل، أن الاتفاق سيضيف إلى إسرائيل، عدا عن العلاقات القائمة الآن قبل الاتفاق، فتح دولة الإمارات، إحدى أهم دول النقل في المنطقة أمام بضائع إسرائيلية يمكن لها أن تصل عن طريق الإمارات إلى دول عربية وإسلامية أخرى. ويلفت برئيل إلى تناقضات العلاقات الإماراتية. وأشار إلى أنها متورطة ولها دور في مناطق النزاعات في المنطقة، من إقامة علاقات دبلوماسية في سورية، وتدخل عسكري في ليبيا، وكانت شريكة المملكة العربية السعودية في اليمن وداعمة للنظام في السودان، ودولة لها علاقات طبيعية مع إسرائيل. لكن الأهم من ذلك، وفق المحلل الإسرائيلي، أنه تنشط في الإمارات أكثر من 3000 شركة إيرانية، وترتبط الدولتان باتفاقية تعاون عسكرية، كما أن الإمارات وإسرائيل تتفقان على ضرورة كبح وصد النفوذ الإيراني، لكن فيما ترى الإمارات ضرورة القيام بذلك بالطرق الدبلوماسية، فإن إسرائيل تسعى لذلك بالطرق السياسية والعسكرية. وبحسب برئيل، فإن ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد تمكن من أخذ دولته قدماً من حيث مكانتها السياسية والدولية أيضاً على حساب تراجع مكانة السعودية، التي تحوّل ولي العهد فيها محمد بن سلمان إلى شخصية مكروهة وغير مرغوب فيها في الغرب، بما في ذلك بفعل تعزيزه العلاقات مع الصين وروسيا. ويرى برئيل أن "السياسة المستقلة للإمارات العربية، ستفضي لاحقاً إلى انضمام دول خليجية أخرى مثل البحرين وعمان وحتى دولة قطر". واعتبرت صحيفة "يسرائيل هيوم" أن الاتفاق المعلن عنه أمس بين الإمارات ودولة الاحتلال هو دليل على بزوغ شمس شرق أوسط جديد، غير الذي عهدناه في السابق، حتى في معاهدات السلام السابقة مع الأردن ومصر، واتفاق أوسلو، بل العكس منه تماماً، على قاعدة "السلام مقابل السلام". وذهب رئيس تحرير الصحيفة بوعز بسموط إلى القول إن حقيقة كون نتنياهو ثاني رئيس حكومة من اليمين يحقق معاهدة سلام، تؤشر إلى أنه لا حاجة أصلاً لليسار الإسرائيلي لتحقيق السلام، على حد قوله. ولفت إلى أنه "إذا كان اتفاق أوسلو تحدث عن غزة وأريحا أولاً، فإن الاتفاق الجديد يقوم على الإمارات أولاً. أولاً وقبل كل شيء نأخذ السلام المقترح مع دولة فضلت على مدار عقدين من الزمن مغازلتنا تحت جنح الظلام، وإذا بها فجأة تغير مكانتها من عاشقة سرية إلى زوجة رسمية، وكل هذا من دون مفاوضات ملزمة مع الفلسطينيين".