شهد محيط طرابلسالجنوبي ومحيط مدينة ترهونة، منذ ليل أمس الجمعة وحتى فجر اليوم السبت، قصفاً مدفعياً عنيفاً من قبل قوات الحكومة على تمركزات مليشيات حفتر، في وقت أكدت فيه عملية "بركان الغضب" رفضها ل"الهدنة" مع حفتر. وقال المتحدث الرسمي باسم مكتب الإعلام الحربي للعملية عبد المالك المدني، إن المدفعية الثقيلة تقصف حتى الآن مليشيات حفتر في محور صلاح الدين وجزيرة الشريف جنوبطرابلس، وفي منطقة سوق الجمعة والمصابحة وسوق الخميس امسيحل في محيط ترهونة. وأوضح المدني، في تصريح صحفي، أن المدفعية استهدفت خلال الساعات الماضية موقعاً مهماً لمرتزقة "فاغنر" بمحور عين زاره، جنوبطرابلس، وآخر لمرتزقة الجنجاويد محاذياً لكوبري سوق الأحد في محيط ترهونة، "وتم تدمير عدد من مدرعات "تايغر" الإماراتية وآليات مسلحة أخرى". وأشار المدني إلى أن المدفعية استهدفت أيضاً تمركزات لمليشيات حفتر بمحيط معسكر اليرموك جنوبطرابلس، "كما وجه سلاح الجو ضربات مختلفة استهدفت خطوط إمداد العدو"، موضحاً أن من بينها سيارة وقود بمنطقة القريات، وآليتين في وادي مرسيط، وسيارة محملة بالذخائر في محيط منطقة نسمة، كانت كلها في طريقها لمليشيات حفتر في ترهونة. من جانبه، قال الناطق باسم قوات الوفاق محمد قنونو، في تصريحات أوردتها صفحة "بركان الغضب" في "فيسبوك"، إنه لا يثق "في ما يُعلن من هدنة" من جانب حفتر، مشيراً إلى أن الانتهاكات والخروقات مستمرة من جانبه. ولفتت العملية، اليوم السبت، إلى استهداف مليشيات حفتر لحي زناتة، أمس الجمعة، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى في صفوف المدنيين. واعتبر قنونو أن هذه "صورة حقيقة الغزاة المرتزقة الذين جلبوا من كل حدب وصوب لغزو ليبيا، وأسقطوا مرة أخرى ادعاءات وقف إطلاق النار المزعومة"، مشيراً إلى أن الهدنة من جانب حفتر تهدف إلى استغلال الوقت لجلب المرتزقة وتوريد السلاح من الإمارات ومصر. ودلّل قنونو، في بيانه، على عدم الثقة في إعلان حفتر للهدنة ب"الانقلاب على الاتفاق السياسي والمؤسسات الشرعية"، معتبراً أنه "يؤكد بأنه ليس لدينا شريك للسلام". وقال: "في هذا الوقت نؤكد على موقفنا الثابت بأننا مستمرون في الدفاع المشروع عن أنفسنا، وضرب بؤر التهديد أينما وجدت، وإنهاء المجموعات الخارجة على القانون". وتعليقاً على تمسكها بمواصلة عملياتها القتالية، يرى المحلل السياسي الليبي مروان ذويب، أن "بركان الغضب" أدركت أن قبول حفتر بالهدنة جاء من موقف ضعف، وربما لاختلاس وقت لترتيب صفوفه ودعم أوضاعه المتهاوية شرق البلاد. وأظهر التفاهم الذي أعلن عنه السفير الأميركي ريتشارد نورلاند، مع رئيس مجلس النواب المجتمع بطبرق عقيلة صالح، "على ضرورة تجنب المحاولات الفردية لإملاء مستقبل ليبيا من جانب واحد وبقوة السلاح"، استمرار المعارضة الداخلية في برقة لمساعي حفتر الانقلاب على مجلس النواب، بعد أن كان يشكل له واجهة سياسية طيلة سنوات. وبحسب بيان السفارة الأميركية، مساء أمس الجمعة، فإن نورلاند وصالح أجمعا "على ضرورة احترام العمليات الديمقراطية وعدم وجود حلّ عسكري في ليبيا"، ما يراه ذويب تأكيداً صريحاً على توقف دعم صالح لعمليات حفتر العسكرية. وفي كواليس الدوائر المقربة من صالح وحفتر، أكدت أوساط ليبية مطلعة أن صالح لا يزال يسعى لتحجيم دور حفتر من خلال صلاحياته كرئيس للبرلمان عن طريق شركاء حفتر الإقليميين والدوليين، وعلى رأسهم مصر وروسيا. وأشارت ذات المصادر إلى أن صالح يدرك أنه ليس من صالحه الانسلاخ نهائياً عن حفتر، ولكنه يسعى لأن يكون له دور أساسي في المشهد المقبل، مؤكدة أن القاهرة وموسكو تدفعان، من خلال صالح، إلى عودة العملية السياسية للمشهد، حيث يرى ذويب أنهما لا يختلفان عن حفتر في الهدف، لكن الوسيلة تختلف. ويوضح ذويب رأيه بأن هدف كليهما إسقاط حكومة الوفاق، وسدّ الباب بذلك أمام الوجود التركي، لكن من خلال عملية سياسية جديدة تستهدف إعادة تشكيلها وإفراز حكومة جديدة، بينما قفز حفتر قفزة في الهواء من دون نتيجة، بإعلان إسقاط الاتفاق السياسي ليبقى في الساحة منفرداً. وفيما يرى ذويب أن حفتر فشل حتى في تثبيت وجوده في الشرق الليبي، إلا أنه يُعدّ بروز المعارضة في الشرق الليبي "مؤشراً إيجابياً، فمعارضوه أصبحوا الآن أكثر شجاعة ليعارضوا تقسيم البلاد إذا ما نحا حفتر بهذا الاتجاه، في حال خسارة مواقعه في الغرب الليبي". ويعتقد ذويب أن بروز معارضة داخلية لحفتر بهذه الجرأة، ناتج عن فاتورة الحرب الباهظة التي دفعتها قبائل الشرق لدعمه عسكرياً وسياسياً واقتصادياً أيضاً بعد أن شحت موارد التمويل التي قطعها البنك المركزي في طرابلس إثر إغلاق حفتر لصمامات النفط. وعلى الرغم من إصرار قوات حكومة الوفاق على المضي في عملياتها العسكرية بعد رجوح كفة الميدان لصالحها، إلا أن الأكاديمي الليبي خليفة الحداد، لا يستبعد ممارسة المجتمع الدولي لضغوط على أجسام سياسية في طرابلس، على رأسها المجلس الأعلى للدولة، من أجل القبول بالرجوع للمفاوضات السياسية، على الرغم من العراقيل التي قد تقف أمام العودة بسبب الانقسام الذي يعانيه مجلس النواب بين كتلتين، الأولى في طبرق والأخرى في طرابلس. وينطلق اعتقاد الحداد بإمكانية رجوع العملية السياسية، من أن الحكومة لا تمتلك قوة كافية لحسم عسكري في كامل أجزاء البلاد، مشيراً إلى أن اتساع رقعة الميدان إلى ما بعد الجفرة يعني احتراباً أهلياً طويل الأمد، خصوصاً مع وجود قبائل مسلحة لها ولاءات مختلفة. ويؤكد الحداد أنه كلما تسرّعت عملية طرد مليشيات حفتر من كل مواقعها في الغرب الليبي، اقترب موعد رجوع العملية السياسية وفق قواعد جديدة، على رأسها نتائج الميدان.