تشكل علاقة حزب العدالة والتنمية، وعموم الإخوان المسلمين، بدولة إسرائيل، لغزا محيرا للباحثين والمتتبعين، باعتبارهم أول من يخرج إلى الشارع احتجاجا على هذه الدولة وتصرفاتها، كما أنهم أول من يهرول للتطبيع معها، ولا أحد من هذا التنظيم يزيغ عن هذه الطريق. وفي الواقع المنظور والقريب جدا، رأينا عمدة الدارالبيضاء والقيادي في الحزب الإسلامي كلف نفسه يوم الأحد عناء الانتقال من العصامة الاقتصادية إلى الرباط للاحتجاج على صفقة القرن، وبمجرد عودته وقع على صفقة استيراد سبعين حافلة من الخردة الإسرائيلية. هذه الازدواجية ليست غريبة عن العدالة والتنمية، فقد سبق للإخوان أن استقبلوا عوفير برونشتاين، مستشار إسحاق رابين، في المؤتمر السابع للحزب المنعقد بالرباط يومي 14، 15 يوليوز 2012، وصافحه عبد الإله بنكيران، الأمين العام حينها وهو يضحك ملء شدقيه، وكذلك فعل سعد الدين العثماني، وكل الإخوان بالحزب، ولما انكشف أمرهم قالوا إنهم لم يكونوا على علم بجنسيته الاسرائلية. ومن غريب الصدف أن خالد مشعل، زعيم حماس كان حاضرا في المؤتمر والتقى بالسياسي الصهيوني. وقبل أشهر أفتى أحمد الريسوني، فقيه الحزب، بجواز التطبيع ولم يعترض عليه واحد من الإخوان، وحتى تريتورات محاربة التطبيع، لم يسألوه عن فعلته هذه. وما قام به الإخوان في العدالة والتنمية هو ما يقوم به التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، ففي مصر كانت تخرج الآلاف ضد إسرائيل، لكن محمد مرسي وبصفته رئيس جمهورية مصر العربية يبعث رسالة إلى نظيره الإسرائيلي شيمون بيريز، حيث قدم من خلالها شكره على التهنئة الإسرائيلية بمناسبة شهر رمضان، "معربا عن تطلعه لاستئناف عملية السلام بالشرق الأوسط لتحقيق الأمن والاستقرار لكل شعوب المنطقة، بما في ذلك الشعب الإسرائيلي". وخير دليل على هذه الازدواجية هو ما يقوم به رجب طيب أردوغان، رئيس تركيا، الذي يلعن إسرائيل يوميا بينما يقيم علاقات استراتيجية معها، وسبق له أن زارها ووضع إكليل زهور على قبر مؤسس الصهيونية تيودر هرتزل، كما يقيم علاقات تجارية مع الإسرائيليين وابنه بلال يشترك معهم في مشاريع سياحية... حزب رجب طيب اوردغان، الذي يعتبر النموذج والمثال بالنسبة لحزب العدالة والتنمية بالمغرب، لا يكتفي بنسج علاقاته الاقتصادية والسياسية مع الكيان الصهيوني بل يرفض رفضا قاطعا قطع هذه العلاقات وإلغائها، وكلنا يتذكر تقديم حزب الشعوب الديمقراطي، المعارض والموالي للأكراد بتركيا، بمشروع قرار امام البرلمان التركي، سنة 2018، ينص على الغاء كافة الاتفاقيات السياسية والعسكرية والاقتصادية مع إسرائيل بسبب ما تقترفه في حق الفلسطينيين، لكن نواب حزب العدالة والتنمية الحاكم صوتوا بالرفض والبقاء على العلاقات الطبيعية مع إسرائيل. تركيا العدالة والتنمية، تجمعها مع اسرائيل أكثر من 13 اتفاقية وكل خطابات "السلطان" اردوغان عبر القنوات التلفزية ليست الا خطابات شعبوية للتسويق موجهة أصلا للشعوب العربية والاسلامية وتتنافى مع ما يجري في الواقع إذ انها في عمقها موقوفة التنفيذ، لأن تركيا تدرك جيدا ما تربحه مع إسرائيل بالنظر إلى حاجة إسرائيل لتركيا من الناحية السياسية كبلد "إسلامي" من البلدان المطبعة مع الكيان الصهيوني، ومن الناحية الاقتصادية فإن تركيا تفسح فضائها الجوي للطائرات الإسرائيلية العابرة الى اوربا وامريكا... وإذ كان المثال والنموذج لا يجد غضاضة في التطبيع مع اسرائيل، فلا غرابة في ان نجد تلميذه في المغرب حزب العدالة والتنمية يقلده ويتبع خطاه في التودد إلى الصهاينة والاستفادة من مزايا التطبيع مع الدولة الاسرائيلية كما يفعل اردوغان، بموازاة قصف الرأي العام الوطني والدولي بشعارات وتصريحات ترفض وتمج التطبيع، وذلك في سلوك شعبوي يكشف عن ازدواجية الخطاب لدى حزب العدالة والتنمية ذي الوجهين..