سنعرض لهذه الشخصية السياسية ضمن إطار جد محدود مع ما يحمله من دلالات ، وفي آن سنحاول أن ننأى ؛ بتناولنا له ؛ عن الاستحقاقات والظرفيات السياسية التي تعرفها تركيا حاليا حتى لا نقع في مجانية الخطاب أو الخطاب الادعائي ، مثلما تطفح به العديد من وسائل الميديا في تعاملها مع " أصحاب الفخامة " من الرؤساء والزعماء العرب . يعد رجب طيب أردوغان (1954) أول رئيس تركي اختاره الشعب بواسطة الاقتراع المباشر ؛ ينحدر من أسرة ذاقت شظف العيش ، حتى أنه امتهن في صغره بيع البطيخ للاستعانة على تغطية مصاريفه الدراسية ، كما تشبع بالقيم الإسلامية الحنيفية وانخرط في العمل السياسي منذ وقت مبكر ، وفي محاولة النأي بنفسه عن الاتهامات التي ما فتئت تلاحقه بخصوص استبداد الدين بالسياسة ، سارع إلى تأسيس حزب العدالة والتنمية ذي التوجه الوسطي بين ما هو علماني وما هو ديني ؛ معتبرا إياه على شاكلة حزب يميني محافظ بأوروبا ؛ يصون لتركيا قيمها الأتاتوركية العلمانية ، دونما إقصاء للدين كما صرح ؛ في أكثر من مناسبة ؛ بأن تركيا في " طريقها للتخلص من التركة الأربكانية (نسبة إلى نجم الدين أربكان مؤسس حزب الرفاه) والتي أبقت للعسكر نفوذا واسعا على الساحة السياسية ؛ نجمت عنه عدة محاولات لانقلابات عسكرية ، كان آخرها سنة 2016 ضد الرئيس رجب طيب أردوغان ، رغم أنه فشل في بضع ساعات . ولعلها العقبة الكأداء التي ما زالت تواجه محاولات تركيا لانضمامها إلى الاتحاد الأوروبي ، منها التخلص من سلطتي العسكر والدين ، بوصفهما مؤسستين تتعارضان ؛ في نفوذهما السياسي ؛ مع ما ألفته دول الاتحاد الأوروبي من هوامش واسعة في الحريات وحقوق الإنسان . أردوغان عدو الغرب والمستهدف لقد سجل التاريخ السياسي المعاصر لأردوغان مواقف صلبة وحازمة تجاه الاحتلال الإسرائيلي لأراضي فلسطين وحرب الإبادة التي يمارسها في حق شعبها الفلسطيني في قطاع غزة ، منها ما هو معلن كقطع تركيا لعلاقاتها مع هذا الكيان الصهيوني غداة الأحداث المروعة التي شهدها القطاع سنة 2009 ، والتي قال فيها أردوغان كلمته الشهيرة منتفضا في وجه شيمون بيريز بمنتدى دافوس : " ... أنتم تعرفون كيف تقتلون الأطفال !"، هذا عدى المساعدات الإنسانية التي تقدمت بها تركيا من أجل فك الحصار على سكان قطاع غزة ، منها أسطول "الحرية" . إن في إقدام تركيا على قطع علاقاتها الاقتصادية مع إسرائيل خسارة مالية جسيمة للعديد من الشركات والرساميل الإسرائيلية العاملة بتركيا ؛ اشترط أردوغان لعودتها حزمة من الشروط ، في مقدمتها فك الحصار على سكان غزة والسماح بعبور المواد الغذائية والإنسانية . ولأن كان أردوغان يعلم بالمناورات الإسرائيلية وتاريخ جهاز استخباراتها الموساد الملطخ بدماء الشهداء، سواء باعتماده سياسة الاغتيالات و استهداف التظاهرات والحملات الفلسطينية أو باللجوء إلى توسيع رقعة المستوطنات اليهودية ، فإنه كان على علم بالمؤامرات التي كانت تحاك ضده إما باستهدافه ومحاولة تصفيته جسديا أو بتدبير انقلاب عسكري ضده، أو بتحويل مدن تركيا إلى بؤر وخلايا إرهابية ضد النظام العام ، لكن أحداث المجازر الأخيرة التي تزامنت مع مراسيم الاحتفال بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس ، والموقف الجريئ الذي صدر عن أردوغان ، حملت رسائل مشفرة إلى معظم الدول الغربية ؛ وبإيعاز من حكومة إسرائيل ؛ بأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أصبح يشكل عنصر خطورة وتهديد لمصالحها في منطقة الأناضول ، وغدا "الناطق الرسمي" باسم المنظمة "الإرهابية" حماس. وذهبت تحليلاتهم بعيدا في استقراء تداعيات القوة الاقتصادية الزاحفة لتركيا بزعامة أردوغان على اقتصاد أوروبا ، مع تنامي شعبيته وتعاظم التيار الإسلامي الذي يقوده حزب العدالة والتنمية.