تفاصيل افتتاح أشغال الدورة الثانية لمجلس النواب من السنة التشريعية 2024-2025    أخنوش: برلمانيو "الأحرار" مطالبون بالدفاع عن منجزات الحكومة والأغلبية متماسكة    مباحثات ثنائية بين بنسعيد وداتي وحفل استقبال على شرف الوفد المغربي المشارك في معرض الكتاب بباريس    المغرب يدعو إلى تضافر الجهود الدولية لضمان سلامة الأجواء في مناطق النزاع    الصين ترد على تصعيد واشنطن التجاري بورقة بيضاء: دعوة للحوار والتعددية بدلًا من المواجهة    ليفربول يعلن تجديد عقد نجمه المصري محمد صلاح لموسمين إضافيين    الديراني يغيب عن الديربي أمام الرجاء    هزيمة الفتح أمام ريفرز هوبرز النيجيري في دوري الBAL تُعقّد مهمته في التأهل    بالاستعانة بالكاميرات وتقنيات GPS والكلاب المدربة.. تفكيك لغز العثور على جثة شابة بسد اسمير المضيق الفنيدق    خلاف بسيط يتحوّل إلى جري..مة ق..ت..ل تهزّ مدينة طنجة    سعيد الناصري يقف لأول مرة أمام القاضي في محاكمة قضية "إسكوبار الصحراء"    الرئيس الفرنسي يزور جناح المغرب، ضيف شرف مهرجان باريس للكتاب    بورصة البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    حزب الاستقلال يدعو إلى تقوية الشفافية في المعاملات التجارية وملاءمة قانون حرية الاسعار وحماية المستهلك    ضبط أزيد من طنين من الأسماك غير الموثقة في الداخلة ومطالب بتشديد الرقابة    نبيل باها يشيد ببلوغ أشبال الأطلس نصف نهائي "الكان"    بطولة إسبانيا.. أنشيلوتي وريال مدريد تحت المجهر وبرشلونة للابتعاد    إجراء قرعة جديدة لكأس أمم أفريقيا للشباب بعد التحاق تونس    في غياب الجماهير .. من يحسم صراع الدفاع وشباب المحمدية؟    تفاصيل الاجتماع بين النقابات ووزارة الصحة لتنفيذ "اتفاق يوليوز" الموقع مع الحكومة    الصين تقول إنها سترفع الرسوم الجمركية على السلع الأمريكية إلى 125%    اتهامات للمؤثرة الشهيرة "ميس راشيل" بتلقي أموال للترويج لحماس    أجهزة معلوماتية مهربة تقود عشريني للاعتقال بأكادير    ندوة بالقصر الكبير تحتفي بذكرى زيارة الملك محمد الخامس لطنجة    الاحتكار آفة الأشْرار !    ظروف مادية تُؤجل الدورة الثلاثين من مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    بني أنصار تستعد لعملية مرحبا 2025 ب "إصلاحات"    المرصد الوطني للدراسات الاستراتيجية يدين جرائم الجيش الجزائري بمخيمات تندوف ويدعو لتصنيف "البوليساريو" كمنظمة إرهابية    الذهب يسجل مستوى قياسياً مع تزايد الإقبال على الملاذات الآمنة    طنجة.. القطب الحضري والاقتصادي الثاني في المغرب، بدون جامعة!    نجاة الرجوي: "مشاركتي في حفل تكريم عبد الوهاب الدكالي شرف كبير"    ارتفاع قياسي جديد للذهب    الخارجية الأمريكية تبلغ دي ميستورا بأنه لا حل لنزاع الصحراء خارج السيادة المغربية    مصرع ستة أشخاص بينهم أطفال بسقوط مروحية في أمريكا    أسعار النفط تتراجع بشكل حاد مع تأثر السوق بالحرب التجارية    توقعات أحوال الطقس ليوم الجمعة    وفاة مدرب ريال مدريد السابق الهولندي ليو بينهاكر عن عمر 82 عاما    توقيف مواطن فرنسي- جزائري في الدار البيضاء مطلوب للقضاء    السياحة المغربية تحقق نمواً استثنائياً في الربع الأول من 2025    جامعيون ومسؤولون سابقون يرصدون صعوبات الترجمة بأكاديمية المملكة    عراقجي في الجزائر .. هل تُخطط إيران للهيمنة على شمال إفريقيا عبر قصر المرادية ؟    فضيحة للوزير السكوري.. خبير سيبراني حذّر من ثغرة خطيرة بموقع وزارة التشغيل قبل "تسريبات جبروت" بخمسة أيام        10 حقائق عن استيراد الأبقار والأغنام وتداعياتها السياسية والمالية والاجتماعية!    أكثر من نصف الأمريكيين ينظرون سلبيا لإسرائيل.. استطلاع جديد يكشف تداعيات حرب غزة    مسؤول إسباني .. التقارب الثقافي وسيلة ممتازة لتعزيز العلاقات المغربية الإسبانية        السلطات الصحية بجنوب إسبانيا تتأهب لمواجهة "بوحمرون" القادم من شمال المغرب    مصطفى لغتيري يثري أدب الصحراء    سلطات مليلية تحتجز كلب "مسعور" تسلل من بوابة بني انصار    آيت الطالب يقارب "السيادة الصحية"    تقليل الألم وزيادة الفعالية.. تقنية البلورات الدوائية تبشر بعصر جديد للعلاجات طويلة الأمد    دراسة: أدوية الاكتئاب تزيد مخاطر الوفاة بالنوبات القلبية    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تركيا «العربية»
نشر في المساء يوم 16 - 09 - 2011

وصف تركيا ب«العربية» عمل مجازي بالطبع، وإن كانت أجيال من العرب والمتعربين حلمت بأن تكون تركيا كذلك .
القصة حديثة وقديمة في آن، وكلنا يذكر سيرة جمال الدين الأفغاني، وهو المفكر الإسلامي المرموق إيراني النشأة وعربي المصير، فقد تعرب وتمصر في القاهرة خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي، وكان نقده عنيفا لأحوال التدهور الذي آلت إليه الخلافة العثمانية تحت القيادة التركية، وكانت له نظراته في طبيعة العلة أو العلل، وبينها أن الخلافة سعت إلى تتريك العرب، وكان عليها أن تسعى إلى «تعريب» الترك.
ولم يعش جمال الدين الأفغاني إلى أيامنا، والتي يتصل فيها بعض ما انقطع من علاقات الأتراك والعرب، ودون أن يتعرب لسان الأتراك، وإن كان تعلم اللغة العربية عندهم يشهد قفزات هائلة، وفي سياق تعريب للسياسة لا للسان، فقد دار الزمان دورته الكاملة في تركيا.. سقطت الخلافة التركية العثمانية وظهرت قطيعة كمال أتاتورك التي نزعت كل صلة لتركيا بالعالم العربي، ونزعت عن اللغة التركية حروفها العربية، وأحلت محلها حروفا لاتينية، وأطفأت نور المساجد والمآذن، ونظرت إلى الإسلام كنقيصة وإلى التغريب كميزة، ومرت بأطوار من القلق والفشل المتصل بعد وفاة أتاتورك، وسجنت الشعب التركي في قبره، وخضعت لعلمانية الدبابات، وصارت عضوا في حلف الأطلنطي تحت القيادة الأمريكية، وصارت في موقع الرفقة الحميمة لإسرائيل، وصار جيشها توأما لجيش إسرائيل، وتعودت نخبتها المفرطة في تغريبيتها على حكم بلد مريض باقتصاده العليل ومريض بغيبوبة الانقطاع عن قضايا العالم الإسلامي الذي كانت تحكمه تركيا لقرون، ومنفصل في نظامه الحاكم عن وجدان الأتراك المسلمين بنسبة تقارب المائة في المائة .
وفي سياق مخاض صعب مرت به تركيا خلال عقودها الأخيرة، كانت تركيا تستعيد تركيتها، وتستعيد معها دفقات من الوعي بوصل بعض ما انقطع مع العالم العربي .
كانت ظاهرة تورغوت أوزال هي البداية العملية المؤثرة، كانت السيطرة السوفياتية قد زالت عن أجزاء من العالم التركي خارج الحدود التركية، وتشجع أوزال على طرح القومية التركية بمنظور جديد، وهو تكثيف الروابط السياسية والاقتصادية مع كل الناطقين باللغة التركية، ولم تعش تجربة أوزال طويلا، وإن أثمرت إضافة الحركة القومية التركية إلى أحزاب اليسار واليمين الساكنة تحت عباءة أتاتورك. لكن الحركة الإسلامية التركية كان لها أثر آخر، ولعب الراحل نجم الدين أربكان دورا كفاحيا أكبر في استعادة الهوية المطمورة؛ كان أربكان مكافحا فريدا، ورجلا ذكيا إلى أبعد حد، بدا كأنه ينازع النظام الأتاتوركي في أصل وجوده، واستفاد من ثغرات الحرية المتاحة، وكان متأثرا بدأب حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، وإن أضاف إليه براغماتية ظاهرة مطلوبة في السياق التركي الصناعي المتطور؛ كان أربكان ينشئ الحزب تلو الحزب، ولا يقع أسيرا لإحباط نفسي جراء إحباط محاولاته وحل أحزابه؛ وفي قمة نضج عمله، أنشأ حزب «الرفاه»، ونجح في كسر الثنائية المسيطرة لحزبي سليمان ديميريل وبولنت إيجيفيت، وتحالف مع تانسو تشيلر، وريثة ديميريل العجوز، وشكل حكومة في التسعينيات من القرن العشرين، كان هو رئيس وزرائها، وتبدت حيويته في طرح فكرة العالم الإسلامي بأوسع كثيرا من عالم أوزال التركي المحض، لكنه سرعان ما تعرض لقصف العسكر ونخبة القضاء الأتاتوركية الصرفة.. حلوا حزبه وأسقطوا حكومته، وهنا كانت لحظة ميلاد ظاهرة جديدة تمثلت في رجب طيب أردوغان وصحبه، كان أردوغان ضمن جيل من الشباب اجتذبتهم كفاحية أربكان، لكنه قرر في لحظة الحسم ترك عربة أستاذه، فقد استمر أربكان على طريقته وأنشأ حزب الفضيلة الذي تعرض هو الآخر للعصف بقرار حل مبكر، ثم جرى الانشقاق الكبير، فقد استمر مع أربكان عدد من تلاميذه في حزب آخر باسم حزب السعادة، وبدا الأخير حزبا صغيرا على الهامش، لا يحصل على مقعد واحد في البرلمان التركي، بينما وعى أردوغان وصحبه الدرس وأنشؤوا حزبا من نوع مختلف حقا، انفصل أردوغان ومعه أغلب كوادر وقواعد حزب الفضيلة، وضموا إليهم قطاعات واسعة من المثقفين ورجال الأعمال وأبناء الفئات الوسطى، وأنشؤوا حزبا إلى يمين الوسط، يتمتع بديناميكية وبراغماتية هائلة، وجمع موارد الميل إلى الإسلام السياسي مع موارد العلمانية المعتدلة التي لا تخاصم حريات التدين الإسلامي، وبلور الطموح القومي التركي في صيغة جديدة، وأصبح أردوغان الشخصية الأعظم تأثيرا في التاريخ التركي منذ وفاة كمال أتاتورك .
وبالطبع، لا يصح إنكار دور كاريزمية أردوغان، كما لا يصح إنكار براغماتيته المحسوبة، كان لا بد له من إزاحة تحكم الجيش الأتاتوركي، ووجد في مبادرة الالتحاق بالاتحاد الأوربي ضالته، فهو يدرك أن الاتحاد الأوربي «المسيحي» لن يضم تركيا المسلمة إليه في النهاية، لكن مفاوضات الانضمام تفيده في الداخل التركي، وتلزم تركيا بمعايير حقوقية وسياسية تخصم من نفوذ الجيش، ونجحت المناورة في تقليم أظافر الجنرالات الذين تآمروا ضد حزبه وحكوماته في الظلام، ولم ينجح التآمر، ليس فقط بسبب يقظة أردوغان بل أيضا بسبب شعبية حزبه المطردة والتي أضاف إليها نمو ونهضة الاقتصاد التركي مددا جديدا، فقد نجح أردوغان في جعل تركيا قوة اقتصادية وصناعية بازغة، ووظف كل الأوراق المتاحة، وأبدى صلابة سياسية هائلة في مواجهة خصومه الداخليين الذين تراجع نفوذهم، وعبر بدقة عن المزاج القومي التركي المتكبر، واقتحم الدنيا العربية من أوسع أبوابها.. رفض عبور القوات الأمريكية الغازية للعراق عبر الأراضي التركية، وأقام علاقات وصل اقتصادي مع النظم العربية على بؤس أحوالها، وفتح أسواق العرب والإيرانيين لفائدة الاقتصاد التركي، ولم يتردد في الانقلاب على الحكام مع ثورات الربيع العربي، واختار إسرائيل موضوعا لانتقامه من تراث أتاتورك وتحين الفرص لفك الروابط الموروثة معها، وشجعته قوته المتنامية في الداخل التركي على كسر المحرمات القديمة، لم يبال كثيرا باعتراضات الحليف الأمريكي، وجعل من إسرائيل خصما مفضلا، واستثمر الخطأ الإسرائيلي في قتل أتراك سفينة الإغاثة إلى أبعد حد.. طلب اعتذارا رسميا إسرائيليا يعرف أنه لن يحدث، وانتظر الانتخابات التركية الأخيرة ليجدد ويؤكد شعبيته، ثم انهال على رأس إسرائيل بمطرقة تركية، وجمد روابط السياسة والاقتصاد والسلاح معها، وبدا الزعيم التركي كأنه زعيم فلسطيني وعربي بامتياز، وبدت تركيا كأنها تتكلم العربية بلهجة أردوغان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.