يدخل حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم في جنوب إفريقيا غمار الانتخابات العامة، التي ست جرى بعد غد الأربعاء، على وقع أفول يعيشه، وفي ظل اقتراع قد يؤشر على نقطة تحول حاسمة في تاريخ هذا الحزب الذي يقود البلاد منذ نهاية نظام الفصل العنصري في 1994. ويواجه الحزب انتقادات حادة بعد فشله في بناء جنوب إفريقيا مزدهرة تعمها المساواة، كما يعيش على وقع انقسامات عميقة تعد نتاج تسع سنوات قضاها رئيس الحزب السابق جاكوب زوما (2008-2017) في السلطة. فبعد 25 سنة من تواجد حزب المؤتمر الوطني الإفريقي في السلطة، يواصل معدل البطالة ارتفاعه، حيث بلغ 27 في المئة في صفوف الساكنة النشيطة، مع استمرار التباطؤ الاقتصادي وتسجيل نسبة نمو اقتصادي ضعيفة جدا بلغت 0,8 في المئة السنة الماضية. وقال ستيفين فريدمان، أستاذ العلوم السياسية بجامعة جوهانسبورغ، إن انتخابات الثامن من ماي ستكشف عن الصورة الحقيقية لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي، خاصة لدى الطبقة الفقيرة، مضيفا أنه من المرتقب أن يحرز الحزب، الذي يطفئ شمعته السابعة بعد المئة، فوزا لن يخفي حالة الأفول الواضحة التي يعيشها. فقد كشفت استطلاعات رأي نشرت مؤخرا، أن حزب المؤتمر الوطني الإفريقي فقد الكثير من شعبيته، كما توقعت بعض الدراسات أن يحصل الحزب الذي اعتاد على الفوز بسهولة خلال الانتخابات السابقة، على أقل من 60 في المئة من الأصوات. وقال فريدمان إن "فوزا مريحا لن يخفي بدوره أفول الحزب"، معتبرا أن هذا التراجع سيتواصل ما بعد انتخابات هذا الأسبوع. وأوضح الباحث أن حزب المؤتمر الوطني الإفريقي يبدو غير قادر على إيجاد حلول للمشاكل الاقتصادية وخلق نمو مندمج للساكنة السوداء المهمشة. وتظل مستويات الفوارق الاجتماعية في البلاد من بين الأعلى في العالم، في الوقت الذي تتركز فيه الثروات بيد أقلية بيضاء تمثل بالكاد 8 في المئة من ساكنة تضم 58 مليون نسمة. من جهته، يرى المحلل دين جونس أنه ينضاف إلى هذه الضغوط ، فضائح الفساد الخطيرة، والحماية التي يستفيد منها أصحاب هذه الممارسات، "كل هذا يجعل حزب المؤتمر الوطني الإفريقي خارج سياق الواقع الجديد لجنوب إفريقيا ". هذا الوضع من شأنه منح فرصة لأحزاب المعارضة لكسب نقاط لصالحها ، ويضع هذه الأحزاب أمام واقع صعب تماما مثل وضع الحزب الحاكم. وأشار المحلل السياسي دانييل سيلك إلى أنه "أمام تراجع أداء حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، لا يجد شعب جنوب إفريقيا بديلا ذا مصداقية حقيقية في المعارضة الحالية ". وهكذا، فإن التحالف الديمقراطي الذي برز ككتلة معارضة رئيسية تمكنت في الانتخابات العامة لعام 2014 من حصد 22 في المائة من الأصوات، يتخبط اليوم في مشاكل داخلية. وأحرز هذا الحزب العريق للأقلية البيضاء تقدما بعد النتائج التي حققها في الانتخابات الجماعية لعام 2016 ، حيث فاز ب 26 في المائة من الأصوات، وتمكن من السيطرة على مدينة جوهانسبورغ وبريتوريا. وهي النتيجة التي تفسح المجال للحزب لتعزيز موقعه، خاصة في صفوف الطبقة الوسطى. لكن يبدو أن المواقف الأخيرة التي اتخذها الحزب بشأن قضايا حساسة مثل الهجرة قد هزت صورته. كما لم يخدم انتخاب رامابوزا على رأس حزب المؤتمر الوطني الإفريقي أجندة التحالف الديمقراطي. وحسب محللين، فإن العديد من الناخبين من الطبقة الوسطى وكذا من الأوساط الاقتصادية الذين كانوا على استعداد لترك حزب المؤتمر الوطني الإفريقي قد يعودون إلى هذا الحزب تحت قيادة رامابوزا، رجل الأعمال والنقابي السابق الذي يحظى بثقة الأوساط الاقتصادية والمالية . وحسب آخر استطلاعات الرأي، يتوقع أن يضاعف حزب "مقاتلون من أجل الحرية الاقتصادية"، التشكيلة الثانية ضمن المعارضة، الذي فاز بنسبة 6 في المائة من الأصوات في انتخابات عام 2014 ، نتيجته في استحقاقات يوم الأربعاء المقبل، مستفيدا من تراجع أداء حزب المؤتمر الوطني الإفريقي. وكالعادة، وبخطاب شعبوي ، ركزت الحملة الانتخابية لحزب "مقاتلون من أجل الحرية الاقتصادية" الذي أنشئ عام 2013 بعد الانفصال عن حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، على تأميم المناجم وإعادة توزيع الأراضي على الفلاحين الفقراء، وهي المواضيع التي تثير جدلا حادا في البلاد. ويعتقد المحللون أنه بإمكان الحزب، بقيادة الشاب جوليوس ماليما، السياسي المعروف بخطاباته القوية، لعب دور "صانع الملوك" في الانتخابات المحلية التي تجرى بالموازاة مع الانتخابات البرلمانية، وذلك على غرار الانتخابات البلدية لعام 2016.