بعد نمو شبه منعدم سنة 2018، أقر وزير المالية في جنوب إفريقيا، تيتو مبوويني، أمس الأربعاء، بأن اقتصاد بلاده مازال يعيش حالة من الاضطراب، مع نمو غير كاف للحد من العجز الاجتماعي الهائل الذي تعاني منه البلاد. وقام وزير المالية خلال تقديمه أمام البرلمان لميزانية حكومته برسم 2019- 2020، بخفض توقعاته للنمو برسم 2019 إلى 1,5 في المئة مقابل توقع أولي نسبته 1,7 في المئة. وقال الوزير إن هذه المراجعة للتوقعات نحو الانخفاض تأتي نتيجة هشاشة سوق التشغيل وضعف الاستثمارات. وتؤكد التوقعات الجديدة المسار السلبي لهذا الاقتصاد، الذي يعد من بين أهم الاقتصادات الصناعية في القارة الإفريقية. ويعيش بلد نيلسون مانديلا منذ الأزمة المالية لسنة 2008 على وقع نمو ضعيف. وهو وضع لا يتماشى بتاتا مع الطموحات التي عبر عنها الرئيس سيريل رامابوزا منذ وصوله إلى السلطة قبل عام للحد من البطالة التي تمس أكثر من 27 في المائة من الساكنة النشطة. كما تثير مظاهر العجز الاجتماعي الأخرى القلق، وبخاصة الفقر الذي يمس نحو نصف عدد السكان المقدر بحوالي 58 مليون نسمة، والفوارق الاجتماعية التي تعد من بين الأسوإ في العالم. وقد فضل وزير المالية نهج الواقعية، مشيرا إلى أن جنوب إفريقيا تظل "اقتصادا صغيرا" وهشا أمام الصدمات الخارجية. وفي هذا السياق، كشف النقاب عن سلسلة من الإجراءات الرامية للحد من الإنفاق العام، بما في ذلك تجميد الأجور وتشجيع الموظفين على المغادرة الطوعية. إجراءات كثيرة ستزيد، حسب المحللين، من سخط النقابات مع قرب موعد الانتخابات العامة المقرر إجراؤها يوم 8 ماي المقبل. ويأتي تقديم ميزانية الحكومة في ظرفية حرجة بالنسبة لجنوب إفريقيا، خاصة مع أزمة مالية غير مسبوقة تؤثر على الشركة الوطنية للكهرباء (اسكوم) وغيرها من الشركات العمومية مثل الفاعل الوطني في مجال النقل الجوي (ساوث افريكان ايرويز). وفي هذا السياق، أعلن الوزير الجنوب إفريقي عن خطة إنقاذ بقيمة 69 مليار راند ، أي حوالي 5 مليارات دولار، لفائدة شركة (إسكوم). وحرص المسؤول على التأكيد أن هذه الخطة، التي سيتم تنفيذها على ثلاث سنوات ، لا تعني مطلقا استئناف خدمة الدين لفائدة الشركة، والذي يرتفع إلى حوالي 30 مليار دولار، مشيرا إلى أن مواصلة ضخ الأموال في (إسكوم) في شكلها الحالي ، يشبه صب الماء في الغربال. وبعد سنوات من سوء التدبير والفساد، استأنفت (اسكوم) مؤخرا عمليات قطع التيار الكهربائي في جميع أنحاء البلاد، مما تسبب بأضرار خطيرة للجهود الرامية إلى إنعاش الاقتصاد. وتنطبق حالة (إسكوم) على غالبية الشركات العمومية في هذا البلد ، الذي يعاني من الفساد. وتساءل الوزير عن جدوى استمرارية هذه الشركات والعبء الذي تمثله بالنسبة لمالية الدولة. وقال إن هذه الشركات تشكل "خطرا جديا " ، داعيا إلى ترك هذه المؤسسات جانبا لتمهيد الطريق أمام عودة النمو. وتتابع وكالات التصنيف الدولية عن كثب التطورات في دولة قوس قزح. وكان رد فعل وكالة "موديز" سريعا على خطاب وزير المالية الجنوب إفريقي ، حيث أعربت عن مخاوفها بشأن الوضع الضريبي في جنوب إفريقيا. وأشارت "موديز"، الوكالة الوحيدة من بين وكالات التصنيف الكبرى الثلاث التي لا تزال تحافظ على التصنيف السيادي لجنوب إفريقيا في مرتبة "ب أ أ 3"، أي بدرجة واحدة أعلى من مستوى المضاربة، إلى أن ميزانية 2019- 2020 "تعكس المرونة الضريبية المحدودة للحكومة في بيئة اقتصادية صعبة". وللإشارة فقد قامت الوكالتان الأخريان : "فيتش راتينغ" و"ستاندارد أند بوورز"، بخفض تصنيف هذا البلد الإفريقي سنة 2017 . وخلال مروره أمام البرلمان، اعترف مبوويني بأن جنوب إفريقيا أجرت مناقشات "صعبة" مع وكالات التصنيف حول تأثير الميزانية على تصنيف البلاد. وحسب مبوويني ، يجب أن يكون التأثير "إيجابيا"، نظرا للتدخلات العملية التي تعتزم الحكومة إجراءها، خاصة لدى شركة الكهرباء. وانتقد التحالف الديمقراطي (أهم تشكيل معارض) ميزانية حكومة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، قائلا إن تأثيرها سيكون "تجميليا" فقط. وصرح موزي نيمان، زعيم التحالف الديمقراطي، بأن جنوب إفريقيا تمر بمرحلة صعبة للغاية، حيث أصبح واضحا أنه "بدلا من اتخاذ إجراءات جريئة وحاسمة ضد (اسكوم)، قمنا بضخ المزيد من الأموال في هذه الشركة"، مشيرا إلى أن جنوب إفريقيا تحتاج إلى خطة من شأنها خلق فرص العمل ، لأن البلاد توجد في وضعية تتطلب "تغييرا جذريا". وحسب المحللين، فإن خارطة الطريق المالية الجديدة لن تكون قادرة على جذب الاستثمارات التي تحتاجها البلاد للخروج من أزمتها".