لاشك أن اليوميات التي يدونها المفكرون والأدباء والشخصيات البارزة تلقي المزيد من الأضواء على كثير من جوانب حياتهم الخاصة وتاريخهم الشخصي،كما تكشف عن عناصر جديدة تساهم في فهم ما استغلق على القارىء من إنتاجا تهم وآرائهم. في هذا الصدد استكمل المؤرخ والمفكر المغربي الدكتور عبد الله العروي هذه السنة(2005) الجزء الثالث والأخير من يومياته التي أطلق عليها اسم: “خواطر الصباح”. يدور الجزء الأول حول الفترة الممتدة من سنة 1967إلىسنة1973، والجزء الثاني يغطي الفترة من 1974إلى 1981، بينما يدور الجزء الثالث حول الفترة مابين 1982إلى1999.
تعيدنا هذه اليوميات إلى أجواء الستينات من القرن الماضي، وفي الفترة التي أصدر فيها العروي أهم أعماله النظرية مثل كتاب:(الإيديولوجية العربية المعاصرة)، ومارافق ذلك من ردود أفعال في الساحة الثقافية والسياسية المغربية، بالإضافة إلى المضايقات وأشكال القمع التي تعرضت لها كتبه في تلك الفترة، من طرف السلطات، حيث كان الرجل يناضل من اجل إيجاد مكان لأفكاره في المغرب المعاصر. لقد كان عبد الله العروي ولازال صاحب مشروع فكري ونقدي دافع عنه باستماتة وتفان، برهنت الأحداث الأخيرة محليا وعالميا على مصداقية خطابه وصلابته التاريخية. مشروع جذري يهدف إلى الحفر في مظاهر التأخر التاريخي والفكري والسياسي والاجتماعي التي تعاني منه أقطار الوطن العربي. إن الخروج من هذا المأزق التاريخي، في نظر الكاتب، يتطلب الالتحاق بركب الحداثة الكونية، كما أن التصالح مع الذات لا يمر إلا عبر ماهو كوني وعالمي، وهذه العملية لاتتم غلا عن طرق استيعاب شامل لمعطيات الحداثة الفكرية والعلمية ومنظومة القيم التي أنجزت في إطار الحضارة الغربية والعمل على إغنائها انطلاقا من التجارب المحلية. إن عبد الله العروي ومنذ كتابه الأساسي: الإيديولوجية العربية المعاصرة، ما ينفك يردد إلى اليوم بأن الفكر العربي لازال سجين إشكالية النهضة والإصلاح كما صاغها رواد هذا الفكر في أواسط القرن التسع عشر وبداية القرن العشرين من خلال السؤال الأساسي: لماذا تأخر العرب وتقدم غيرهم؟ وقد دافع العروي عن أطروحاته التارخانية من خلال مجموع أعماله التي يمكن أن نصنفها على ثلاثة محاور كبرى:
1-المحور الفكري الإيديولوجي: تعكسه مصنفات: أزمة المثقفين العرب، العرب والفكر التاريخي، الايدولوجيا العربية المعاصرة. بالإضافة إلى سلسلة المفاهيم: مفهوم الايديلوجيا، مفهوم الحرية، مفهوم الدولة، مفهوم التاريخ، مفهوم العقل.
2-المحور التاريخي: تمثله مصنفات: مجمل تاريخ المغرب، أصول الحركة الوطنية بالمغرب.
3- المحور الإبداعي: يتمثل في رباعيته السردية: الغربة، اليتيم، الفريق، أوراق، بالإضافة على رواية:غيلة.
إن يوميات: خواطر الصباح تخترق كل هذه المحاور الثلاثة، وتحاول أن تعكس لنا بتفاصيل دقيقة الملابسات والظروف التي صاغ فيه المؤلف مواقفه الفكرية والسياسية، وهذا ما يدفعنا إلى القول بان قراءة هذه اليوميات ينبغي أن تدخل في إطار قراءة المشروع الفكري لعبد الله العروي بكامله، الذي هو برنامج فكري وإيديولوجي يهدف إلى الانخراط في مساءلة الواقع والتاريخ من منظور حداثي تارخاني. تحضر كذلك في هذه اليوميات عدة أسئلة يمكن أن تكون إعلانا لأوراش فكرية تسعى إلى استئناف النظر في قضايا الدولة والمجتمع وفشل المشروع القومي العربي والقضية الفلسطينية، بالإضافة على قضايا أخرى تهم المغرب العربي وأنظمة الحكم والصحراء المغربية.