عن دار الوطن للصحافة والطباعة والنشر بالرباط صدر للكاتب و الصحفي عبد النبي الشراط ” عقبات وأشواك” . وهو منجز أدبي في 88 صفحة من الحجم الصغير من تصميم هند الساعدي يتخذ منحى السيرة الروائية حيث اعتمد الكاتب في استقصاء إشراقات الماضي وانتكاسات الذات في علاقتها بالمحيط من حولها في الفترة ما بين 1980 و1985 على الذاكرة حيث لا شيء كان يدون في حينه لأسباب يفصل فيها الكاتب ذاته ، ويكشف عنها الزمن الروائي للوقائع والأحداث انطلاقا من بداية النهاية- لقاء- خطوبة غير رسمية- تحضيرات-عاصفة جديدة- إلى الجنة- رسائل من وإلى السجن- ماذاجرى- إلى المجهول- الخروج من القفص- معركة جديدة- واقعة لا تنسى- رحلة جديدة- محاولة نصب واحتيال- نهاية البداية أو الربيع الحزين. في مقدمة بقلم الصحفي الأديب والإعلامي محمد أديب السلاوي نقرأ هذه المذكرات الروائية بقلم آخر يجنح إلى ” السيرة” ويقود صاحبه إلى زمرة هذا الأدبي دون استئذان.نتعرف عبد النبي الشراط، خلال العقدين الماضيين، كصحفي/ كاتب / مشاغب / مشاكس، خاض / يخوض في قضايا دينية وفكرية وسياسية واجتماعية ساخنة، ولكنه هنا يفاجئنا بنص مغاير، ينتمي لأدب السيرة، يتخطى الأدوات التي اشتغل عليها منذ بداياته المهنية وحتى الآن، ليطرح أمامنا صيغة أخرى من التواصل الهادئ يرتبط بالإبداع والتأمل، لا علاقة له بالصيغ التي عودنا عليها في مسيرته الإعلامية الأخرى”. لكن الكاتب بالرغم من الانكسارات والمآسي المتكررة التي عاشها والإحباطات والتوجسات التي رافقت حياته منذ السنوات الأولى للميلاد ، ورغم التحديات التي واجهها بالصراخ الصامت فقد فضل دائما ألا يقول شيئا مما جرى ” لذلك ، لا يعتقد عبد النبي الشراط أنه قدم شيئا للوطن لأن هذا الوطن يستحق أكثر مما قدم له. فالوطن في نظر الكاتب يبقى دائما مدينا لنا بالكثير حيث لا يجد أجمل مما كتبه الشاعر الوجداني أحمد شوقي إذ قال في حق الوطن : وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني في الخلد إليه نفسي وعبد النبي الشراط لا يتفق مع من قال: بلادي وإن جارت علي عزيزة ” لأن البلاد التي هي الوطن في رأيه لا تجور ولا تعتدي على أحد أو تظلمه، بل الذين يظلمون ويعتدون على الآخرين هم أناس من طينتنا ومن جنسنا ، هم بشر مثلنا وصلوا أو أوصلوا إلى مراكز القرار والسلطة فأضحوا مثل الثعابين لا تبقى أمامها ولا تذر شيئا إلا التهمته أو مزقته”. وبرأي السلاوي فإن الكاتب يتبنى في هذه السيرة، كغالبية الروائيين العرب، تقنية الراوي، يخول له منذ البداية وظيفة إرسال الخطاب، وحكي الأحداث والواقع التي طبعت حياة صاحبها. حيث يكشف في المشاهد المتتالية خصوصياته، إنتسابه إلى هويته التي تحددها مرجعيته الإسلامية، وفي مرة ثانية يكشف عن رؤيته إلى الحب والمرأة والوجدان الروحي. وهو ما يجعل السارد / الراوي يتحمل مكانة متميزة على مساحة هذا النص”. فنراه يتحدث بكل الأصوات، يتحكم في أدوارها، في مرجعيتها الزمنية والمكانية، يروي بضمير المتكلم عن هواجسها وتطلعاتها. فهو شاهد على الأحداث يرصد الوقائع الحكائية، وينقل أفعال الشخصيات ومظاهرها وحركتها، بانسيابية تامة”. في مكان ما وزمن قريب، يكشف الكاتب أن العديد من الأصدقاء سواء الذين سمعوا شيئا من هذه الصراخات أو عاشوا معه بعض جزئياتها ،أو أولئك الذين سمعوا أو قرأوا عنها أبدوا إلحاحهم الشديد على كتابة مذكرات تتضمن أحداثا ووقائع عاشها أو تعايشت معه ورافقته طيلة هذه السنين من العمر الذي يبدو الآن في خريفه. وتستند قناعات الكاتب في تدوينه للوقائع على شكل سيرة لأن الكثيرين من الذين جاءوا للحياة مجددا بحسب رأيه لا يعرفون شيئا مما جرى للذين سبقوهم في هذه الحياة إلا ما يقرأون عنهم أو يسمعون ، لكن ليس من سمع كمن رأى.لذلك وجب التنوير . فالذين تربعوا على السلطة في الزمن الذي عاشه الكاتب ومعاصروه ، كانوا قد أعدوا ” مع رفع الهمزة وكسر العين “سلفا لممارسة هذه السلطة بكل القسوة والقهر. والذين كانوا يتكلمون أو يحاولون الكلام ، كانت لهم هذه السلطة بالمرصاد. كانت السلطة تمارس هيبتها وسطوتها وبطشها بلا رحمة، وإذا تحدثت السلطة يجب على الآخرين أن يلتزموا الصمت”. وخارج مركزية الراوي في هذا النص، يرى السلاوي أن “عقبات وأشواك كسيرة ذاتية تعلن للقارئ منذ البداية أن بطلها عمر، شاب ينتمي لقرية مهمشة، ولكنه فقيه، مطلع، واع، متابع لأحداث التغيرات، خطيب جمعة في مسجد قريته، يحظى بقبول مجتمعه، وهو ما يشكل أحد مكونات النسيج الثقافي الذي يتغدى من شموليته ومن عناصره المتداخلة مع الصراعات السياسية التي تجعل منها هذه السيرة موضوعها الأساس. لذلك، ينتمي النص عقبات واشواك ، إلى جنس المحكي الذاتي، لجيل من شباب القرى المهمشة ،جيل ولد بساحة مثقلة بماض واعد وحاضر كاذب، وأمل منفلت فاستقطبت تيمته المحورية، حالات الغضب وحالات التأمل، وحالات التيه، التي انتابت هذا الجيل في جنبات المدن و القرى المهمشة، كما في المعتقلات، والفضاءات الدينية والسياسية والاجتماعية المضطربة، وهو ما جعل المحكي الذاتي في هذا النص، يتحول من مشهد إلى آخر، إلى عملية تأريخ للأحداث والعلاقات والخبرات لكاتب هذه السيرة، وبطلها الأوحد”. ويخلص قارئ السيرة إلى الحياة حينها كانت تمارس بإيقاع موغل في العنف والاستبداد ، السلطة وحدها هي التي من حقها أن تفعل ما تريد ، السلطة بكل أجناسها وأشكالها أنواعها وفرقها والوانها المتعددة ... لكنه سرعان ما يستحضر المستقبل بإشراقاته وتحولاته الإقليمية والدولية فيهمس بحذر ، الآن لم تعد هذه السلطة كما كانت، لقد تغيرت الكثير من المفاهيم ، والذين كانوا لا يستطيعون الحديث إلا إذا أغلقوا الأبواب والنوافذ وشقوق الجدران بات اليوم بإمكانهم أن يعبروا عن آرائهم ويبشرون بأفكارهم جهارا نهارا ..لا خوف من السلطة اليوم ، بالرغم مما يقال عنها قياسا مع ما مضى من تاريخها ” المجيد”. فالسيرة على هذا المستوى من البناء من وجهة نظر أديب السلاوي تتميز بحركة دائرية، تعطي لبؤرة الرد فاعليتها وخصوصيتها، تنطلق من عمر، الذي يعذبه وعيه في منفى الذات، إلى حبيبته الفتاة التي ساقتها الأقدار إلى طريقه بالصدفة لتعود إليها الحركية من جديد دون أن يتحقق حلم أي منهما، إنها حلقة دائرية بعيدة عن الحقيقة، قريبة من العبثية، يتساوى فيها الزمان بالمكان / الأمكنة الشخوص / الأشياء بالموجودات، بشكل يترابط فيه الماضي والحاضر بالمستقبل والكل يترابط بالإكراهات المحكومة بمنطق التيه”. وقد ركزت حركية هذا النص، على رصد حالات عمر النفسية في انزعاجها، قلقها، وسكونها، في تأملاتها وأحزانها وألفتها، وعلى حالات اليقظة الدائمة بمخاطر المجهول الذي يتهددها ليل نهار، كما استنبطن أغوارها وفق تبدل الأمكنة في المدن والقرى والمخافر والسجون والمعتقلات، وجعلت من الحوار الصادق بين عمر وبهية بين عمر والمطلق، بوابة للإمساك على مكونات الذات وهواجسها المتناثرة. وتستشرف المقدمة وعي الكاتب من خلال هذا النص، فترى له بعين ضاربة في الامل فهو لا يزيد عن كونه مدخلا أساسيا لسيرة واسعة للكاتب ننتظر ظهورها في مستقبل الأيام، فإن ما تم تدوينه منها حتى الآن ، يعطينا إشارة واضحة عن القيم والمرتكزات التي سيتكئ عليها النص، يلخلصها أديب في ثلاثة: إن النضال السياسي، والقبول بإكراهاته التي تصل حد الألم المبرح أحيانا، لا يعني إطلاقا التخلي عن الحب وقيمه الجميلة، فبطل هذه السيرة يعيش بالحب، ويتنفس من هوائه داخل السجون والمنافي وفي فضاءات التحقيقات البوليسية، إذ يجعل علاقة الحب بينه وبين محبوبته (بهية) تتخطى كل العوائق التي كانت تقف أمامه، وأهمها عوائق السياسة التي انخرط في محرقتها، انطلاقا من هويته الدينية، ومن قيمه الوطنية.إن الحب كقيمة نبيلة يظل في الظروف الاجتماعية المهتزة التي عاشها بطل السيرة، هو الضحية الأول للظلم والجهل والتعصب والرجعية والتقليد والكبت الذي ينهك المجتمع والسياسة والقيم النبيلة. إن الحب بقيمه النبيلة، وجماليات مشاعره، وبدوره في صقل التربية الروحية للمحبين، لا يختلف عن النضال من أجل الحرية والانعتاق فكلاهما وجهان لعملة واحدة. بقيت إشارة أخيرة، لابد من الإفصاح عنها في التقديم الذي أعده السلاوي وهي، أن اللغة الروائية لكاتبنا عبد النبي الشراط، مازالت تترابط بقوة بلغة الصحافة، بالصورة المجازية التي تسمي الأشياء بأسمائها، والأماكن بأوصافها لتجعل منها لغة سهلة، طبعة بعيدة عن التعقيد وعن الترميز الشعري، وذلك بهدف أكيد – بلاشك- وهو جعل هذه السيرة، في متناول كل فئات القراء دون تمييز، وهي قيمة تحسبها في هذه المرحلة من حياة الكاتب الأدبية، نحسبها له لا عليه. هنا تحديدا يعترف الكاتب أن لا علاقة له بالصياغات الأدبية أو الروائية ، لذلك لم يتوقع أحد من أصدقاءه الذين كانوا يلحون عليه بكتابة شيء ما أن تأتي هذه المذكرات على هذا الشكل وبهذه الصيغة الروائية بل كانوا يتوقعون أن تأتي بصيغتها المباشرة.. فطيلة ثلاثة عقود من الكتابة في صحف ومجلات داخل الوطن وخارجه لم يتعود عبد النبي الشراط ان يكتب شيئا إسمه الأدب أو الشعر أو الرواية ويعترف انه بالرغم من هذه المحاولة لم يتخلص من اسلوبه العنيف في سرد الاحداث والوقائع معتبرا التجربة هي مجرد تقمص دون إشعار المتخصصين من اهل المجال. بدأت القصة عام 1980 ، كان عمر في العشرينيات من عمره وكانت بهية تصغره سنا حينما أحس أن كل منهما يحتاج للآخر، وبعد أن تأكد عمر من أنه لو إقترح عليها حبه لن ترفض، خاصة وقد لمس ذلك في رسائلها المتعددة، وحينما شعر بأن قلبه اتجه إليها بعنف، كتب لها ذات مرة بأدب ممزوج بالحياء والتردد يشرح لها عواطفه اتجاهها بطريقته الخاصة، حيث كان يستطيع أن يمرر أفكاره وكل ما يريد قوله بطريقة غير مباشر، ولكنه كان يثق في خطط أسلوبه وتفكيره إلى حد الغرور، لكنها كانت أشجع منه وأبلغ في التعبير والتصوير... لقد كتبت إليه رسالة مطولة تبثه فيها حبها وتعلقها به، وأفضت إليه في رسالتها أنها كانت على وشك أن تصرح له بحبها الدفين، استراح عمر، ونزلت عباراتها بردا وسلاما على قلبه الذي لم يخطئ الاتجاه. كان عمر يصارع على جبهات متعددة، كان يحلم بأن يصبح كاتبا مرموقا وأن يكون نفسه فكريا وعقديا حتى يستطيع أن يتحرر من قيود التخلف التي كانت تهدد مستقبله. تخلت عنه العائلة في سن مبكرة، فتحدى هذه العقبة الأولى ولم ييأس أبدا، فإلى جانب تعلمه كان يشتغل في أي عمل مهما كان وضيعا حتى يضمن مصروفه اليومي وتكاليف الدراسة وإيجار المسكن . كانت بهية قد اطلعت على تفاصيل حياته منذ صباه وكبرت فيه نشاطه وتحديه للحياة... وكانت كلما قص عليها قصة من قصصه الغريبة ازدادت تعلقا وتمسكا بشخصه. وقالت بأنها لاتنبهر برجل غني بالمال بقدر ما ترغب في زوج مثقف يؤمن بالله ويرعى حرماته، إضافة إلى إيمانه بالتغيير والعمل من أجل بناء مجتمع إسلامي متكامل وعادل. وهكذا ظلت بهية تركن إلى عمر في كل الشدائد العائلية الشخصية بالإضافة إلى رضاها التام عن وضعه المادي والاجتماعي، بل كانت فخورة به لأنه اعتمد على نفسه في تكوينه الفكري وتحصيله العلمي، وعلى مدى أكثر من عامين كانت الرسائل البريدية هي وسيلتهما الوحيدة لبث الشاعر، وتبادل المعلومات والأفكار وخلال هذه الفترة كانت والدتها وأخواتها على علم بهذه العلاقة الخاصة جدا، ولم تمانع “الوالدة” في مواصله مشوار ابنتها مع من أحبته من كل أعماقها.” لكن ماحدث ذات إثنين الموالي للجمعة وتحديدا في تمام الساعة الثالثة صباحا ، أيقظوا عمر من منامه دون أن يكون قد أخبر بذلك، كانت في انتظاره سيارة ، امتطى عمر مقعدا خلفيا رفقة احد افراد القوات المساعدة الذي كان مسلحا برشاش اوتوماتيكي..كان مرافقوا عمر في هذه الرحلة يعتقدون انهم لم يتمكنوا من ايصاله للعاصمة..كانوا يخشون أن تأتي قوة خفية وتخطفه من بين ايديهم لدرجة ان عمر أراد ان يقضي حاجته في وقت ما فحدث تردد في تلبية طلبه وان الصدفة هي من فرضت عليه ان يطلب ذلك في طريق تحيط بها غابات من الاشجار فتوجس مرافقوه خيفة لكن عمر منحهم اختيارين لا ثالث لهما اما ان يتوقفوا ...وإما أن يقضيها داخل السيارة..وافقوا على مضض بعد ان اتفقوا على خطة تقضي بإحباط أي محاولة فرار يكون قد خطط لها عمر....كان عمر في الحقيقة هو من يشعر بالحرية بين هؤلاء المساكين المرعوبين من لا شيئ وذاك هو مفرق الطريق بين الذين يعشقون الحرية وبين الذين يحاربونها..” عبد النبي الشراط كاتب صحافي - من مواليد 15 ماي 1960 بقبيلة بني زروال( شمال المغرب) - حفظ القرآن الكريم في التاسعة من عمره - تابع دراسته بعدد من المعاهد الدينية - عمل إماما وخطيبا للجمعة وواعظا بعدد من المساجد - اشتغل في حقل الدعوة الإسلامية في سن الشباب - نشرت له العديد من المقالات والتحقيقات الصحفية بعدد من الصحف والمجلات المغربية والعربية وفي المهجر. - عمل مراسلا لعدد من الصحف العربية في السعودية والأردن والعراق وباريس ولندن