مهما اختلفت الأسباب والمبررات، أضحت إشكالية الجذب والغضب القائمة بين الإعلام المستقل ومؤسسات الدولة وبصفة خاصة المؤسسة البرلمانية، تستدعي ضرورة تسريع وتيرة الرغبة المشتركة في إيجاد صيغة مبنية على التوافق والتراضي - كما يحلو للبعض تسميتها بذلك - لحل عقدة الأنانية والذاتية المسيطرة على الوضع، والتي تعمل بعض الأطراف على تأجيجها، دون الأخذ بعين الاعتبار، مدى تأثير سلبيات تفاقم الصراع على سلوك القارئ ومجريات تطور المسلسل الديمقراطي ببلادنا. ومعلوم أن المؤسسة التشريعية تتكون من منتخبين يمثلون الأحزاب السياسية على اختلاف الأطياف، وهذا ما عمق أزمة الصراع بين الإعلام المستقل الذي وجد في العمل التشريعي مادة دسمة لإغراء القراء، والمؤسسات الحزبية التي نصبت نفسها بقوة الحق والقانون للدفاع عن نوابها ومن خلالهم حرمة قبة البرلمان. فقد زادت شجاعة وجرأة الأحزاب السياسية في اتخاذ آلية من آليات الدفاع عن الحق ودحض الباطل، من شهية الإعلام المستقل وعلى الخصوص الصحافة المكتوبة، للتحامل أكثر على رموز القيادات الحزبية، كرد فعل تكتيكي لتكبيل الأيادي وتكميم الأفواه. ومعلوم أيضا، أن حرية الرأي والتعبير التي تركب الصحافة المستقلة المكتوبة زورقها، وترتدي من أزيائها آخر صيحة في الموضة الديمقراطية، لم تنزل من السماء كقطرة ماء شقت بسيطة هذا الكيان الإعلامي الجديد، وخلقت حبة الحرية بمفهومها الواسع، بل هذا الانفراج في مجال الحريات العامة، هو نتاج نضال الأحزاب الوطنية العريقة. فمن رحم الإعلام الحزبي الذي تحمل العنت وتكبد الخسائر للتواصل مع فئات واسعة من المواطنين، خرج الإعلام المستقل بولادة قيصرية أملتها ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية، لاستكمال الرسالة النبيلة والموضوعية الهادفة إلى ترسيخ جذور إعلام مستقل وحر ونزيه. ومهما تنوعت التوجهات والأهداف، فالمبدأ الأساسي في توسيع دائرة الحرية في الرأي والتعبير، هو رفع التحدي وكسب رهان المستقبل من أجل التجاوب والتناغم مع متطلبات مجتمع إعلامي ديمقراطي و متضامن، يرقى إلى مستوى طموحات كل مكونات المجتمع المغربي. لا نخفي، أن الحضور القوي والمتنوع والجاد للصحافة الحرة والمستقلة في المشهد الإعلامي، ساهم من جانبه في تطور المشهد السياسي، وعبر عن انخراطه في المرحلة الانتقالية التي يمر منها المغرب في عهد جلالة الملك محمد السادس. ومع كل ما تحقق في هذا القطاع الواعد والطموح، هناك شعور متنامي لدى العام والخاص، بما تحفل به الساحة الإعلامية من مشاهد سخرية ومقالات كاريكاتورية تستهدف الأشخاص وتمس الأعراض وتهين المؤسسات سواء لإرضاء نزوات ذاتية أو للسباق نحو تحقيق الأرقام في المبيعات والأرباح، هذا الوضع المفعم بالإغراءات والنزوات، ترتب عنه نقاش وحوار حاد، تسبب أحيانا في تعثر التطور الحاصل في القطاع، والعودة به إلى نقطة الصفر. إن الحوار الهادئ والإيجابي الذي يروم إلى بلورة رؤية مشتركة متوافق عليها، لا يستقيم إلا إذا توفرت الإرادة لدى الجميع، للانخراط بطواعية في المشروع الديمقراطي الحداثي الذي ينشده الجميع. هذا الحوار ستنتج عنه لا محالة نتائج إيجابية، نتائج تضمن حماية حق المغاربة في إعلام صادق وموضوعي ونزيه وتحقق رغبة الإعلاميين في تقنين المشهد الإعلامي، وتمتعه بالحرية المقيدة بقوة القانون، والحق في الوصول إلى الخبر والتحري والتقصي في مصداقيته دون خدش مشاعر أي أحد أوجهة معينة.