--------- في أحد الدواوير المنسية النائي عن حضارة المدينة جاءها المخاض دون موعد صباحا على ضفاف الموقد تتأهب المسكينة لإشعال نار الإفطار غير مدركة أن شعلتها سَتُخمد ولن توقد نارا إلى الأبد سقط الوليد على تراب كانت نيران الحطب تركت آثارها رمادا بعد خروج حاشية " قيصريوليو" من تاريخ السنة المعطاء المبلل بقطرات اللبن حيث "مَلِكَة " الرماد تحتضر أُعْلِنَ عن فَسْخ الروح من الجسد زغردات الحُزن المُتَحَشْرِجَة انْبعَثتْ تِباعا من كل مكان ... تُرَوِّعُ بلاغة اللسان ... لِفتح طريق النجدة نحو الشفاه المرتوية... بالدموع الهاربة من الذعر عويل صراخ الألم يرافق صَخَبَ نحيب النساء ... يَشُقان عِنان الأجواء... جَلبَتْ النفوس الحائرة الفضول يبحث عن الحقيقة الذهول يواري هول المصيبة والساقية المليئة بالوحل توقفت عن السيلان "منبع الدوار"يبكى بدموع متقطعة ولم يضرب عن العطاء ليمنح الحياة للحلقوم الجريح من هول الصدمة والصياح لكل قادم للعزاء أو رائح... بعد الظهيرة المُكْفَهِرَّ ة غادر موكب "المَلِكَة" الديار العتيقة المُهْتَرِئة النعش مَحْمُولاً على الأكتاف يلفه التكبير والتهليل في اتجاه المجهول ... حيث المقبرة المُسَيَّجَة بالصبار للضيف كل يوم في الإنتظار بعد إغماد الكفن في الحفرة تفرقت الجموع في حسرة انتشر الحزن عودة ً إلى الديار مُطَأْطِأًً الرأس ،مُقطِّبا الجبين عَبَسَ شَفقُ الغُروب لاذ الضوء بالهروب توارت الشمس خلف الهضاب ملفوفة برداء نَعْيِ الموتى عادت الوجوه الحزينة في المساء إلى موقع الجريمة... كُلٌّ يَصِفها كما يحْلُو لَه بترياق رنين كؤوس الشاي أو فناجين القهوة السوداء في انتظار وجبة العشاء على شرف أحزان العشيرة والملائكة تحرس اليتيم الصبي جاثم في سكون على ركبتي الجدة بزاوية في منأى عن الأبصار يُصغي إلى نعي ثدي أمه في ترانيمِ تِلاوةٍ قُرآنية وصيّاح الدّ ِيَكَة المتتالية ثم أقبل الفجر يزحف على أوتار الآذان... عن البكاء يتعفف ِلحُضور َوقتِ الصلاة ... كانت آخرُ فصول العَزاء بِبُزُوغ أشعَّةِ الشمس الباهتة تفرقت الأحزان والآلام على خُوَار الأبقار وثُغَاءِ صِغارَ الحَمَل ترانيمَ الصَّبْرِ والأمَل ُدعاءً للضيف المُصْطحِبِ "للقدسية " مَعه طيْفا ليحمل على أجنحة القَدَرِ أمَّه بقي اليتيم في حضرة هؤلاء جاهلا أنه سُرق مِنه أغْلى ما عِنده وأنَّ المولى سَيتولاه، إلى ما شاء الله ... -------