نحيب، عويل، مقل دامعة، ورؤوس مُطَأطَأة حزنا للمصاب الجلل عقب الإعلان عن الخبر غير السار الذي جاء مخالفا للآمال والانتظارات، وكان عكس كل الابتهالات التي كانت تأمل في أن يعود «محمد الشيهب» إلى حضن والدته، زوجته وفلذتي كبده! فقبل أن تشرق شمس صباح الجمعة الفارط 25 أكتوبر 2013، وحوالي الساعة السادسة وعشر دقائق، أعلن عن وفاة مفتش الشرطة الممتاز الذي كان يشتغل بفرقة محاربة المخدرات بفرقة الشرطة القضائية لأمن عين الشق بالدارالبيضاء، بالجناح 33 حيث كان يرقد على سرير بقسم العناية المركزة بالمركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد. الراحل الذي نقل إلى المستشفى يوم الاثنين 21 أكتوبر الجاري بعد تعرضه لصعقة كهربائية أثناء مزاولته لمهامه، إثر تعقبه أحد المبحوث عنهم في مجال ترويج المخدرات، بغية وضع حد لنشاطه الإجرامي ولممارساته التخريبية التي تطال عقول وأجسام الضحايا من مختلف الأعمار، وبينما هو يطارده إلى جانب زملائه الذين أحكموا الخناق على المروج وسدوا كل المنافذ في وجهه، عبر أسطح البنايات العشوائية بمنطقة المكانسة، وتحديدا بالبلوك 5، أسقطته صعقة كهربائية عالية التردد منبعثة من الأعمدة الكهربائية المنتشرة في المنطقة أرضا، متسببة في اندلاع النيران بملابسه وإصابة جسمه بحروق، وذلك حين استل أصفاده قصد استعمالها في تصفيد المروج الفار. توفي شهيد الواجب، وتوقفت مع نبضات قلبه التي انقطعت عن الخفقان، آمال كل فرد من أفراد أسرته في أن يتطلع إلى محياه ويتفرس في قسماته من جديد، فالكل مكلوم غير قادر على الاستفاقة من هول الصدمة، ذاك ما عاينته «الاتحاد الاشتراكي» وهي تزور بيت أسرة الشهيد محمد الشيهب، والتي كانت والدته الحاجة السعدية تذرف الدموع تلو الدموع، غير مصدقة لما وقع، وهي ترثي ابنها، معزية نفسها بكونه مات شهيدا للواجب، مطاردا لتجار السموم الذين «يخربون عقول ولاد الشعب»، وفقا لتصريحها، مستحضرة للحظات أيامه الأخيرة بالمستشفى وتلك الفترات العصيبة التي لم يكن لهم من سند فيها سوى زملائه في العمل «رشيد مرحوم مصطفى»، وهو السند الذي كان ماديا ومعنويا، الذين تكلفوا باقتناء الأدوية له، والتي بلغت 15 علبة دواء، سعر الواحدة منها 1250 درهما، وعملوا على محاولة التخفيف من حزن أفراد الأسرة، محفزينهم على الصبر في انتظار استفاقته وعودته إليهم، لكن القضاء كانت له مشيئة أخرى غير مشيئة الأهل والزملاء والمعارف. ليست الأم «الحاجة السعدية» وحدها التي حرمت من ابنها، بل كذلك الأب «ابا المحجوب» المتقاعد الذي يبلغ من العمر 72 سنة، الذي فقد بدوره فلذة كبده الذي كان يطل عليه صباح مساء، والذي أصبح محروما من هذه الإطلالة، ثم الزوجة وهي «ربة بيت» التي أضحت أرملة، بالإضافة إلى كل من رجاء التي تبلغ من العمر سنتين، وإلياس الذي يكبرها بسنتين اثنتين، اللذين أصبحا يتيمي الأب، محرومين من أبوته، حنانه، عطفه، من ابتسامته، ومن مواكبته ليومياتهما بكافة تفاصيلها، وحده حضن الزوجة والجد والجدة الذي سيتكئون عليه، عله يعوضهما ما حرما منه صغيرين لايستوعبان مرارة اللحظة، وهما يعاينان الجميع يبكي، وجموع المعزين تدخل إلى المنزل حيث يعيشان مع جديهما، بحي المسعودية بمقاطعة سيدي عثمان، لكون أسرتهما الصغيرة تعيش مع جديهما ، فهما لايتوفران على سكن آخر لهما. هذا ووُوري ظهر يوم الجمعة الماضية بمقبرة الغفران جثمان شهيد الواجب الثرى، بحضور والي الأمن، ورؤساء المناطق الأمنية، ومصالح الفرق القضائية على صعيد الولاية، حيث ودّعه رفقاؤه بسلك الشرطة ومعهم عدد غفير من المواطنين، وفي نفس اليوم وحوالي الساعة السادسة مساء قام المدير العام للأمن الوطني بزيارة منزل الشهيد لتعزية العائلة، وهي الخطوات التضامنية التي كان لها بالغ الأثر في نفوس الجميع، والتي تمنى معها عدد من المتتبعين أن تترجم إلى أفعال تضامنية من أجل تحصين أسرة الشرطي الراحل اجتماعيا، حتى تظل لحظة وداعه بمأساويتها وآلامها ، هي بمثابة «وسام فخر وشرف» نظير تضحياته، لا لحظة للانكسار والتهميش والضياع.