بات من الجلي كون الاقتصاد المغربي ما يزال رهينا بالهواجس السياسية والتي هي في واقع الأمر هواجس على مقاس فعالياتها والتي تبرهن أنها لم تستفد من الماضي ولا زال يطيب لها الغوص في جدليات لا يمكن وصفها بالسياسية بقدر ما يمكن نعتها باللغو السياسي بدليل عدم غياب برنامج اقتصادي واجتماعي تعمل الحكومة على تفعيله وتعمل المعارضة على انتقاده أو مباركة ما تراه منسجما وتنمية الاقتصاد الوطني مما جعل رئيس الحكومة يعلن صراحة بكون حكومته ما هي إلا حكومة " تصريف أعمال " ! ليس إلا. ولكن عن أيتها أعمال يتحدث السيد بنكيران ؟ وما طبيعتها ؟ ولفائدة من ؟ ومن يقوم بتدبيرها ؟ ومن وجبت بالتالي محاسبته؟ في زمن بهتت فيه منذ سنة ونصف وعود بنكيران وانجلت وبات ميقات إنجازها في عداد المبني للمجهول. 1- الإشكالية الأزلية بين الاقتصادي والسياسي في المغرب
كثيرا ما يؤكد البعض عن الانفصال بين مجالي الاقتصاد والسياسة إلا أن هذا الزعم هو مجانب للصواب لكون اقتصاد بلد معين هو باختصار واضح ثرواتها والتي يقيسها البعض بالناتج الداخلي الخام لتشكل السياسة الفعاليات المؤهلة ديمقراطيا عبر صناديق الاقتراع لتحديد نمط استغلال هذه الثروة وفق اللون السياسي الذي يميز هذه الفعاليات لتكون النتيجة إما حسن تدبيرها أو حسن تبذيرها. ونتيجة التدبير هي من بين العوامل المحددة لمآل السلم الاجتماعي. وعليه يبدو من الهين تفسير الورطة المتعددة الجوانب لحكومة بنكيران التي جعلت الاقتصاد المغربي رهينة لهذه الورطة وطرق تجاوزها حاليا ومستقبليا. سيكون من العبث أن يصرح رئيس الحكومة بكونه، أي عندما أهل لرئاسة حكومة تدبير الشأن العام، تفاجأ لحدة المشاكل التي تعاني منها شريحة عريضة من المجتمع المغربي و صعوبة معالجة هذه المشاكل. ربما كان السيد رئيس الحكومة مقيما في دولة أخرى غير هذا البلد لمفاجأته هاته. هراء في هراء. لكون المواطن المغربي لا يزال على بينة بما كان يصرح به قصد تمويه الناخب المغربي وتكريس الاعتراف بحزبه من طرف مكونات المشهد السياسي المغربي وتأكيده على كون تدبير حزبه للشأن العام في ظل دستور 2011 سيتمكن من تقويم وضعية الاقتصاد الوطني وتحسين المستوى المعيشي للمواطن المغربي من خلال تسطيره لبرنامج اقتصادي واجتماعي "خرافي" لم يسلم من الانتقادات ولم يسلم من التغييرات حتى تحول من برنامج اقتصادي واجتماعي تنموي إلى مجرد "تصريف أعمال" ! وبالتالي فبرنامج حزب بنكيران كان ذو بعد سياسي في غياب أي هاجس اقتصادي أو اجتماعي.
وبالتالي فالتمكن من اختراق المشهد السياسي المغربي كان أول وآخر مبتغى لذا ثلة ممن استثمروا الدين عوجا لبلوغ السلطة وما هي بسلطة لكون مفهوم السلطة الذي يبغونها هي السلطوية الشمولية والأحادية في التفكير والفعل قد ولت ليس فقط بفضل مقتضيات الدستور الجديد لكونه هو أيضا كان نتاج تغير ونمو في فكر المجتمع المغربي والحراك السياسي الاقليمي. لن يخفى على السيد بنكيران كون ترأسه للحكومة المغربية بدون أغلبية حزبية لن يمكنه من تفعيل ما كان وما يزال مستشاره الاقتصادي (الناطق الرسمي باسم الحكومة) يفتي به عليه ولكنه فضل المغامرة السياسية وترسيخ أسس الحزب على حساب ما هو اقتصادي واجتماعي وخصوصا الهموم المعيشية للمواطن المغربي. فالخطأ الذي يجني اليوم ثماره المواطن المغربي هو الخلط لذا بنكيران بين ترأس الحكومة والشمولية في الحكم الأمر الذي أدى بحكومته بداية بالتناقض في التصريحات مرورا عبر المد والجزر بخصوص الإجراءات المختلفة المزمع اتخاذها نهاية بتشردم الفعاليات الحكومية وانتهاء بالخروج المتأرجح لأحد ركائز الأغلبية الحكومية حزب الاستقلال لينجم عن هذا شبه شلل إن على مستوى الجهاز التنفيذي أو الجهاز التشريعي ليبقى التساؤل حول مآل تدبير الاقتصاد الوطني. وهذا ما نبه إليه مؤخرا صندوق النقد الدولي محذرا من انهيار الاقتصاد الوطني إثر الأزمة السياسية التي تميز المشهد السياسي المغربي. مع العلم أنه عندما تكون ثمة أزمة سياسية فهي تترجم إلى أزمة تدبيريه لاقتصاد البلاد لتتلوها، إذا لم يتم تدارك الموقف السياسي، إلى أزمة اجتماعية للارتباط الوطيد بين السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
2- الانعكاسات على المجال الاقتصادي
فإذا كانا هناك خطأين استراتيجيين ارتكبهما حزب العدالة والتنمية في المجال السياسي، ففي المجال الاقتصادي كان أول خطأ استراتيجي ارتكبه الحزب فيه وذلك لفقدانه للأطر ذات التجربة في تدبير الشأن العام، مع عدم القبول بوجهة نظر الاقتصاديين سواء منهم المواكبين للحزب دون انتماء أو حتى أولئك المستقلين الأكاديميين المتتبعين الملمين بمختلف التجارب الاقتصادية التي عايشها البلد، حين أعد برنامجا اقتصاديا لم يتميز بالانسجام بين ما المصاريف والمداخل أو بمعنى أدق كان هناك خلط بين ما هو اقتصادي قطاعي محض وما يصطلح عليه بالآفات الكبرى التي تعرقل السير القويم للاقتصاد الوطني. لم يكن ببرنامج بقدر ما كان مزيجا بين عناوين - شعارات الحراك الشعبي كالكرامة والعدالة ومحاربة الفساد والعيش الكريم وتكافؤ الفرص (...) وبين مستلزمات الرقي بالاقتصاد الوطني على سبيل المشاريع المهيكلة والبنيات التحتية وتنمية الفلاحة والصناعة والتعليم والخدمات (...) وبالتالي وجد المحلل الاقتصادي نفسه أمام شبه برنامج مبهم إذ كيف يمكنه أن يميز بين تقييم ما يلزم لإنجاز "شعارات" وما يلزم لإنجاز ما له علاقة فعلية بما هو اقتصادي حيث يسهل التساؤل حول قدرة البلد على تعبئة ما يلزم تمويله. 2-1: عجز في تعبئة الموارد المالية من الأكيد أن اقتصاديو حزب بنكيران قد راهنوا قصد تعبئة ما يلزمه من موارد مالية على فرض ضريبة على الثروة، الرفع من الضريبة على الأجور المبالغ فيها بالنظر لبلد لم يعد احتياطه من العملة الصعبة يغطي ثلاثة أو أربعة أشهر، القضاء على التملص الضريبي، محاولة توسيع الوعاء الضريبي (...) وغيرها من قنوات تعزيز موارد الخزينة العامة والتي يبقى بين تسطيرها وتفعيلها قصد تنشبط الاقتصاد الوطني مساحة حبلى بالشروط يستحيل والحالة هاته توفيرها. إلا أن طبيعة مصادر تعبئة هذه الموارد المالية تشكل نفسها أوراش عمل وتشاور بين مختلف الحساسيات المعنية قصد إيجاد السبيل الأنجع لتحصيلها. في واقع الأمر، لم يكن هذا السبيل ضروريا وحتميا لو كانت العدالة في مختلف زواياها عدالة قائمة فعلية منذ زمن ولم تكن بورش لا يزال حتى إصلاحه يعرف عدة تعثرات لا تبشر بكونه كإحدى أبرز ركائز تقدم البلاد سيكون لغد. أو هل سترسخ حكومة بنكيران الاعتقاد السائد بكون " الاقتصاد المغربي إذا شب على نمط، شاب عليه" ؟ 2-2: عجز في تدبير الموارد المالية والبشرية المتاحة - إذا كنا نقتبس نماذج تنمية اقتصاد المغرب من الخارج، فالملاحظ أن جل الدول المتقدمة التي تعيش أزمة اقتصادية فعلية بما فيها الولاياتالمتحدة التي تدير بطريقة مباشرة أو غير مباشرة جل اقتصاديات العالم، فنجد أن تركيباتها الحكومية لا تصل إلى 32 وزيرا. فعلى السيد رئيس الحكومة أن يطلع الرأي العام على حيثيات الانتقال من 13 وزيرا الذي صرح بها قصد تدبير الشأن العام إلى 32 وزيرا ؟ فالتعليل الموضوعي والواقعي لهذا الانتقال العددي المكلف لم يكن اقتصاديا بل سياسيا محضا إرضاء لمكملات الأغلبية ليس إلا. فحسن التدبير كما هو معمول به في الدول التي تحترم مواطنيها يشرع في تفعيله ابتداء من رئيس الحكومة مرورا عبر الوزراء ليلهم البرلمانيون والمستشارون وكافة المدراء السامون. لا مساس بأولئك المتسلقين بالأدراج المتعثرة لسلا ليم الوظيفة العمومية والتعليل بين. وعجبا أن يصرح رئيس حكومة دستور ضمان الكرامة أن يكون أنجع إجراء قام به هو الاقتطاع في الأجور ! احتراما لمقتضيات الدستور وجب قبل الاقدام على اتخاذ مثل هذه القرارات الاستفزازية والغير محمودة العواقب إطلاع المواطن المغربي عن توزيع كتلة الأجور والعلاوات ليتضح من وجب في حقه المساهمة في التخفيف من حدة الأزمة. هذا إذا كانت هناك أزمة كما تدعون. ليست هناك أزمة اقتصادية مالية كما جاء في تصريح صندوق النقد الدولي بالنسبة للمغرب، هناك أزمة سياسية تترجم من بين ما تترجم إليه تبذير للموارد المالية المتواجدة. وهذه حقيقة وواقع معاش نأمل وفق الحق في الحصول على المعلومة الذي نص عليه الدستور أن تثبت معالي الرئيس عكسها بالأرقام.
- لن يستطيع رئيس الحكومة بالاستمرارية في هذه الاجراءات لكونه حبيس فعاليات حكومية مانحة لحزبه الأغلبية ولكن لا تشاطره نفس التوجه. وبالتالي يبقى المواطن المغربي ذو القدرة الشرائية المتواضعة هو من سيتحمل الاجراءات الغير محتملة بدءا بالزيادة في أثمان المحروقات (ومن العجب أن يصرح رئيس الحكومة بكون المواطن قد تقبل منه هذا الاجراء !). لا يا معالي الرئيس لم يتقبلها المواطن بل سكتت عنها الأحزاب والهيآت النقابية والهيأة العامة للمقاولين المغاربة (...) أي صمتت عنها الفعاليات التي من المفروض أن تنوب على المواطن المغربي في التعريب عن تأثير هذه الزيادة على المواطن والعمل على حث رئيس الحكومة على تبني إجراء اقتصادي تدبيري غير مستعجل ولا متهور آخر لا يمس القدرة الشرائية للمواطن كالتخفيف من عبء 140000 سيارة الدولة على الخزينة والتي انتقلت خلال 10 سنوات الأخيرة من 39000 سيارة دولة إلى 140000 وما تستهلكه من بنزين وتكاليف صيانة غالبا عبثا (كيف يعقل أن لا تتوقف سيارات الدولة مع توقف وقت العمل ؟ فالكثير منها يجده المواطن المغربي ليلا بجوار مسكن أحد المسؤولين أو حتى مسكن أحد سائقيهم). هذا مع العلم أنه في عهد عبد الرحمان اليوسفي قلص عدد هذه السيارات وتم تمتيع المستفيدين منها بتعويضات التنقل. إلا أن العبث كل العبث في ميزانية الدولة كونه أنه بالرغم من إعادة توظيف سيارات الدولة تحولت التعويضات السابقة على التنقل التي منحت في عهد حكومة التناوب كمكسب "ممزوج" مع الأجر ! في حين كان على رئيس الحكومة الذي يدعي الأزمة أن يزيل هذه التعويضات وأن يراسل وزارة الداخلية بتوقيف وحجز كل سيارة دولة تجول خارج أوقات العمل دون ترخيص.
- وبناء على هذا فميزانية التسيير هي ما كان عليكم التخفيض منها أو عقلنة تدبيرها عوض تجميد النشاط الاقتصادي للبلد وما يتبعه هذا القرار من سلبيات بإقراركم تخفيض ميزانية الاستثمار ب 15 مليار. ربما قد تكونوا على صواب (إذا ما تبين لمستشاريكم الاقتصاديين) أنه ثمة نوع من المبالغة في بعض الأغلفة المالية المعلنة عنها من طرف بعض المؤسسات العمومية أو أن غالبية المؤسسات العمومية لا تصرف كل ما طالبت به وتلقته من الخزينة العامة أو ربما أن هذا القرار قد اتخذ بناء على فضائح التلاعبات في الصفقات العمومية التي كشف عنها تقرير المجلس الأعلى للحسابات ؟ فالتفسير الوحيد الذي صرحتم به أمام مجلس البرلمان قد يقترب من التساؤل الثاني المذكور أعلاه موازاة مع حثكم لمديري المؤسسات العمومية بصرف كل ما يتلقونه من موارد مالية مع مراعاة مقتضى ربط المسؤولية بالمحاسبة. ولكن ما لم يتم الاعلان عليه بوضوح هي القطاعات التي سيشملها هذا التخفيض أم أن التخفيض سيكون شموليا ؟ وعلى أية حال ووفق النظرية الاقتصادية الليبرالية، فالاستثمار هو محرك الاقتصاد بل لا ديناميكية لاقتصاد بدون استثمارات خصوصا في المغرب والذي لا تزال معظم جهاته تعاني من نقص بنيوي في ضروريات العيش والمتمثلة أساسا في توفير الماء والكهربة وحجرات الدراسة ومستوصفات ومسالك طرقية تيسر لها التواصل مع باقي المدن المغربية.
- كيف السبيل إلى التخفيف من عبء البطالة المتزايدة مع بثر 15 مليار من ميزانية الدولة؟ أو لا يدرون مستشاروكم الاقتصاديون كون الاستثمار العمومي هو من أن أنقد النظام الليبرالي الانجليزي من الانهيار وأنه هو من أنعش التشغيل ومن أعاد الثقة للاستثمار الخاص ومن ساهم بصفة عامة بإعادة حركية الاقتصاد الانجليزي ؟ فتخفيض ميزانية استثمار دولة ليس بالقرار الهين والقويم لكونه سيؤثر سلبا إن على القطاع العمومي أو القطاع الخاص وبالتالي على الاقتصاد الوطني. ثمة حلول اقتصادية بديلة جد إيجابية إلا أنكم لا ترغبون في سلكها لكون صلبها وجوهرها سياسي. 3-3: مع أية نظرية اقتصادية يتناغم هذا التوجه: التخفيض من ميزانية الاستثمار واللجوء إلى الاقتراض ؟
لم يجد اقتصاديو حزب بنكيران سبيلا لتعبئة الموارد المالية الضرورية لتفعيل ما وعدوا به المواطن المغربي علما أن الأمر كان يبدو من خلال خطابهم الافتتاحي هينا بل أكثر من ذلك كم من مرة تم التصريح بكون الحكومة برئاسة بنكيران تتوفر على رزمة من التدابير الاستعجالية ولا تتطلب أي غلاف مالي. إلا أن المواطن المغربي بدأ يتيقن من كون التدابير ليست سوى سرابا في سراب وأن الواقع إنما هو واقع تفاقم ضيق العيش وارتفاع نسبة اليأس والبؤس والتيقن من كون حزب بنكيران قد خذله. فباستثناء المبادرات والمشاريع التي يسهر على إنجازها عاهل البلاد، لا حصيلة إيجابية يمكن أن تحسب لهذه التجربة الحكومية. ما معنى التخفيض من ميزانية الاستثمار واللجوء إلى الاقتراض ؟ أي ما الهدف من تجميد موارد مالية موجودة واستبدالها بالقروض وأداء الفوائد المواكبة لها ؟ هذا مع العلم أن هاته القروض سترهن الاقتصاد الوطني على المدى المتوسط والبعيد بمعنى أن السياسة الاقتصادية المتبعة من طرف بنكيران أدرجت المواطن المغربي في سياسة تقشفية ستكون لها تبعات سلبية وغير متحكم في عواقبها سواء في الوقت الراهن أو مستقبليا ذلك أن الحكومات المقبلة ستجد سياستها الاقتصادية مرهونة بالديون وبتفاقم التضخم المتمثل في الارتفاع الغير مسبوق في الأسعار. بات من الأكيد أن حزب بنكيران يتبنى فكرة ذاك القائل " حزبي في الحكومة حاليا ومن بعدي الطوفان ".
4-4: هل المواطن المغربي أمام تراجعات وعود حزب يترأس الأغلبية
ماذا كان منتظرا من حزب فاقد للأهلية على تدبير الشأن العام ؟ وماذا كان منتظرا من حزب قبل بأن يكون رهينة لأحزاب الأغلبية ؟ ماذا كان منتظرا من حزب مزج بين رئاسة الحكومة أي التوفيق بين مكونات من أهدته الأغلبية والحكم حين تخيل له أن موقعه سيسمح له ببسط رؤيته وتوجهه على الكل ؟ ماذا كان منتظرا من حزب عوض أن يجتمع مع مكونات حكومته والفعاليات النقابية، تراه يفضل الاجتماع ببرلمان حزبه ليشرع في انتقاد الآخرين ؟ ماذا كان منتظرا من حزب عمل على تجميد الحوار الاجتماعي وتجميد علاقته مع كنفدرالية العامة للمقاولين المغاربة؟ ماذا كان منتظرا من حزب يستتر على عجزه بقذف الآخرين بأرذل النعوت ؟ (...) أ- لقد وعد بإنعاش التشغيل مدرجا تحت ذريعة تكافؤ الفرص إجراء الاختبار. ولكن عن أي مناصب شغل يتحدث رئيس الحكومة إذا لم تكن هناك حيوية في النشاط الاقتصادي المغربي أصلا ؟ جل الفعاليات الحقوقية والسياسية شهدت لموقعي محضر يوليوز بالحق في الادماج ضمن الوظيفة العمومية كعربون لاستمرارية دولة المؤسسات علاوة على القضاء الذي زكى مؤخرا قانونية تفعيل المحضر. وفي الوقت الذي تطالب فيه كل الفعاليات باستقلالية القضاء نجد وزير العدل والحريات نفسه يتعالى على هذه الاستقلالية حين صرح أن الحكم الصادر غير دستوري. ما هو غير دستوري يا سيد الرميد هو تدخلكم في القضاء لينحو نفس السبيل رئيس الحكومة مطالبا من الرلمانيين بإعادة النظر في ملف حسمت فيه العدالة. ب- في مجال الصحة لا يزال الوضع على حاله ويكفي لمتتبعي برنامج "برلمان الشعب" الإذاعي ليعلم أن مشروع بطاقة الرميد الذي كانت مخصصة للطبقة المستضعفة يعرف عدة تعثرات. كما أن ما الحاجة بهذه البطاقة في غياب المستوصفات والأجهزة والأطر الطبية التي منذ تولي بنكيران رئاسة الحكومة وهي في صراع مستدام لم تفلح جولات الحوار في إيجاد قاعدة مشتركة تمكن من الاشتغال على أساسها. أما بخصوص القرار المتخذ مؤخرا من طرف الوردي بإيفاد خريجي كلية الطب لهذه السنة للعمل في المجال لقروي فهي مبادرة ستكون لها تبعات إذ لا يكفي إيفاد خريجين مبتدئين بل وجب توفير الأجهزة الطبية الضرورية وسيارات الاسعاف المجهزة في المستوصفات وكذا الأدوية لغياب أو لبعد الصيدليات في الوسط القروي. ربما لن يفلح الوردي في تفعيل هذا القرار إذا ما تمسك العنصر النسوي بتصريح رئيس الحكومة بعدم تعيين الأطر النسوية في مناطق تبعد عن ذويهن. ربما كان هذا القرار ليتخذ نوعا من الجدية لو أنه تقرر تفعيل مبدأ المداومة كل أربع سنوات. ت- أما مجال التعليم والذي هو أساس رقي المجتمعات بعد العدالة، فقد بات حبيسا على صعيد مستوى الوزير الوفا على إيقاع صراع ذو أوجه عدة حالت دون فتح المجال لمعاينة حاجيات التلاميذ قرويا وحضريا خصوصا في ما يهم مضمون المقررات المعروضة عليهم. بدأ المشوار بخرجة فجائية أربكت قطاع التعليم الخصوصي بدون نتيجة إيجابية ملموسة في وقت كانت البدائل في هذا المجال عدة وقابلة للنقاش والتفعيل. إلا أن خاصية وزراء حكومة بنكيران لا يؤمنون بالنقاش قصد إيجاد أرضية توافقية بل يتعاملون بنهج "السلطوية" وعلى هذا السبيل لا مجال للحديث عن ورش عمل يجمع بين وزير التعليم والفعاليات النقابية. لينضاف إلى هذا صراع الوفا مع بعض فعاليات المجتمع المدني إثر تصريحاته اتجاه بعض التلاميذ والتلميذات. أما بخصوص التعليم العالي فقد استبدل الداودي فكرة إلغاء مجانية التعليم العالي بالمناداة على جامعات أجنبية حتى يتقبل المواطن المغربي الدراسة بالأداء إلا أن هذه الوضعية ستؤدي لا محالة إلى تهميش الجامعة المغربية وطلبتها خصوصا البسطاء منهم. كان من الأفضل أن يتم التفكير في نوع من الاندماج بين الجامعات الأجنبية والجامعات المغربية مع إقامة ملحقات في المدن الغير متوفرة على معاهد التعليم العالي. ومما لا شك فيه أن هذا النوع من الاندماج سيمكن من تحيين المقررات وجعلها تواكب متطلبات السوق. لا يعقل أن تظل الجامعة هي الوسط التعليمي الوحيد الذي تغيب عنه رقابة على ما يدرس الأساتذة به. كما لا يعقل عكس الدول المتقدمة أن تقفل أبواب الجامعات أمام الطلبة بدعوى "تقادم" الشهادة أو بأية ذريعة لا موضوعية لها. أما الوضعية الحالية للجامعة المغربية فهي العطالة الشبه الدائمة بالنظر لتسييسها وجعلها "حلبة" للصراعات الدموية بين الطلبة عوض أن تكون مجالا للملتقيات الفكرية والابداعية.
ث- أما السكن اللائق، فلا حديث سوى على برامج مستقبلية مع العلم أن رئيس الحكومة قد صرح بأنه ملتزم بتوفير سكن بمساحة 100 م2 ب 80 مليون سنتيم للطبقة المتوسطة موازاة مع الاستمرار في القضاء على دور الصفيح وتعويضه بالسكن الاقتصادي هذا ما التزم به وأكده في حين أن المنعشين العقاريين يصرون على استحالة إنجاز ما تم التصريح به. تصريحات متعارضة والمشاريع موقوفة التنفيذ والمواطن في خالة انتظار. منازل تتساقط على أهلها وبراريك تتفرخ يوما بعد يوم وأثمان اقتناء الشقق في تزايد مهول لم يسبق له مثيل وأسعار فائدة القروض تضاعف ثمن اقتناء المسكن (...) في حين ينعم مواطنون آخرون بأكثر من مسكن، الأول يقطن به مجانا والثاني يستفيد من مداخل كرائه، هذا هو الواقع المعاش ليطرح السؤال على الحكومة والوجهة التي هي موليتها . خلاصة:
لقد صرح بنكيران بكون حكومته باتت حكومة " تصريف أعمال " وهذا المصطلح المقتبس له أكثر من دلالة سلبية كالغياب التام لأية برنامج اقتصادي واجتماعي منسجم المحاور والأهداف والمدة الزمنية الخاصة بتفعيله. هذا وإذا ما أضفنا إليه تشردم فعاليات حكومة بنكيران إضافة إلى الاعلان مع وقف التنفيذ عن انسحاب حزب الاستقلال من تشكيلة بنكيران، فمن المنتظر إذا لم يتم تدارك الموقف سياسيا واقتصاديا (من زاوية حسن التدبير) ، أن تتحول الأزمة السياسية إلى أزمة اقتصادية فعلية تترجم بانهيار القطاعات الاجتماعية.
وما زيارة ممثل صندوق النقد الدولي العالمي للمغرب وإعرابه لبنكيران بكون الصراعات السياسية ستنهك الاقتصاد المغربي وبالتالي المواطن المغربي إلا دليل على كون الفعاليات المؤهلة لتدبير الشأن العام لا زالت حبيسة الحسابات السياسية الضيقة وأنها لم تنضج بعد لكي تنتقل إلى ما هو اقتصادي واجتماعي الكفيل بضمان الاستقرار والسلم الاجتماعي في المغرب. لا حاجة للمواطن المغربي بحزب لا زالت فعالياته تجول العالم قصد التعريف بأهداف حزبها وطمأنتها ومن المرتقب أن يهوى هذا الحزب سياسيا إذا ما استفحلت الازمة الاقتصادية ذات الحيثيات السياسية لتهدد السلم الاجتماعي في المغرب. لا نريد للمغرب أن يشهد ما تشهده الدول المجاورة ولكن المغزى من تجارب الدول المجاورة التي تقلدت فيها تدبير الشأن العام أحزابا متناغمة إيديولوجيا مع حزب العدالة والتنمية، لم تفلح في تدبيرها ولم تضمن لا سلم اجتماعي ولا إقلاع اقتصادي لبلدانها بل ظلت لا هي شرقية ولا هي غربية.
لم يكن هناك أصلا توافق أو تشاور بين فعاليات الأغلبية المؤهلة للتدبير العقلاني لثروات البلاد بل ما تم الالتمام حوله هو بيان للعمل التوافقي بين المكونات الحكومية ليتضح من بعد أنه ربما كان مجرد " سكوب إخباري تلفزي" بالنظر لما كان منتظرا أن يشهده مآل مضمون البيان أو التصريح المشترك.