ما من شك أن السينما تلعب أدوارا مهما في حياة المجتمع إن لم نقل خطيرا، وتتجلى هذه الخطورة في تمكن السينما من تسويق أفكار مختلفة لدول ولجماعات ولأشخاص حتى، فقانون السينما يخضع هو الآخر لما يسمى بقانون العرض والطلب، بمعنى أن هناك منتوج سينمائي ما موجه لفئة ما، وكلما كبرت شريحة المشاهدين حقق الفيلم أو لنقل أصحاب الفيلم مبتغاهم، أولا تمكنوا من تحقيق دخل كبير يفوق مرات ومرات الميزانية التي صرفت على ذلك الفيلم، ثانيا المنافسة على جوائز عالمية كالأوسكار وغيرها، ثالثا إيصال فكرة أو رسالة ما من خلال ذلك الفيلم، وقد تختلف هذه الأولويات من مخرج إلى آخر.
المهم هو أنه في النهاية هناك دائما هدف ما وراء الفيلم، لهذا تصنف الأفلام أيضا على أساس المراد منها، وأصبح جل المتتبعين يعرفون نوعية الأفلام من خلال أسماء مخرجيها، فمثلا مخرج كستيفن سبيلبرغ نوعية الأفلام التي يخرجها لا تخفى على أي متتبع أو على أي مشاهد، ففيلم من طينة "لينكولن" والنجاح الذي حققه، بالإضافة إلى فيلم "أرغو" للمخرج/الممثل الشاب بن أفليك، أو فيلم البؤساء أو للمخرج توم هوبر المقتبس من الرواية الشهيرة للكاتب الفرنسي فيكتور هيجو بالإضافة إلى العديد من الأفلام التي يمكن الاستشهاد بها، وهناك أفلام لمخرجين من دول تعاني التضييق على الفن والفنانين كإيران يمكن الاستشهاد بها أيضا ودول أخرى كثيرة غارقة في مشاكل متعددة، لكن هذا لم يمنع مبدعيها رغم ضعف الإمكانيات من إخراج أفلام رائعة وذات مستوى جيد جدا.
لنأت إلى أفلامنا المغربية التي قيل عنها الكثير وقيل عنها أن النقاد والمتتبعين يبخسونها حقها، بل هناك من المخرجين من يتبجح عندما تنتقد أعماله بأن من ينتقدها لم يشاهدها، نعم يجب أن تنتقد لأن الأفلام الرديئة ليس هناك حاجة لمشاهدتها، فإذا كنا أعطينا أمثلة لبعض المخرجين العالميين وقلنا يكفي أن تعرف اسم المخرج حتى تعرف نوعية الفيلم الذي سيخرجه، فكذلك الشأن بالنسبة لبعض مخرجينا، فيكفي أن تعرف إسم (المخرج) حتى تعرف نوعية الفيلم الذي سيتحفنا به، والأمثلة كثيرة لا داعي لسردها حتى لا نجرح شعور أي شخص يظن بأنه مخرج.
لدينا أفلام من نوعية المشروبات الغازية أو المواد الغذائية منزوعة الدسم، أو ما يطلق عليها تجاريا باللايت، أو زيرو في المائة، نعم لدينا أفلام بقيمة صفر في المائة من كل شيء، ومنزوعة الدسم، اللهم دسم الدعم السينمائي، أفلامنا يا سادة جلها كلام فاحش، وأجساد عارية بمناسبة أو بدون مناسبة وفي الحقيقة هذا هو الدسم الكثير الذي يوجد فيها، بعض مخرجينا سامحهم الله يمعنون في تصوير تضاريس جسد المرأة، سهل سهل، وهضبة هضبة، وجبل جبل وحفرة حفرة، مخرجونا أبطال يختزلون مشاكلنا في مشاهد ساخنة ويداوونا من داء الكبت الذي نعاني منه، مخرجون يا سادة حاربوا جميع الطابوهات ولم يبق لهم إلا طابو الجنس، مخرجون تطرقوا لسير جميع عظمائنا وقاداتنا، ولم يبق لهم سوى التطرق لحياة المجرمين والشواذ وبائعات الهوى...
فهم أعظم من مخرجي الغرب الذين بدأوا حديثا في التطرق لقاداتهم وعظمائهم كأبراهام لنكولن ولقضية الرهائن في إيران... مخرجونا اكتشفوا أنه كلما زادت القبل في المشاهد وتعرت (بطلات الفيلم) أكثر كلما ازداد عدد المشاهدين، مادام شعارهم من يعري أكثر يبيع أكثر، والمفارقة العجيبة أن الغرب الذي يحاول هؤلاء تقليده ودرسوا فيه استغنى في أفلامه عن تلك المشاهد التي لا تخاطب عقل المشاهد بقدر ما تخاطب شيئا آخر فيه، مخرجونا يا سادة أذكياء، فهم يعرفون كيف يسوقون لأفلامهم جيدا، فيكفيهم كلام فاحش، بالإضافة إلى لقطات ساخنة، وتصريح جريء لوسائل الإعلام حتى تهاجمهم جهات محافظة، ويتحقق لهم النصر المبين، ويضمنوا مشاهدة أكبر لعمل اثار حفيظة الإسلاميين.
لم يتمكن مخرجونا لحد الآن من استيعاب المتغيرات التي عرفها العالم، وأن المشاهد لم يعد يريد أفلاما تتكلم عن الجنس والجريمة أو الكوميديا الفارغة، أفلام تصور بناتنا بائعات هوى وأبنائنا تجار مخدرات ومدمنين، يريد أفلاما تدفعه إلى الأمام، يريد قصص نجاح، يريد سير ذاتية لعظماء سمع عنهم ولم يعايشهم، يريد أن يخلق له نموذج يحتدى به من بيئته، لا أن يستورده من الخارج، يريد أن يعرف من هو عبد الكريم الخطابي، من هو علال الفاسي، من هو المهدي بن بركة، من هو طارق بن زياد، من هو يوسف بن تاشفين...
الشعب يريد أن تقدم له السينما أفلاما تحترم ذكاءه وتاريخه وحاضره ومستقبله، لا يريد أفلاما موشومة الزيرو، ولا يريد أفلاما تؤثثها الأجساد العارية والكؤوس الحمراء وموسيقاها الكلام الفاحش...الشعب يا سادة يريد أفلاما حقيقية، ذات مستوى فني عال على جميع المستويات، من سيناريو وإخراج وتمثيل...فهل باستطاعتكم ذلك؟ وإلا فارحلوا...