جدعون ليفي: نتنياهو وغالانت يمثلان أمام محاكمة الشعوب لأن العالم رأى مافعلوه في غزة ولم يكن بإمكانه الصمت    أحمد الشرعي مدافعا عن نتنياهو: قرار المحكمة الجنائية سابقة خطيرة وتد خل في سيادة دولة إسرائيل الديمقراطية    مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    الاعلام الإيطالي يواكب بقوة قرار بنما تعليق علاقاتها مع البوليساريو: انتصار للدبلوماسية المغربية    الخطوط الملكية المغربية تستلم طائرتها العاشرة من طراز بوينغ 787-9 دريملاينر    مؤتمر الطب العام بطنجة: تعزيز دور الطبيب العام في إصلاح المنظومة الصحية بالمغرب    استقرار الدرهم أمام الأورو وتراجعه أمام الدولار مع تعزيز الاحتياطيات وضخ السيولة    السلطات البلجيكية ترحل عشرات المهاجرين إلى المغرب    الدفاع الحسني يهزم المحمدية برباعية    طنجة.. ندوة تناقش قضية الوحدة الترابية بعيون صحراوية    وفاة رجل أعمال بقطاع النسيج بطنجة في حادث مأساوي خلال رحلة صيد بإقليم شفشاون    أزمة ثقة أم قرار متسرع؟.. جدل حول تغيير حارس اتحاد طنجة ريان أزواغ    جماهري يكتب: الجزائر... تحتضن أعوانها في انفصال الريف المفصولين عن الريف.. ينتهي الاستعمار ولا تنتهي الخيانة    موتمر كوب29… المغرب يبصم على مشاركة متميزة    استفادة أزيد من 200 شخص من خدمات قافلة طبية متعددة التخصصات    حزب الله يطلق صواريخ ومسيّرات على إسرائيل وبوريل يدعو من لبنان لوقف النار    جرسيف.. الاستقلاليون يعقدون الدورة العادية للمجلس الإقليمي برئاسة عزيز هيلالي    ابن الريف وأستاذ العلاقات الدولية "الصديقي" يعلق حول محاولة الجزائر أكل الثوم بفم الريفيين    توقيف شاب بالخميسات بتهمة السكر العلني وتهديد حياة المواطنين    بعد عودته من معسكر "الأسود".. أنشيلوتي: إبراهيم دياز في حالة غير عادية    مقتل حاخام إسرائيلي في الإمارات.. تل أبيب تندد وتصف العملية ب"الإرهابية"    الكويت: تكريم معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية كأفضل جهة قرآنية بالعالم الإسلامي    هزة أرضية تضرب الحسيمة    ارتفاع حصيلة الحرب في قطاع غزة    مع تزايد قياسي في عدد السياح الروس.. فنادق أكادير وسوس ماسة تعلم موظفيها اللغة الروسية    شبكة مغربية موريتانية لمراكز الدراسات    المضامين الرئيسية لاتفاق "كوب 29"    ترامب الابن يشارك في تشكيل أكثر الحكومات الأمريكية إثارة للجدل    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    خيي أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    مواقف زياش من القضية الفلسطينية تثير الجدل في هولندا    بعد الساكنة.. المغرب يطلق الإحصاء الشامل للماشية    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد        نادي عمل بلقصيري يفك ارتباطه بالمدرب عثمان الذهبي بالتراضي    مدرب كريستال بالاس يكشف مستجدات الحالة الصحية لشادي رياض    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    ما هو القاسم المشترك بيننا نحن المغاربة؟ هل هو الوطن أم الدين؟ طبعا المشترك بيننا هو الوطن..    ثلاثة من أبناء أشهر رجال الأعمال البارزين في المغرب قيد الاعتقال بتهمة العنف والاعتداء والاغتصاب    موسكو تورد 222 ألف طن من القمح إلى الأسواق المغربية        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من تاريخ تازة..:قاعدة للانطلاق..نحو الإمبراطورية الكبرى - ح 5
نشر في تازا سيتي يوم 15 - 05 - 2012

دب الضعف والوهن في أوصال الدولة المرابطية اثر سقوط منطقة سرقسطة SARAGOSSE شمال بلاد الأندلس في يد الأسبان المسيحيين سنة 512 هجرية ( الأندلس كانت تابعة للمرابطين بعد انتصار يوسف بن تاشفين في معركة الزلاقة سنة 479 هجرية على الفونسو السادس واثر خلع ملوك الطوائف الواحد تلوى الآخر لتقاعسهم عن جهاد عدوهم ) علاوة على مظاهر الترف والإنغماس المغالي في متاع الدنيا التي استشرت بعد وفاة يوسف بن تاشفين.


وما تبعها من صراعات وتمردات هنا وهناك، مع ملاحظة تاريخية هامة وهي أن معلومات المؤرخين البارزين كالناصري وابن أبي زرع والمقري والزياني وحتى ابن خلدون عن الدولة المرابطية نقلوها أساسا عن مؤرخين " رسميين " تابعين للدولة الموحدية (وهم أعداء المرابطين بالطبع) كأبي بكر الصنهاجي المكنى بالبيدق وابن صاحب الصلاة وعبد الواحد المراكشي الذين كانوا متحاملين على دولة الملثمين أحيانا كثيرة كما لا يخفى على كل باحث أو مؤرخ، علما بأن المصادر المرينية حول المرابطين تعد أكثرانصافا و مصداقية ....



في فترة الضعف هذه بدأ المهدي بن تومرت دعوته المعادية للمرابطين حوالي سنة 515 هجرية و التي اتخذت شكلا كلاميا مذهبيا وعقديا بعد رحلة المهدي الشهيرة إلى المشرق والتي مزج خلالها بين الأفكار الشيعية ونظرية التنزيه ونفي الصفات (المعتزلة) إضافة إلى مناهضة كتب الفقه والفروع واتهام المرابطين بالتجسيم وخاصة لما قام أمراؤهم بإحراق كتب الغزالي، علاوة على تشبهه بالسيرة النبوية، وبلغ الأمر بابن تومرت إلى اعتماد بعض أساليب الدجل والشعوذة، لكن الخلفية الإيديولوجية للمهدي تجلت في محاربة دولة المرابطين أساسا، والتي تحكم فيها الفقهاءالمتزمتون، وما يهمنا هنا هو موقف سكان منطقة تازة من الدعوة الموحدية أولا، ثم الصراع الذي عرفته هذه الناحية بين المرابطين والموحدين ثانيا، وأخيرا سيطرة عبد المؤمن على تازة ودورها كرباط هام في إخضاع شمال البلاد، ثم الانطلاق في الغزوة الكبرى لتوحيد كل من المغرب الأقصى والأوسط والأدنى تحت راية هذه الدولة الناشئة (انطلقت الدعوة الموحدية من وسط العصبية المصمودية غرب الأطلس الكبيرلتشمل أمبراطورتهم كل الغرب الإسلامي إلى برقة بليبيا الحالية )...وأخيرا ثورة مرزدغ الصنهاجي الذي استبد بتازة وكادت هذه الثورة إضافة إلى سابقتها أن تعصف بدولة عبد المؤمن وابنه يوسف ....



ثمة حادث طريف يسوقه شارل أندري جوليان في كتابه " تاريخ إفريقيا الشمالية " ج 2 ص128 حول عودة المهدي بن تومرت من رحلته المشرقية المذكورة آنفا (كان صحبة عبد المؤمن ومن تبعهما لأن لقاءهما الشهيرتم بقرية " ملالة " نواحي بجاية بالمغرب الأوسط) ومروره أي المهدي على منطقة تازة او تازا يقول المؤرخ الفرنسي " وحيثما حل ابن تومرت أخذ ينهى عن المنكر ...وكثيرا ما كان يفرض نفسه ويوفق إلى نصرة تعاليمه إلا أنه كان يلقى أحيانا معارضة سافرة مثلما حدث له بقرية بجهة تازا حيث هدده القوم بالضرب إذا هو لم يبرح المكان حالا " !!! ويحتمل أن تكون هذه الناحية من تازة وفية لمذهب أهل السنة والجماعة وهو الأساس الذي قامت عليه الدولة المرابطية ( مذهب الإمام مالك ) كما يحتمل أيضا أن تكون على نحل أخرى ...



وهذا على كل حال موقف معلوم مفهوم في بداية أمر الدول والإمارات ، بل في كل جديد يطرأ على أي مجتمع بشري حيث يواجه عادة بالسخرية والمعارضة .... المعروف أن الموحدين بقيادة عبد المؤمن بن علي الكومي نفذوا إلى تازة عن طريق الجبل أي من الجنوب (الأطلس المتوسط) سنة527 هجرية مستغلين وعورة الشعاب والمسالك ومتلافين الاصطدام المهلك مع الخيالة المسيحيين العاملين في الجيش المرابطي والمتحكمين في السهول والهضاب والمدن ( كتاب " تاريخ العصر الوسيط " محمد زنيبر وآخرون ص 217 ) (خيالة مسيحيون ! !...علما بأنها دولة فقهاء متعصبين وياللمفارقة !!!) وكان هؤلاء من الفرسان المرتزقة الباحثين عن الثروة والذين جندهم أمراء أواخر الدولة المرابطية ( فوانو كتاب " تازة وغياثة " Voinot « Taza et les GHIATA » ص 62 ) وقد مكنت هذه الخطة الذكية التوجه مباشرة من تينمل العاصمة الأولى للدولة إلى تازة والاستيلاء على معظم الجبال أولا وقبل كل شيء...



خطة مكنت الموحدين من محو آثار هزيمتهم الأولى أمام مراكش سنة 524 هجرية والتي توفي المهدي بعدها بقليل ثم تولى إمارة الموحدين عبد المؤمن بن على، أخلص أتباعه، اختاره الأشياخ المصامدة أميرا عليهم بسبب حنكته وصحبته للمهدي وغربته بينهم (إذ هو ينحدر من قرية تاجرا وينتمي إلى قبيلة كومية نواحي تلمسان وهذه المدينة كانت تابعة لدولة المرابطين علما بأن امبراطوريتهم امتدت من المحيط الأطلسي إلى بجاية أزيد من وسط بلاد الجزائر الحالية ومن الأندلس حتى الثغر الأعلى شمالا إلى أقصى جنوب الصحراء أي موريطانيا حاليا) وتاريخ السيطرة على تازة أي سنة 527 هجرية يتفق عليه جل المؤرخين وعلى رأسهم الناصري في " الاستقصا" وتؤكد ذات المصادر والمراجع أن عبد المؤمن حصن تازة بالأسوار فأصبحت تحمل صفة " الرباط " ( من المرابطة للفتح والجهاد أي ملازمة المكان لهذا الغرض وبهدف الحراسة أيضا) لأن تازة شكلت قاعدة ومنطلقا لعبد المؤمن قصد فتح فاس سنة 540 هجرية بعد حصار دام تسعة أشهر، ثم مراكش في السنة الموالية وبذلك تم القضاء على دولة المرابطين فكتب لحلم المهدي بن تومرت آن يتحقق أخيرا بتأسيس دولة الموحدين، وهكذا نلاحظ أن تازة وأحوازها كانتا الموقع المتقدم للدولة الناشئة، ومن تازة كان المنطلق نحو الريف وتلمسان والمغربين الأوسط والأدنى يقول هنري تيراس Henri Terrasse: " مع الموحدين ستأخذ تازة طابعها الحالي وستصير احد أماكن الأسلحة بالمغرب.



فبعد فشل الموحدين في إخضاع مراكش، غزوا بقيادة عبد المؤمن الأطلس الكبير ثم الأطلس المتوسط، رحلوا من تينمل وانطلقوا نحو تازة التي نفذوا إليها من الجبل. وباعتبارهم أسياد المدينة منذ 1132م/ 527هجرية جعلوها إحدى قواعد عملياتهم ، طيلة المدة التي قاوموا فيها المرابطين في شمال المغرب والمغرب الأوسط ، فكانت تازة بذلك ، ثاني رباط للموحدين ، وقد حملت طيلة حكم الأسرة المالكة اسم "رباط تاز " وقام عبد المؤمن سنة 1135م/ 529 هجرية بانجاز أشغال التحصين : فأحيطت المدينة بسور من الحجر، والوجه الغربي لسورها – من باب الريح إلى البرج المسمى سرازين sarrasine هو كل ما خلد من هذا السور الموحدي " ( مقال " تازة نبذة تاريخية واركيولوجية "Henri Terrasse "" Historique et Archéologique Taza – Notice ص 160 ترجمة :ا – الحوتي ج شرادي مجلة "جسور التواصل نيابة وزارة التربية الوطنية "– تازة ماي 1996 ) الغريب أن عبد المؤمن نفسه هو الذي أمر بهدم أسوار فاس وقصبتها المرابطية بعد أن دخلها وفاه بقولته المشهورة "إننا لا نحتاج إلى أسوار وإنما أسوارنا سيوفنا وعدلنا" ( " تاريخ العصر الوسيط " محمد زنيبر وآخرون ص 217 )....



حقيقة لم تحتفظ تازة طويلا بتلك الوظائف السياسية دون العسكرية (لحساب مراكش العاصمة السياسية ومقر الأشياخ والدولة ) لكنها وظائف هامة وخطيرة غيرت مجرى التاريخ غير مامرة ... ومن المؤرخين المشارقة المحدثين الذين ذهبوا نفس المنحى المتفق عليه بين كل المؤرخين الثقات حول تازة لهذا العهد ، د .عبد العزيز سالم في كتابه " تاريخ المغرب الكبير " العصر الإسلامي ص 838 يقول :" أصبحت تازى ( هكذا بالألف المقصورة ) منذ قيام دولة الموحدين أهم مركز حربي في القسم الشرقي من المغرب الأقصى، فقد اتخذها عبد المؤمن بعد أن افتتحها في سنة 527 هجرية قاعدة للحملات التي كان يوجهها إلى المغرب الأوسط الذي كان يحتله المرابطون وبلاد الريف.



ولقد حلت تازى لمدة طويلة محل مدينة تينمل التي أصبحت متطرفة بعد أن اتسعت أملاك الموحدين بالمغرب، ولم تعد تشغل إلا الموضع الثاني من الأهمية " تتأكد مكانة تازة خلال العصر الموحدي أيضا من طبيعة العمران العسكري والديني، حيث ضخامة الأسوار مثلا قياسا إلى الشطر المريني الجنوبي والشرقي لتازة العتيقة الممتد من "برج سارازين" إلى حصن" البستيون " السعدي، ثم " باب الجمعة " وتتأكد هذه المكانة من خلال الشكل الهندسي العام ل "الجامع الكبير" بتازة في حيزه الخلفي الشمالي والذي أرساه عبد المؤمن بن علي وهو يشبه تماما معمار مسجد تينمل، وقد بناه عبد المؤمن سنة 542 هجرية أي بعد أن استقرت له الأوضاع عموما في المغرب الأقصى، وكان شكله المتواضع مثلا ( قياسا إلى مسجد وصومعة حسان بالرباط وهو موحدي أيضا ) كان شكله المتواضع ومعماره يختلفان بالطبع عماهو عليه الآن، وهو يعبرعن مرحلة سابقة على التأنق الحضاري المتميز بالنقوش والمنمنات ورسم الآيات القرآنية والأقواس وغيرها، لأن الدولة الموحدية كانت وقتذاك في بداية عهدها، لكن طريقة البناء في الشطر الموحدي للجامع الكبير بتازة تشبه كما سبق القول طريقة بناء مسجد تينمل في الصحن الأصلي الخلفي وما يتصل به من قاعة الصلاة باستثناء الأجنحة الجانبية والصحن الثاني الذي أضافه أبو يعقوب يوسف المريني مع الثريا مثلما هو معروف خلال أوج الدولة المرينية ....



كما يذكر هنري تيراس أن من "اثار الموحدين بتازة منارة مسجد الأندلس ومنارة مسجد سيدي عزوزوهما تعودان إلى القرن الثاني عشر الميلادي ( السادس الهجري ) " ص 121 من المرجع السابق، ولا أدري ماهية القرائن التاريخية والمعمارية التي اعتمد عليها الباحث الفرنسي في ذلك. رغم أن سيطرة الموحدين على تازة تمت بشكل مبكرقبل فاس ومراكش للأسباب التي ذكرناها سابقا، فان مناطق وعرة من ممر تازة بقيت خارج السيطرة، وكان خريف سنة 536هجرية قاسيا بغياثة كما وصفه البيدق مؤرخ الموحدين " فنزل علينا الهواء (كذا) خمسين يوما بخمسين ليلة ولم يفتر فحملت الوديان " وعلى عكس فترة الدعوة الأولى وبعد 21سنة لقي الموحدون كدولة نوعا من الدعم والمساندة من طرف قبائل المنطقة هذه المرة ....



هناك ظاهرة تاريخية يسجلها الباحث عبد الرحمان المودن وهي نضوب الأخبار المحلية لتازة والناحية في المصادر التقليدية وذلك كلما تقوت الدولة المركزية ،إذ يؤكد المؤرخون أن البلاد عاشت فترة من الاستقرار والأمن والازدهار على عهد يوسف بن عبد المؤمن ثم يعقوب المنصورالموحدي لكن منطقة تازة عرفت ثورتان ضد الموحدين رغم التأييد المشار إليه سابقا ففي سنة 543 هجرية ثار أهل تازة عند انشغال عبد المؤمن بحصار سبتة واهتمامه بإخماد الثورة التي حدثت فيها، حيث اتهم خلالها القاضي عياض السبتي بالتحريض، فنفي إلى مراكش وتوفي هناك ويعد من سبعة رجال المدينة الحمراء، قلت حدثت الثورة بتازة فقضى عليها عبد المؤمن في نفس السنة، ولا يفصل المؤرخون في أسباب الثورة ولا في نتائجها، كما أنه في سنة 559 هجرية ( والمادة التاريخية يوردها عبد الوهاب بن منصور في كتابه " مع جلالة الحسن الثاني في فاس وتازة ووجدة وتلمسان 1970 ص 68 ) استولى مرزدغ الصنهاجي من صنهاجة مفتاح على تازة وضرب بها السكة (يعني النقود) باسمه نقش عليها " مرزدغ الغريب نصره الله عن قريب " وقتل بها خلقا كثيرا وسبى النساء والأطفال فبعث إليه الخليفة يوسف بن عبد المؤمن جيشا من الموحدين قتله وأراح تازة من عنفه وقسوته " لا يعني هذا أن تأييد تازة للموحدين قد تراجع عن ذي قبل ، فقد أكد عبد الرحمان المودن في كتابه " قبائل ايناون ..." ص68 "إن تازة والقبائل المجاورة لها كانت من المناطق التي أسهمت بقسط وافر في الحركة الموحدية كما في جهاز الدولة المومنية أيضا ، يدل على هذا ما ذهب إليه عبد الواحد المراكشي في كتابه " المعجب...." حين أورد نموذجا من الأسر التازية التي شغلت مناصب القضاء لمدة غير يسيرة مكونة شبكة حقيقية عبر عدة مدن ، تلك هي أسرة عيسى بن عمران التازي التسولي (هو غير" سيدي عيسى " صاحب الضريح المعروف بتازة والذي يعود إلى العصر المريني على الأرجح ) وعيسى بن عمران هذا كان قاضي الجماعة بمراكش عاصمة الموحدين أيام يوسف الموحدي والقاضي يحسب كواحد من جهاز السلطة قديما وحديثا كما هو معروف ، ونفس الشيء يقال عن أبنائه المنتمين جميعا إلى قبيلة التسول كعلي بن عيسى قاضي تلمسان ويوسف قاضي فاس وغيرهما " نفس المرجع السابق.



باستثناء الثورتين المشار إليهما سابقا استمر ولاء سكان "رباط تازة" والناحية للموحدين وعرفت المنطقة ازدهارا غير مسبوق في المجال الزراعي (الأشجارالمثمرة وأشجار الزيتون والفواكه ) كما يؤكد ذلك مؤرخان من العصر المريني فهذا صاحب الاستبصار وهو مؤرخ مجهول يقول حول المدينة خلال العصر الموحدي " مدينة كبيرة في سفح جبل مشرفة على بسائطه ، تشقها جداول المياه العذبة ، وعليها سور عظيم وقد بني بالجير والحصى يبقى مع الدهر ، وهي في فسحة على ستة أميال ما بين جبال ينصب إليها من تلك الجبال مياه كثيرة وأنهار تسقي جميع بساتينها في أعلاها ( تازة العليا ؟؟ ) وأسفلها (تازة السفلى ؟)، ولها نظر كبير ...كثير الزرع وجميع الفواكه والخيرات " نقله د عبد العزيز سالم عن كتاب " الاستبصار في عجائب الأمصار" مؤلف مراكشي مجهول ص186 /187 أما المؤرخ الثاني فهو محمد بن عبد المنعم الحميري المتوفى سنة 726 هجرية صاحب كتاب " الروض المعطار في خبر الأقطار " تحقيق إحسان عباس ص128 حيث يورد نصا مشابها يؤكد ما سبق أن بسطه كاتب هذه السطور من ارتباط التاريخ بالمجال البشري والجغرافي كخاصية أساسية تميز تازة والأحواز فبعد أن عرف بتازا كحد بين المغربين الأوسط والأقصى، يضيف " وقد بني فيها ( يعني منطقة أوبلاد " تازا ") في هذا العهد القريب مدينة الرباط ، أعني في جبال تازة، ومدينة الرباط هذه كبيرة في سفح جبل عال ..." وبعد أن يؤكد بدوره وفرة المياه العذبة والأشجار المثمرة، يتابع " وسورت هذه المدينة سنة ثمان وستين وخمسمائة ( 568 هجرية ) " أي في عهد الخليفة يوسف بن عبد المؤمن الموحدي مما يدل على عمليات التخريب والهدم التي قد تكون تعرضت لها المدينة من قبل ، ثم إعادة البناء والتسوير من جديد ، لأن التسوير الأول تم على يد عبد المؤمن سنة 529هجرية ، ولابد أن نثير الانتباه هنا إلى المظاهر الحضارية الراقية التي تميزت بها الدولة الموحدية في العمران ، يدل على ذلك السور الموحدي غرب تازة والجزء الأصلي من المسجد الأعظم وينسب البعض جسران قديمان إلى نفس الفترة ...



أما على المستوى الاقتصادي فيؤكد المؤرخون ازدهار الطريق التجاري العابر بين فاس وتلمسان عبر ممر تازة ، وأشار مؤرخون أيضا إلى وجود مناجم للذهب في المغرب خلال هذه الفترة من تاريخه ، والتي كان يستغلها الموحدون و "أهمها الذهب الذي تنتجه مناجم تازة وسجلماسة أو الذي تحمله قوافل التجار من السودان ..." ( كتاب تاريخ العصر الوسيط " محمد زنيبر واخرون ص 233 ) وقبل أن نختم هذه الحلقة ، لا بأس أن نستشهد بما قاله عبد الهادي التازي المؤرخ المعروف وقيدوم الديبلوماسية المغربية حول تازة الموحدية " لقد أصبحت تازة عاصمة بالفعل للموحدين ، إن لم تكن طيلة السنة فهي على الأقل كذلك ، في بعض الفترات من حياتها ( يقصد سنوات 527 / 529 / 542 هجرية )...ليس فقط لأن تازة ذات مناخ معتدل وهواء عليل ولكن لموقعها الاستراتيجي الهام باعتبارها الترس ، باعتبارها المعقل ، باعتبارها البرج الذي يضبط صلة الشرق بالغرب والجنوب بالشمال " " في تاريخ تازة "مجلة دعوة الحق ص51 اكتوبر 1984 ..يتبع بالطبع ...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.