تقول نكتة كنا نتداولها ونحن صغار أن أحد الأزواج كان يختلق أي عذر لضرب زوجته، لذلك كان يحمل إليها بيضتين للغذاء، فإن سلقت الزوجة المسكينة البيضتين كان يضربها ويقول لها أنا كنت أحب أن تقليهما، وإن هي قامت بقلي البيضتين كان يضربها أيضا بحجة أنه كان يفضلهما مسلوقتين، فاهتدت الزوجة التي كانت تتعرض للضرب في كل مرة إلى حل وسط، وهو أنها قامت بسلق بيضة وقلي بيضة حتى لا يبقى للزوج المتسلط من حجة عليها، ولما عاد الزوج ووجد أن زوجته قلت بيضة وسلقت بيضة، بدأ يضرب الزوجة وقال لها كان عليك سلق البيضة التي قليت وكان عليك قلي البيضة التي سلقت، بمعنى أنه سيضربها مهما فعلت المسكينة، وهذا حال معارضتنا الحالية، فمهما كانت انجازات الحكومة الحالية فإنها لن تجد إلا النقد اللاذع وتسفيه الجهود، والنقص من الانجازات، وبما أنني أعرف أن كل واحد سيكتب على الحكومة سيتهم مسبقا بأنه يدافع عنها، وهي تهمة جاهزة لكل من سولت له نفسه أن يقول بأن الحكومة محقة في هذه القضية أو تلك، وأنا هنا أوضح بأن جل المغاربة لا يهمهم اللون السياسي للحكومة بقدر ما يهمهم ما ستنجزه وتحققه لهم هذه الحكومة من إنجازات على مستوى الشغل والصحة والتعليم وهلم جرا مشاكل يعيشها هذا المواطن، المهم هو أن تكون حكومة وطنية همها الأول مصلحة الوطن والمواطنين لا غير، لذلك ومن باب الإنصاف إن كانت هذه الحكومة أو غيرها تسير في هذا الدرب فمن واجبنا أن ندعمها بكل ما أوتينا من قوة، وإن هي زاغت عن الدرب فسنكون أول من يتصدى لها، وقد سبق أن كتبت في إحدى مقالاتي أن الحكومة الحالية إن لم تستطع أن تفي بجزء كبير مما وعدت به الناخبين أو على الأقل الذين صوتوا عليها، فما عليها إلا أن ترحل، ولكن إذا كانت تعمل لمصلحة البلد وأبنائه فمن واجبنا أن نساندها كل من موقعه، فمن لم يستطع فليقل خيرا أو ليسكت فذلك أضعف الإيمان. نعود للمعارضة التي كان مطلوبا منها ونحن نعيش مرحلة جديدة بكل المقاييس سواء على المستوى الوطني أو الدولي، أن تكون في مستوى المرحلة، وأنا هنا لا أعمم فهناك معارضين شرفاء ومحترمون في وطننا وهذا ما يجعلنا متفائلين، ولكن أنا هنا أخص بالذكر معارضة لا ترى فيما تقوم به الحكومة الحالية إلا شعبوية وفرقعات إعلامية ...
المعارضة في المغرب مصطلح فضفاض وحمال أوجه، بل مصطلح زئبقي لا يمكن بأي حال من الأحوال ضبطه أو تعريفه حتى، ويرجع الفضل في ذلك إلى بعض الكائنات السياسية التي حبا الله بها هذا الوطن السعيد، فهي ميعت المشهد السياسي وأخرجته من قالبه الأصلي بل حولته إلى سيرك كبير، وإن كانت هذه المعارضة ولدت في القديم كاملة والكمال لله وحده على أيدي مناضلين شرفاء لا يمكن لأي كان أن ينكر نضالهم، فإنها الآن وعكس نظرية التطور مسخت، فإذا كانت هذه النظرية تقول بأن الأشياء تبدأ في التطور إلى أن تصل إلى الشكل الكامل، فالمعارضة عندنا اتخذت منحى عكسيا، والدليل على ذلك واقع معارضتنا الحالية، فشعار "أنا أعارض إذن أنا موجود" أصبح ماركة مسجلة باسم بعض الأحزاب المسماة ظلما وزورا معارضة، وكان الأجدر أن تسمى أحزاب معاكسة، لأنها تعاكس كل عمل كيفما كان، وهذا الدور لا تقوم به وحدها هذه الأحزاب، بل هناك وسائل إعلام مسخرة لهذه الوظيفة... رغم ما تدعيه من حيادية ومهنية.
سأسوق بعض الأمثلة البسيطة جدا لما تقوم به هذه( المعارضة) وأنا متأكد بأن هناك العديد من الأمثلة التي تدور بخلد القراء والمتتبعين للشأن السياسي بالمغرب تصب بهذا الاتجاه.
المثال الأول: عندما تلتقط صورة لأحد وزراء العدالة والتنمية وهو يأكل البصارة في أحد الأماكن البسيطة يسمون ذلك شعبوية، لكن عندما تلتقط صور بن عبد الله والصبيحي ومزوار وهم يتقاسمون "هنريس" فيما بينهم في فاتح ماي فذلك قمة المواطنة، ونعم (المعارضة).
المثال الثاني: برلمانية من حزب البام تلتقط لها صورة وهي ممدة رجليها تحت قبة البرلمان، سيقول قائل وأين المشكل في ذلك؟ بالنسبة لي ليس هناك أي مشكل، ولكن لنعكس الصورة، لو أن برلمانية من حزب العدالة والتنمية قامت بتلك الحركة وأخذت لها تلك الصورة، تخيلوا ردة الفعل من (المعارضة) وجرائدها. كلنا نتذكر التعليقات التي قامت حول جلباب بسيمة الحقاوي لأنها حسب خبراء الموضة كانت فضفاضة ولم تكن من ماركة عالمية.
المثال الثالث: دور جرائد( المعارضة)، وأنا هنا لا أقصد الجرائد الحزبية التابعة لأحزاب المعارضة، ولكن أعني تلك الجرائد التي آلت على نفسها أن تلعب دور (المعارضة) وتقطر الشمع لهذه الحكومة وعند مواجهتها تدعي أنها مهنية وحيادية وخطها التحريري يفضح تقيتها، ويكفينا أن نطلع على المنابر التي تطل علينا منها بعض الوجوه التي لا تدع فرصة تمر دون أن تطلق رشاشاشتها في اتجاه الحكومة، وأنا أتساءل هنا ماهو هذا الخط التحريري الذي يصر على نشر صور ممثلات وعارضات أزياء وهن لابسين من غير هدوم كما قال عادل إمام؟ وللإشارة بعض هذه الجرائد منعتها مهنيتها بأن تشير إلى معاناة زميل في مهنة المتاعب يقال له رشيد نيني أو أن تحتفي بخروجه من السجن ولو من باب النفاق الصحفي، ونعم (الصحافة).
المثال الرابع: نشر لوائح المستفيدين من لكريمات، اعتبرته المعارضة شعبوية وفرقعة إعلامية، رغم أن هذه (المعارضة) عندما كانت في الحكومة ولسنين طويلة لم تقم بهذه البادرة ولكنها وجدتها الآن فرصة سانحة لتسفه هذا الإجراء البسيط جدا، فلو أن الوزير الرباح لم ينشر اللوائح كان سيتهم بالجبن السياسي وعدم الشفافية، بمعنى طلع تاكل الكرموس، نزل شكون كالهالك؟ ونعم (التمعاراضيت).
المثال الخامس: دفاتر تحملات تلفزتنا المغربية، وضعوا ما شئتم من سطر تحت المغربية، عندما أخرجت للعلن، قامت جحافل (المعارضة) من كل حدب وصوب توجه النقد اللاذع لها، رغم أن أكثرهم لم يعط نفسه فرصة لقراءتها، بل إنهم لم يستطيعوا نقدها إلا في بعض المسائل الشكلية، كتوقيت الأخبار، ونحن نرى أن توقيت هذه الأخيرة تغير ولم يحدث شيء ولم تتضرر فئة الفرنكفونيين، بل القضية وما فيها أنهم خافوا أن تتضرر فئة الريعوفونيين، ثم جاء النقد في مسألة إلزامية حضور رجال الدين في بعض البرامج الحوارية، وهي مسألة صحية، ففي بعض المواضيع المتعلقة بالمجتمع حضور عالم الدين ضروري مادام المجتمع المعني بالأمر مجتمع مسلم.
المثال السادس: أخذت بعض المعارضة تتجه نحو استعمال مسألة الحلال والحرام في مواجهة الحكومة رغم أن هذه القضية لم تكن متداولة من قبل، والمضحك أن الحكومة إن اعتمدت هذه المقاربة فسوف تتهم بأنها توظف الدين في السياسة وغيرها من التهم الغليظة، في حين أن المعارضة إن اعتمدت مقاربة الحلال والحرام فلا حرج عليها.
هي أمثلة بسيطة سقتها لأوضح دور التمعاراضيت التي تقوم به بعض الأحزاب والجرائد بالوكالة وبعض الوجوه، و في الحقيقة ليس من وراءه طائل سوى وضع العصا في الرويضة كما يقال، فكلما كانت المعارضة قوية وذات مصداقية إلا وكان ذلك يصب في خدمة الوطن والمواطن بالدرجة الأولى، ونحن من مصلحتنا أن تكون لدينا حكومة قوية ومنسجمة تراقبها معارضة قوية وبناءة، زمن المعارضة من أجل المعارضة ولى يا سادة، والمغاربة لم يعد أحد بإمكانه أن يمثل عليهم دور المعارض وهم يعرفون أصله وفصله. وكل معارضة وأنتم بخير.