ضمن احتفاليات اليوم العالمي للشعر بتازة، نظمت جمعيتي تازاسيتي للإعلام و التواصل و أصدقاء تازة بشراكة مع منشورات مرايا طنجة، حفل توقيع إصدار 'عشق الإبداع و الشغف بالكتابة' للمرحوم الشاعر محمد زريويل، حفل حضرته عائلة المرحوم إلى جانب بعض من أصدقائه و أحبائه، كما تخللته شهادات ألقاها كل من الزجال محمد اجنياح، الفنان التشكيلي محمد شهيد، القاص و الروائي عبد الالاه بسكمار، و الباحث هشام عباد، و كذا تقديم الإصدار من القاص محمد الفشتالي و قراءة فيه للشاعر عبد الحق عبودة (ألقاها الصحفي خليل بورمطان بالنيابة) ، حيث جاء فيها: 1-على سبيل الإضاءة:
يلتقط محمد زريويل الإشارات المزهرة من دواوين و تشكيلات أسماء مبدعة صديقة ، و يمررها عبر قنوات رؤياه الخاصة ،ليخرج لنا بطائق تعريفية واضحة لهؤلاء ،و هو إذ يفعل ذلك لا يكف عن التذكير بأن ما يكتبه عنهم لا يخضع لقواعد نقدية معينة ،تاركا لنفسه فسحة التبويب ،واختيار الخانة التي يضع فيها بطائقه هذه ،فتارة يعتبر الأمر "تأملا فنيا لا يشط عن المرامي الجمالية و الرمزية بعيدا " ص:17 ، وتارة أخرى يصبح مغامرة قرائية "ص: 21، ثم يتحول إلى قراءة عاشقة ،مقرا أن للنقد رجالاته و أصحابه ، ص: 25، و يتحول إلى تلويحة من التلويحات الفنية ، ص: 60، أو فرصة من فرص الحظ التي سنحت له بقراءة أعمال فنية. لذلك لست أزعم أن الورقة التالية قراءة نقدية ، إنما اقتضت المودة الكبيرة التي أحتفظ بها بين جوانحي للمرحوم محمد زريويل أن أتفاعل مع نصوصه الميمونة في كتاب " عشق الإبداع و الشغف بالكتابة"و أتبرك بها ،و أبعث إلى روحه الزكية بقبلة إجلال و ترحم ، عبر هذا السفر الشجي في ثنايا عشقه و شغفه. 2- سلطة الصديق المبدع. إن مساحة الإنسان داخل محمد زريويل شاسعة و مترامية الأطراف، و كلما اقتربت منه تمددت و ازدادت رحابة و استعصت عن الإمساك و المحاصرة،إنه يؤمن بالإنسان إلى حد التقديس، و يجعل منه قضية نبيلة تستحق الاحتفاء على مدار اللحظات و توالي النبضات... يهديك مفاتيح الدخول إلى عالمه الأبيض الشفاف، فتجد نفسك أمام منافذ متعددة تدلك إليه، و تستطيع التوغل في مدائن روحه من كل الجهات، و لعل الكوة البارزة المؤدية إلى زريويل "الإنسان" هي إيمانه الكبير بعمق الصداقة و نبلها، فكتاباته التي غازل فيها منجزات أصدقائه المبدعين تنم عن هذا البحر الهادر من المحبة و الصفاء...يعلمنا درسا في المحبة و السمو و يعلن أن حفنة حب - فقط - تكفينا لكي نمتلك العالم و أن الكبر و العناد الزائفين لا يصنعان المبدع الصديق بل يحيلانه إلى كائن أجرب ...هو يرفض أن تقاس العلاقات بين المبدعين بمسطرة المصالح الشخصية الرخيصة، و يصر على أن التفاني في التضحية و التسامح هو " تيرموميتر" الإنسانية النبيلة. لقد جاءت نصوصه الموسومة ب " عشق الإبداع و شغف الكتابة " لتكشف للقارئ أن أجمل الإبداع ما كان مكللا باعتراف الأصدقاء و باعثا لهم على الانتشاء و اتساع شهية التقبل و الاحتضان ،و مخلصا لهم من عقد الصمم و العمى و أمراض الغل والضغينة ،و مرشدهم إلى سبيل الحكمة و الروية ...لقد أدرك أن تضاريس الكتابة وعرة ،و أن رحلة الإبداع شاقة و مضنية ،لذلك لا أقل من أن نستقبل هذا المبدع الرحالة بكلمة طيبة ،تخفف عنه عناء السفر و تريحه لكي ينطلق من جديد بنفس أقوى ،لذلك كتب محمد زريويل عن أصدقائه بنهم و شراهة ،و أقام لهم سرادقا ضخما في جنة مشاعره و كلماته ،فدخلوه آمنين متوجين ،ومن دخل عشق محمد زريويل و شغفه فهو آمن.
يرتبط حضور الصديق في كتابات محمد زريويل بشبهة الإبداع ،وورطة الكتابة كقاسم مشترك نبيل يشفع لديه لكل مسيء أو متنطع أو ناكر للجميل، و يدفع للصفح و نسيان الحسابات التافهة،هذا الإيمان الأسطوري بحتمية الصداقة الإبداعية ظهر في مواقفه قبل كتاباته، إنه الإيمان الذي جعله ذات مساء فني يتمسك بتقديم صديقه بوجمعة العوفي ،معللا ذلك بأن الشاعر لا يقدمه غير الشاعر ،و أن عمق العلاقة و اتساعها بينهما تمنحه هذا الحق ،وهو الإيمان ذاته الذي رافقه حتى آخر أيامه وأنفاسه ، وهو ما اكتشفته في زيارتي له رفقة صديقه الأستاذ عزيز باكوش قبل رحيله الجسدي بيومين،حين باح لي بتألمه و حسرته لأنه لم يستطع لقاء صديقه القاص محمد الفشتالي و الوقوف إلى جانبه أثناء وفاة والده...إنها قمة النبل و الوفاء والإيثار، وهي خصال جسدها في كتاباته التي ضبطها على إيقاع الصداقة الطاهرة ،فقاسم أصدقاءه الهم و الشكوى لكي يفهمهم ،يقول في ورقته حول ديوان قمر الأطلس للشاعر عبد السلام بوحجر (في "قصيدة إيقاع من أجل الإنسان " عشقت الشكوى كي أقاسم الشاعر همومه بكل المصادر القصرية : منع ،إسكات ،إخماد...) ص: 29. لا يضع بينه و بين الموضوع مسافة ،فهو يقحم أناه في كل ورقة و يصر على استعمال ضمير المتكلم في تجسيد رائع لحميمية الصلة التي تربطه بهم، يكتب عن صديقه التشكيلي محمد قنيبو: "هكذا أكون قد رصدت للفنان محمد قنيبو نقلة تشكيلية لا تخطئها العين" ص: 59.
بوجمعة العوفي ،إدريس الملياني ،عبد السلام بوحجر ،آمنة البكوري ، مجيدة بن كيران ، محمد جنياح ،محمد شهيد ،محمد قنيبو، توليفة من الشعراء و التشكيليين تقاسم معهم زريويل التربة و الفضاء و جنون الإبداع ، و ارتأى أن يتجول بينهم كرسول محبة و إخاء ، يدعوهم من حيث يدرون و لا يدرون إلى عقد مصالحة عميقة تحت لواء الكلمة و اللون و يحفزهم على الإنصات و الاعتراف... يوظف الكتابة جسرا للمرور إلى ضفاف المحبة، وأداة "لترويض" الصديق العاق و "أنستنه"... هي وساطة من أجل الخير امتدت لتشمل حتى أسماء خارج الحدود ( بن يونس ماجن ،شوكت الربيعي). كان عشقه لإبداع أصدقائه تجسيدا لحكمة غاندي القائلة : " إذا قابلنا الإساءة بالإساءة فمتى تنتهي الإساءة"، لنرى كيف قابل إصرار صديقه بوجمعة العوفي على طرد بعض أصدقائه في ديوان :( أصدقاء يغادرون حنجرتي ) : " أحتاج إلى كثير من الوقت كي أطرد بعض الأصدقاء من حنجرتي و أكنس أسماءهم باتجاه البحر واحدا واحدا كي لا يعودوا بأشلائهم الميتة إلى القصائد " ص: 81 ليرد عليه محمد زريويل بتفاعل رائع مع الديوان ،متمسكا بصداقته له ،ورافضا أن يتنازل عنها قيد أنملة، يخاطب صديقه بوجمعة العوفي: "كن كيفما شئت...لن أغادر حنجرتك أبدا".
من المؤكد أن القارئ لكتاب " عشق الإبداع و الشغف بالكتابة " سيتبين مدى الجهد الكبير الذي بذله محمد زريويل في الكشف عن قوة حبه لأصدقائه المبدعين ،إذ تحولت الكتابة لديه إلى باحة استراحة يستقبلهم فيها كلما عادوا من رحلة إبداع شاقة.
لقد تكلم زريويل لغة الصداقة بطلاقة ، دون أن يؤول كلامه ، لأن المؤلف – كما يقول – أمبيرتو إيكو ليس من حقه التأويل، و لكن من حقه أن يحكي لماذا و كيف كتب ما كتب،* لذلك فقد ترك لنا الراحل محمد زريويل متاهات التأويل و عذوبته، و اكتفى فقط بالرد على سؤال أصدقائه " لماذا تكتب عنا يا محمد زريويل؟". - "أكتب عنكم يا أصدقائي لأني أحبكم...ولأنكم قطعة من كياني ووجداني، أكتب عنكم لأنكم الحقيقة المثلى في حياتي و المعنى الذي تعشقه كلماتي...،بوركتم يا أصدقائي.
3-على سبيل التمني في حديثة عن التجربة الشعرية الجديدة بالمغرب ،انتصر محمد زريويل للشعر – موزونه و منثوره -على حساب القصة، و اعتبر القصة كذبة متفق عليها بين الكاتب و القارئ ، بخلاف الشعر الذي هو صراحة بين الشاعر و المتلقي ... و رغم ذلك حضرت سلطة "الصداقة "في كتاباته ليتفاعل مع المجموعة القصصية " قطار المدينة" لصديقه القاص محمد الفشتالي ،و مجموعة " الشقراء " لصديقه بوشتى بن الطالب، و هو التفاعل الذي سقط من كتاب "عشق الإبداع و الشغف بالكتابة "،و كان رائعا لو أدرج فيه ،لأن الفشتالي و بن الطالب من أصدقاء زريويل الذين "أحبهم فكانوا يتراقصون في قلبه مثل شعاع القمر"(2) لماذا -إذن- غابا عن الرقص بين ثنايا الكتاب؟ 1-( أمبيرتو إيكو،"حاشية على إسم الوردة"، ترجمة و تقديم سعيد بنكراد، منشورات علامات، 2007،ص:24). 2- الفشتالي محمد ، تقديم كتاب " عشق الإبداع و الشغف بالكتابة " ص: 10.
جديره ذكره، عن إهداء كل من الفنان التشكيلي محمد قنيبو و محمد شهيد للوحة فنية و أخرى بورتريه لعائلة المرحوم، و كذا تشخيص فرقة المسرح البلدي بتازة (شاهد) لبعض قصائد المرحوم الواردة في إصداره "عبئاً زادتني القريحة"، و عن إلقاء قصيدة "كن..فيكون" للمسرحي محمد بلهيسي (شاهد).
راجع: شهادة الفنان التشكيلي محمد شهيد بالمناسبة. الفشتالي: 'المرحوم زريويل... كان عاشقًا للإبداع عِشقًا مُطلقًا'