بعد أن غادرنا الصديق الغالي محمد زريويل إلى دار الخلود؛ فإننا لن ننساه بخير الدعاء له بالرحمة والمغفرة... وستظل ذكراه قائمة بيننا بكتاباته الباقية، كنبتة يانعة لا ينقطع إزهارها... لقد كان عاشقا للكلمة، محبا لها، ومعتبرا لأثرها الجميل. ففي هذا المقال الذي كتبه بواقعية وحرقة، حول الشأن الثقافي بالمغرب يتناول قضايا وأعطاب التنمية الثقافية، وأدوار الوزارة الوصية على القطاع - إن كانت الثقافة أصلا قطاعا؟ - والأدوار المفترضة للثقافة في التنمية البشرية، وذلك بمناسبة الدخول الثقافي 2010 إن كان هناك مسوغ لهاته التسمية ''الدخول الثقافي'' ببلادنا...
الدخول الثقافي
ملامح المشهد الثقافي المغربي بمحاسنه ومساوئه يعرفها جميع المتتبعين، وبقليل من الغباء أقول، إن وزارة الثقافة هي المسؤول الرسمي والمخاطب المعني بالدرجة الأولى، وذلك بحكم وصايتها على الثقافة، وعلى ما يدور في فلك أقسامها ومصالحها ومديرياتها، وعليها أن لا تولي ظهرها للجمعيات والمنظمات الوازنة بحكم الاستقلالية والممارسة الحرة، لأن الثقافة نقطة التقاطع والتلاقي. أنا لا أرمي الورود على وزارة الثقافة حين أعترف، وبالفعل لست بجاحد .. لقد قامت الوزارة بأعمال جبارة وإنجازات لا ينكرها إلا النكود، ومنها على سبيل الذكر لا الحصر، ترميم المآثر التاريخية، صيانة المتاحف الوطنية، المعرض الدولي للكتاب، الملتقيات الدولية، المهرجانات، المحاضرات، الندوات، الطبع، سلسلة الكتاب الأول، تنظيم الجوائز، ويأتي الدعم المادي الذي يبقى محط مد وجزر وتساؤلات كبرى تثير الشكوك... لم يكن هناك خروج ثقافي حتى يكون لنا دخول ثقافي نتحدث عنه. لم يكن يعرف من (الدخولات) إلا الدخول المدرسي والجامعي فقط، فأصبح الدخول اليوم ثقافيا وسياسيا واجتماعيا وتشريعيا، وكأننا كنا في بيات الدببة، تركنا البلاد وذهبنا جميعا في إجازة ... لنفترض وجود دخول ثقافي، فمتى يكون؟ وكيف يتم؟ وماذا أعددنا له؟. هل بغسل المكاتب ونفض الغبار عن الكراسي (عوض الملفات )، أم بوضع برنامج سنوي محدد المعالم واضح المرامي؟؟... لم يكن هناك غياب بالمطلق ما دامت الملامح هي المحاسن والمساوئ، والسلبيات والإيجابيات، فالحضور حاصل مع وجود نسبي لاستراتيجية ثقافية، والتي أتمنى أن تكون عامة شاملة، طلاوة للجسم الثقافي من منابت شعر الرأس إلى أخمص القدمين... لم تكن كل المهرجانات والملتقيات ناجحة، وكلما كثرت المهرجانات إلا ونزل معها المستوى الثقافي، كما أن (الظرف أو الغلاف) في حد ذاته أصبح محط صراع ونزاع، وهذا يسيء للثقافة و المثقفين على السواء... الثقافة نشاط مركب ومعقد لأنها تتعلق بالإنسان، وتشكل ظاهرة تترجم وعي الإنسان، وخبرته، الثقافة هي الأخلاق والقيم، هي السياسة والاقتصاد، هي الفهم والتحليل، هي النقد والتنوير، هي النضال الديمقراطي والمواجهة الصريحة. الثقافة ليست لعبة داخلها رابح وفائز ومستفيد، وخارجها عدمي وبعيد (..) لا لثقافة الربح، لا لثقافة التمييع. على الثقافة أن تخترق الشأن العام لتطهره وتصفيه وتغنيه، سأبقى صريحا ولا أعمم... المثقفون هم الذين أفسدوا الثقافة، ألم يدعوهم (علي حرب) إلى التواضع لأنهم بلغوا درجة من الهون والتفكك، وعليهم الاعتراف بأنهم ليسوا " قدس الأقداس " ولا "رسل الهداية بل هم أصحاب مصلحة وسلطة يشكلون مجموعات لا تتقن سوى انغلاقها النرجسي وانعزالها النخبوي'' .. ولهذا كلما نزح المثقفون نحو النخبوية إلا ويتم القطع والفصل مع القاعدة، وهي الدعائم والأسس، وهو ما يؤدي إلى عزوف الجمهور عن الأنشطة الثقافية والحضور الباهت الذي يكاد يؤسف ويحزن في بعض اللقاءات. وهذا (عبد الإله بلقزيز) يعلن نهاية المثقف كداعية، ويشخص "أمراض المثقفين".. ونلاحظ أنه بقدر ما تفرض التنمية البشرية نفسها، تبدو الثقافة باهتة تستنجد، رغم أنها المؤشر الحقيقي للديمقراطية والتنمية. ولهذا بات من اللازم على كل مثقف أن يتعامل مع الأمور برزانة، وأن يتمتع بالقسط المعقول من اليقظة والتفكير المتزن لربح ثقة وتقدير الآخرين... وفي المجمل عليه أن يتحلى بالذكاء الثقافي الذي ينبع من العقل والقلب والجسد، حتى تكون ثقافتنا بالفعل جزءا من هويتنا الأصيلة، وعلينا جميعا أن نصونها ولا نفرط فيها ...