كثر الحديث واللغط وسال الكثير من المداد منذ ظهور نتائج انتخابات 25 نونبر التي بوأت حزب العدالة والتنمية المرتبة الأولى، الشيء الذي يعني أن الحكومة المقبلة للمملكة المغربية ستكون حكومة لم يسبق للمغرب أن شهد مثلها، وذلك لعدة اعتبارات، منها ما هو داخلي وماهو خارجي. فعلى المستوى الداخلي تأتي هذه الحكومة في ظل دستور جديد خول لها صلاحيات لم تكن للحكومات السابقة، كما أنها جاءت والشارع المغربي يعرف اضطرابات متنوعة يختلط فيها ما هو سياسي مع ما هو اجتماعي مع ما هو اقتصادي، كما انه ومنذ استقلال المغرب لم يصل إلى تسيير الحكومة حزب إسلامي كان والى الأمس القريب محارب ومضيق عليه من كل الجهات، بل هناك من طالب بحله، ولكن تشاء مشيئة الله ومشيئة الشعب أن يكون لذلك الحزب شأن آخر.
أما على المستوى الخارجي فهذه الحكومة الجديدة تأتي وأجواء ما يسمى بالربيع العربي تخيم على ربوع العالم العربي، وهيمنة الأحزاب ذات التوجه الإسلامي على الساحة السياسية بعد أن كانت العديد من هذه الأحزاب تحارب جهارا نهارا.
ومن ناحية أخرى فالعالم بصفة عامة يمر من أزمة اقتصادية خانقة لن يخرج منها على المدى القريب كما يقول الخبراء.
إذن في ظل هذه الأحداث جاء صعود نجم حزب العدالة والتنمية، ربما لم يكن متوقعا أن يحصد الحزب كل تلك المقاعد وان يكون الفارق بينه وبين الحزب الذي يليه بذلك العدد، لكن الذي يجب التذكير به هو أن فزاعة الإسلاميين سقطت في عدة دول، وعلى رأسها المغرب، فلم يعد من الآن وصاعدا أن يخوفنا احد من شيء اسمه الإسلاميين وذلك لعدة اعتبارات:
فالمغرب دولة إسلامية على رأسها ملك يحمل لقب أمير المؤمنين والآذان يرفع في ربوع المملكة خمس مرات في اليوم، والشعب الذي يعيش فوق تراب المملكة جله من المسلمين، لذلك لا داع لأن يأتي أناس ويخوفونا من شيء اسمه الإسلاميين، أو يتحججوا بكلمات مطاطة من قبيل أسلمة الدولة أو المجتمع، وكأننا نعيش في فرنسا ونسوا أن ديباجة دستورنا تقول أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام.
ثم لا معنى أن يطلع علينا من يسمون أنفسهم محللين ومفكرين وهم لا يفكرون إلا في زعزعة عقيدة هذه الأمة بكلام لا أساس له من الصحة، من قبيل الحريات الفردية والمرأة وهلم جرا من التهم الجاهزة التي يلصقونها بالإسلام ظلما وعدوانا فهم يهاجمون الإسلام قبل أن يهاجموا الأحزاب الإسلامية ويصورون للعالم بأن هذا الدين هو دين رجعي، فالإسلام دعا إلى تحرير المرأة من كل أشكال الظلم والعبودية قبل أن يأتي هؤلاء المتحررون الجدد، كما أن الإسلام لا يحجر على احد في حريته مادام لا يتعدى على حرية الآخر، بالإضافة إلى كل هذا فهؤلاء الذين صعدوا إلى الحكومة ليسوا بتنظيم القاعدة أو طالبان، فهم مسلمون معتدلون، أبانوا عن حسن سيرتهم من خلال مشوارهم السياسي، فهم قبلوا باللعبة السياسية ودخلوها راضين غير مكرهين، لذلك لا داع لتصويرهم وكأنهم أتوا على ظهور الخيول والجمال يريدون فتح المغرب ونشر الإسلام فيه بقوة السيف، وأنهم سيفرضون الجزية على من رفض الدخول في الدين الجديد، وان من سرق ستقطع يده، وأنهم سيفرضون الحجاب على الجنس اللطيف، وأنهم سيحرمون الغناء والمهرجانات وغيرها من سفاسف الأمور التي بات يقول بها الكثير ممن يصفون أنفسهم مفكرين متنورين وعلمانيين و حداثيين وهلم جرا من التسميات الفارغة التي لاتسمن ولا تغني من جوع.
فالله عز وجل قال: "من شاء فليومن ومن شاء فليكفر"، فكيف تصوروا للناس أن هذا الحزب أو ذاك سيحجر عليهم ويحد من حريتهم، لا ياسادة، لا تضحكوا على أنفسكم وعلى الناس، فهذا الحزب المسمى حزب العدالة والتنمية هو حزب كباقي الأحزاب المغربية، نعم مرجعيته أو إيديولوجيته إسلامية، سموها ما شئتم، لكنه حزب مغربي اختاره الشعب عن قناعة وطواعية، إن افلح فهذا ما يريده الشعب وان اخفق فسيحاسبه الشعب أيضا، فهو لم يأت للحكم مكرها بل راضيا، لكن لمصلحة الشعب دعوه يعمل ونرى"حنة يديه" كما يقال وآنذاك لا بأس بان تشحذوا سكاكينكم، أما الآن فدعوها في أغمادها، فمصلحة الوطن فوق كل شيء.