عندما طالعت المجموعة القصصية "الرصيف " للقاص جلال التازي وهي مسودة، وجدت نفسي أمام تجربة تدعوك للقراءة المتأنية والمتأملة . إذ أن أسلوب كتابتها يصدمك في البداية على اعتبار الاختيارات الأسلوبية للقاص، فبساطة التناول الأسلوبي فيها تجعلك تعتقد بان كاتبها لازال في بداية التجربة، ويلزمه الكثير من الوقت لتنضج تجربته . لكن بعد القراءات المتعددة التي قمت بها للمجموعة وجدت نفسي أمام سيل من الخصوصيات الأسلوبية والجمالية والخطابية التي أصبحت قصص الشباب تفتقر إليها نظرا لغوصها في بحار السردي المعانق للإشراقات الشعرية التي لا يخرج منها القارئ بمعنى أولي، إذ هي نوع من السريالية السردية التي تتيه بالمعنى في سراديب التصوير الشعري.
لقد وجدت المجموعة القصصية "جلال التازي " تتسم بخصوصيات جمالية مفعمة برغبة في تحطيم للحدود الفاصلة بين الكائن والممكن، ومسكونة بهاجس مضمر لتجريب قولي يمتح من روح الرفض عند القاص، رفض للواقع بتمفصلاته المشوهة، لذلك جاء منطق حكيه غير مرتكن إلى مسكونات حكائية بقدر ما هو مسكون بالمغايرة والتدمير للنواة القصصية، وإعادة تشكيلها بلغة مباشرة، وبتردد جملي قصير النفس. تردد مشوب بطبع وتلقائية لا تخلو من صنعة واعية بحدود وممكنات اللغة الحكائية، التي سعى من خلالها إلى التوفيق بين التناقضات القائمة بين الواقع والتخيل.
ومن تم جاء أسلوب الحكي في "الرصيف" لغة موصلة للمعاني الثرية بالإحساس ببواطن الشخوص، عبر وصف لحالاتها النفسية والاجتماعية، بفواعل تعبيرية تؤثث عوالم الحدث بأفعال مشهدية، الأمر الذي جعل شخوص ووقائع المجموعة في حركة وسفر دائم في مجتمعها، تبني عالمها الحالم مع تجاوز الأوهام، لتكون متعة لحظة القبض عليها وهي تنمو وتكبر بتفاعلها القرائي.
ترسم المجموعة القصصية "الرصيف" بالكلمة عالما ثرا من الأحداث التي تمر كشريط مرئي عبر الارتحال في أزمنة وأمكنة قصص المجموعة، مما ساعدها على تكسير سكونية لغتها وتبات معانيها. عبر لغة تعالق ناجح مع أنماطها السردية وأشكالها التعبيرية، التي تدخل عوالم النصوص ككل في نوع من التركيب يحافظ على التقليد السردي القصصي، وفي الآن نفسه يغامر بتجديد التناول الدلالي لوقائع تخيلية من الفوائض الأسلوبية التي تجعل دلالات خطابات القصص تفيض بالتأويلات.
كل هذا الاشتغال الواعي من طرف القاص على مثونه القصصية يذهب بنا إلى استنتاج مفاده انه إن كان هناك من تنوع في الموضوعات، فانه في المقابل هناك وحدة في الانطباع بان قطار السرد عند "جلال التازي" قد انطلق ليسير نحو لملمت الأفكار والمواضيع في بنية الحدث بعيدا عن الارتماء في تجريب يعلي من شان شهوة الكلام على حساب مضموم الخطاب.
فمرحبا بالقاص"جلال التازي" في نادي القصاصين الشباب الذين يجعلون من الجملة القصصية قضية للتوصيل والتواصل، ومستندا إشاريا وحركيا وحدثيا يسترفد قيمته الجمالية من خصوصية التجربة في سياقها الحدثي.
* دكتوراه في النقد الأدبي الحديث والمعاصر ** عن حفل توقيع المجموعة القصصة خلال المهرجان الدولي لمسرح الطفل بتازة في نسخته الثانية عشر.