وضعية الإعلام في الوطن العربي الإعلام أو السلطة الرابعة هو المرآة التي من خلالها يطل المواطن على الحدث و يمارس المحترف رقابته على السلطتين التشريعية و التنفيذية كما يمارس دور التوجيه و التقويم لكل الاعوجاجات التي يمكن أن تصيب المسار العام للدولة اقتصاديا و اجتماعيا و أخلاقيا ، كما يكون السيف المسلط فوق رؤوس الفساد و المفسدين ، كما أنه الوسيط الأمثل لممارسة الرقابة و محاربة الفساد الذي يمكن أن يصيب الجسد الدولتي ، و لا يمكن للإعلام أن يؤدي دوره المنوط به و المأمول فيه إلا في فضاء الحرية التي تمكن الرأي و الرأي الآخر من التعبير عن آرائه بكل حرية و هو الحق الذي تكفله له المواثيق الدولية ، فالمادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص على أن كل إنسان يملك "الحق في حرية التعبير و الرأي" و أيضا الحرية في "البحث و استقبال و توزيع "المعلومات و الأفكار" بغض النظر عن مدى اتساع الحدود التي يصل إليها" . إلا أن هاته الحقوق يمكن أن يتم تقييدها بقرارات سياسية تحد من حرية الصحافي في البلوغ إلى مصدر الحدث و تقيد حقه في التعبير عن الواقع المعاش بدون قيود من أي نوع كانت ، و من خلال إطلالة على وضع حرية الصحافة في العالم برسم سنة 2008 نلاحظ احتلال كل من إيسلاندا و لوكسمبورغ و النرويج المركز الأول في التصنيف العالمي لحرية الصحافة ، أما في العالم العربي و في نفس السنة نجد أربعة دولة تحل المراكز الأولى و هي فلسطين (61) ، لبنان (66) ، الإمارات (69) و قطر (74) و في أدنى التصنيف نجد كلا من سوريا (156) ، العراق (158) ، ليبيا (160) ، السعودية (161) ، أما المغرب فقد احتل الرتبة 122 على صعيد التصنيف العالمي . و بالرجوع إلى وضع حرية الإعلام في الوطن العربي نجد أن هنالك تراجعا خطيرا على مستوى التشريعات و القوانين السالبة لحرية الصحافة و بالتالي لحرية التعبير و مرد ذلك إلى قرارات و تشريعات اتخذت من محاربة الإرهاب بعدا تبريريا للتضييق على الحريات الفردية و الجماعية مستفيدة من حالة العداء الدولي و خاصة بالولايات المتحدةالأمريكية (راعية العالم الحر ) للإرهاب للتضييق على الحريات و بمباركة من هذا العالم الحر الذي تراجع عن أهم الأسس التي كان يقوم عليها فكره و ضمنه حرية الفعل و حرية المرور و المنافسة باعتبارها أساسا لتطوره و ضمن هاته الحركية إطلاق العنان للحرية الفردية في منحاها العام ، لكن هاته الدول و في تراجع خطير أصبحت تقيد الحرية و بالتالي أطلقت يد حلفائها باسم محاربة الإرهاب لتقييد الحريات الفردية و الجماعية و ضمنها حرية التعبير ، و بالرجوع لتحليل معطيات النصف الأول من سنة 2010 نجد أن دول الخليج أصبحت رائدة في وطننا العربي في مجال حرية الصحافة حيث نجد أن دولة الكويت تحتل المرتبة الأولى عربيا و 60 عالميا و قد حافظت بذلك على نفس المركز الذي كانت تحتله سنة 2009 و قد ساهم في ذلك إصدار قانون سنة 2006 يعتبر أكثر ليبرالية بالمقارنة مع باقي دول المنطقة ، كما أن عقوبة السجن قد تم إلغاؤها من قانون الصحافة فضلا عن كون حظر إحدى الصحف أو المجلات أضحت بيد القضاء و لم تعد بيد السلطة التنفيذية ، رغم استمرار تطبيق العقوبة الحبسية فيما يخص جنح التشهير إضافة إلى الغرامات المالية الخيالية ، و يأتي بعد ذلك لبنان في المرتبة 61 عالميا بعد أن كان في المرتبة 62 في السنة الفارطة و مرد هذا التطور رغم التنوع الطائفي بهذا البلد إلى حدوث تطور جد هام بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان و بالتالي تمتع الصحافة في لبنان بحرية تعبير قل نظيرها في العالم العربي لا تحد منها إلا الضغوط السياسية ، ففي أبريل من سنة 2009 قررت السلطات اللبنانية السماح بعودة قناة (م تي في) الفضائية بعد 7 سنوات من الإسكات القسري نتيجة معارضتها للوجود السوري بلبنان ، تأتي بعد ذلك دولة الإمارات العربية المتحدة محتلة المرتبة 86 عالميا بعد أن كانت تحتل المرتبة 69 عالميا في تراجع عن النسب المحققة سنة 2009 و مرد ذلك إلى وضع الانترنيت تحت مجهر الرقابة الرسمية إضافة إلى استصدار قانون سنة 2009 يقيد من حرية الصحافة ، كما أن الحكومة هي من يقرر من يمارس أو لا يمارس مهنة الصحافة بدولة الإمارات ، كما أن الحكومة تستطيع تعليق تراخيص الصحف و الإذاعات و القنوات التلفزية لأبسط المخالفات و رغم إسقاط الدعاوى الجنائية إلا أن ذلك كان على حساب المتابعات و العقوبات المدنية من خلال فرض دعائر قد تصل إلى 1034000 أورو ، و هو ما شكل نكوصا كبيرا في مجال حرية الممارسة الإعلامية ، أما في أسفل هرم قمع حرية الصحافة فنجد كلا من تونس التي احتلت سنة 2010 الرتبة 154 عالميا و مثلها سنة 2009 ليستقر وضع قهر الحريات الصحافية و تشتد المضايقات و الاعتقالات للصحافيين المعارضين لنظام الحكم القائم و لصحافتهم المسموح لها بالصدور لتزيين ديكور المشهد السياسي فقط ، أما حال الصحافة المستقلة فلا يمكن الحديث عنه فلم تحصل الجريدة المستقلة "كلمة" على الترخيص و نفس الشيء يمكن قوله على الإعلام المرئي فقناة حوار التونسي المستقلة محظورة في البلاد ، أما حال الانترنيت فليس بأفضل من الإعلام المكتوب و المرئي و المسموع حيث يتم مراقبة الشبكة و كذلك المقاهي الإلكترونية مع الاحتفاظ بهويات متصفحي الانترنيت ، كما تتعرض المواقع للحجب فضلا عن اصطدام الصحف الأجنبية بالعراقيل الرقابية ، أما ليبيا فتحتل الرتبة 156 عالميا بعد أن كانت تحتل الرتبة 160 سنة 2009 ، فبعد فترة انتعاش في مجال الحريات الإعلامية و لو أن قائدها هو سيف الإسلام القدافي من خلال شركة الغد التي يملكها ، حيث تم الترخيص لأول صحيفتين مستقلتين هما "أويا" و "قريانا" فضلا عن القناة الخاصة الفضائية "الليبية" سنة 2008 كما تم الترخيص لوكالة الأنباء الفرنسية بفتح مكتب دائم لها بطرابلس و اعتماد مراسل دائم لها ، إلا أن هذا الانفتاح لم يدم طويلا حيث تم الإجهاض على هاته الخطوات الجنينية فتم تأميم القناة الفضائية "الليبية" و وضعت العراقيل أمام استمرار صدور الصحيفتين السالفتي الذكر ، كما تم توقيف أربعة إذاعيين من فريق عمل "مساء الخير بنغازي" و أخلي سبيلهم في اليوم الموالي ، كما أن التشريعات الصادرة في ليبيا تجعل واقع الحريات الصحافية مقيدة إجرائيا فالمادة 13 من الدستور الليبي لسنة 1969 تكفل حرية التعبير و لكن "في إطار المصلحة العامة و مبادئ الثورة" و يؤكد هذا الواقع التشريعي السالب لحرية التعبير بعقوبات زجرية قاسية تصل إلى السجن مدى الحياة وفق المادة 198 من قانون العقوبات الليبي في حالة تشويه سمعة البلاد ...الخ. كما أنها قد تصل إلى الإعدام وفق المادة 207 من نفس القانون في حالة الترويج لمبادئ و أفكار غير القائمة في ليبيا ، أما فلسطين فقد كانت تحتل مرتبة متقدمة وفق تصنيف سنة 2008 ، المرتبة 61 عالميا ، إلا أنه و نتيجة لواقع الصراع الفلسطيني و الذي يؤدي ضريبته بالضرورة الصحفيون فقد وقع هؤلاء بين سندان فتح في الضفة الغربية و مطرقة حماس في غزة ليبدأ مسلسل الانتقام و الانتقام المضاد و ليؤدي الصحفيون الضريبة نيابة عن الإخوة الأعداء و هكذا أصبحت فلسطين تحتل المرتبة 161 عالميا سنة 2010 بعد أن كانت تحتل المرتبة 163 سنة 2009 ، كما أنه و خلال عملية "الرصاص المصوب" العسكرية التي شنها الكيان الصهيوني على غزة ابتداء من 27 دجنبر 2008 و إلى غاية 18 يناير 2009 لقي 6 صحافيين حتفهم كما أصيب 15 آخرين ، كما تم الاعتداء على ما لا يقل عن 33 صحافي خلال سنة 2009 ، كما أن عدد الاعتقالات وصلت إلى 61 صحافي ، منهم 20 صحافيا اعتقلوا من قبل حماس ، بينما اعتقل 40 صحافي من طرف أجهزة السلطة الفلسطينية كما تم التضييق على وسائل الإعلام الأجنبية ، أما السعودية فتحتل المرتبة 163 عالميا و واقع الحريات الصحافية يتأرجح ما بين القمع و الانفتاح تحت ذريعة محاربة الإرهاب و التوتر السياسي يتم قمع الحريات العامة ، فالرقابة على المؤسسات الإعلامية شديدة ، كما أن قانون المطبوعات يجيز اعتقال الصحافيين ، أما الصحافيون الأجانب الذين يقومون بتغطية أحداث بالمملكة فيحظون بمرافقة موظفين حكوميين يقدمون التقارير حول عملهم ، و في سنة 2009 تم منع بث فضائية "إل بي سي" اللبنانية كما حكم على صحافية عاملة بالقناة بستين جلدة قبل أن تستفيد من عفو ملكي ، دون أن ننسى أن هنالك حوالي 400000 موقع إلكتروني تعرض للحجب ، و في آخر السلم الضار بالحرية الصحافية نجد اليمن المحتل للرتبة 167 عالميا سنة 2010 بعد أن كان يحتل المرتبة 163 سنة 2009 حيث نجد أن قانون الصحافة بهذا البلد يعود إلى سنة 1990 و قد تم تقديم تعديل ووجه برفض كل الممارسين بالحقل الإعلامي نتيجة تضمنه لعقوبات تصل إلى 6 سنوات سجنا ، و ابتداء من سنة 2009 عززت الدولة سيطرتها الشاملة على الحقل الإعلامي باسم "وحدة البلاد الوطنية" فقامت بحظر 8 صحف مستقلة و 7 أسبوعيات ، كما تم إيقاف جريدة "الأيام" و عمد الجيش إلى قصف مقرها ، كما تم الحكم على مراسلها بعدن ب 14 شهرا سجنا نافذة ، و سجلها في الاعتقالات و الاختطافات و المسلكيات اتجاه الصحافيين الحاطة بالكرامة و المنع من مزاولة مهنة الصحافة هي لائحة طويلة عريضة في هذا الباب . أما المغرب الذي جاء وفق التصنيف العالمي في المرتبة 127 سنة 2010 بعد أن كان سنة 2009 يحتل المرتبة 122 ، فيلاحظ تراجع في التصنيف العالمي رغم الإقرار بواقع التعددية الصحافية و وجود جرائد مستقلة و خلق الهيئة العليا للاتصال المرئي و المسموع إلا أنه لا يزال الصحافيون يتعرضون للاعتقال في بعض الجنح المنصوص عليها في المادة 41 من قانون الإعلام و نتيجة عدم وضوح النص الشيء الذي يجعله سيفا ذو حدين ، كما أن مشروع تعديل هذا القانون ما زال قيد المناقشة و ذلك منذ 3 سنوات ، و الملاحظة الأساسية هي أنه و ابتداء من يوليوز 2009 ازدادت المتابعات القضائية ضد مجموعة من الصحف و لأول مرة تم إصدار أحكام ضد صحافيين بالسجن النافذ . مما سبق يمكن أن نستخلص الملاحظات التالية أن الواقع الإعلامي في الوطن العربي يعرف تراجعا خطيرا يحد من تطوره و تقدمه ، كما يتبين أن وضع الحريات الصحافية بدول الخليج مع لبنان هو أحسن حالا من باقي دول العالم العربي ، كما واقع حال الحريات الصحافية في موريتانيا هو أفضل من مثيلاتها بباقي دول المغرب العربي ، الشيء الذي يتطلب أولا فهم واقع الإعلام باعتباره أداة مكملة للعملية السياسية و ليس معرقلا للتطور ، كما يجب فهم أن دوره الرقابي يستمده من حفاظه على أموال الشعب التي تجبى من خلال الضرائب ، فالحرية الإعلامية و تطور الحرية الصحافية هو دليل تطور الأمة و توسع الديمقراطية التشاركية التي يساهم من خلالها جميع مكونات الأمة في بناء الغد المشرق المتطلع إلى بناء دول قوية قادرة على مجابهة تحديات العولمة الاقتصادية و الثقافية و الإعلامية ، و للإشارة فإن واقع القهر الذي يعانيه الصحافيون ليس مرده للحكومات فقط بل حتى لكانتونات و مافيا المخدرات و للحركات الإرهابية و العصابات الإجرامية و التي تجعل مهمة الصحافي معرضة دائما للمخاطر بالقتل أو الاختطاف فوفق تقرير المنظمة الحقوقية الدولية حملة شعار الصحافة و التي يوجد مقرها بجنيف ، فقد أكدت هاته الأخيرة مقتل 59 صحافيا خلال النصف الأول من هاته السنة و هي نسبة جد مرتفعة إذا ما قورنت بسنة 2009 و التي لم تتجاوز فيها نسبة 53 صحافي ، كما أوضحت أن النسبة العليا من هذا الرقم وقعت بالمكسيك حيث قتل 9 صحافيين بسبب مافيا الجريمة المنظمة ، كما صنفت دولا أخرى أكثر خطورة على الصحافيين و هي على التوالي : هندوراس ، باكستان ، نيجيريا و الفلبين . -----------