جرت العادة _ وقبل المجازفة بصياغة حروف الوقائع _ أن يتحرى الصحافي الحقيقة بشكل دقيق تفاديا من السقوط في القذف أو التشهير أو السب المجاني الذي يجر الكاتب إلى متاهات المتابعات القضائية هو في غنى عنها ، بعد أن يكون قد أضر بالجهات أو الجهة موضوع مقاله ، وبالتالي يستطيع الوصول _ بعد التحرى والتأكد من المصادر _ إلى بيت القصيد الذي يسعى إلى إيصاله للرأي العام بصفة عامة ، والمسؤول بصفة خاصة _ سيما النزيه _ . مناسبة هذا الإستهلال ، هو ما تعرضت له المواطنة " ج م " بطنجة قبل أسابيع بعد أن غادرت مكان عملها ، متوجهة إلى بيتها ، ليعترض سبيلها _ بذكرها _ شخص بسيارته متحرشا بها بطريقة مكشوفة، وعندما نبهته إلى أن مايقوم به في الشارع العام إنما يعد جنحة يعاقب عليها القانون ، ، الأمر الذي لم يستسغه المشتكى به ، فنزل من على سيارته محاولا جرها إلى داخلها بالقوة ، أمام أنظار المارة ، فلما صدته عن أفعاله صفعها بقوة على خدها لتسقط أرضا وأقلع بسيارته بطريقة جنونية هاربا من مكان الجريمة ، في حين تمكنت المعنية بصعوبة أخذ لقطة لترقيم السيارة بهاتفها الخلوي . توجهت المشتكية إلى الدائرة السابعة ، ظنا منها أنها في المكان الملائم لسرد ما تعرضت له من تحرش ومحاولة للإختطاف وضرب ، وساعدت الضابط " ج" بوضع لوحة ترقيم السيارة التي إلتقطتها ، مدلية أيضا بمواصافاة الفاعل ، من أجل استدعائه واستفساره عن الحدث . بعد مضي يوم كامل _ تضيف المشتكية _ تمكنت الضابطة القضائية من إحضار المعني بالشكاية ، غير أن الغريب ، لم يتم إجراء مواجهة بينه وبين المشتكية ، بدعوى أن المواصافات التي أدلت بها المشتكية لاتنطبق على المستدعي ، فضلا على أن هذا الأخير أخبرهم أنه باع سيارته ولم يعد يتذكر لمن ، وهو الأمر الذي لم تستسغه طبعا المشتكية لكونه يعد إجراءا بعيدا كل البعد عن المساطر القانونية المعهودة ، مما حدا بها إلى جمع معلومات إضافية وملاحقة كل من يعرفه وجمع العديد من التحركات المشبوهة التي تحوم حول المشتكى به ، كالإتجار في الممنوعات ، تمكنه من إغداق الأموال يمنة ويسرة . وتتابع المشتكية تأوهاتها بحسرة ، أنه مما زاد في حدة غضبها من معاملة الدائرة السابعة لها _ والتي تحتفظ بحجج عن ذلك _ أن محضر الإستماع إليها لم يتضمن أقوالها بالشكل الذي سردته على الضابط " ج " خصوصا تهمة محاولة الإختطاف لما لها من آثار جنائية ، فلفائدة من يتستر هذا الضابط ليسمح لنفسه قبل النيابة العامة تكييف التهم ، وإبطال تصريحات المشتكية ، هل فعلا يعد الضباط مساعدين فعليين لوكيل الملك بصفته ضابطا ساميا ؟ هل تخول لهم صفتهم الضبطية التي أدوا بشأنها القسم غض الطرف عن تصريحات وذكر جمل ربما من شأنها إخلاء ذمة المشتكى به مما وجه إليه من تهم ؟ الأمر يفتح الباب على مصراعية لمناقشة والحديث مع الفقهاء وعلى رأسهم الدكتور امحمد عبد النباوي رئيس النيابة العامة والوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بالرباط ، حول أهمية محاضر الضابطة القضائية وتأثيرها الجوهري على القضايا المعروضة على المحاكم . وبعد الخضوع لتعليمات أمنية أفقية ، هو تغيير مسار البحث ، وإعادة الإستماع إليها في محضر قانوني آخر ومن طرف جهات أمنية أعلى من الدائرة السابعة ،وبنزاهة وحنكة وحكامة واضحة _ تقول ج م _ شعرت خلالها أنها فعلا بين أيادي آمنة ، رغم إنكار المشتكى به الذي إستفاد من مهلة زمنية طويلة مكنته من صياغة السيناريو بمباركة من ساعده من عناصر الدائرة المذكورة ، _ بطبيعة الحال _ المنسوب إليه ، ويقدم روايته المختلفة تماما لما وتقته المشتكية ، وأن هذه الأخيرة إستفزته بكلام جارح . على العموم ، يبقى الأمر موكول لوكيل الملك لدى ابتدائية طنجة ، لكن إذا ما تم إعتبار محاضر الجنح بمتابة الطريق السيار لإجراء المحاكمة إستنادا على أقوال الضابط وليس تصريحات المشتكية ، فهنا تزيع المحاكمة عن المسار العادل ، ويفرض على رئاسة النيابة العامة إجبار الجهات المعنية على تطبيق القانون ، والضرب بيد من حديد على كل المخالفين في الضفتين . لنا عودة للموضوع فور إنتهاء التحقيقات والتقديم وبداية المحاكمة.