أعطى محمد قطري، رئيس الهيئة الحضرية بأمن الجديدة، 4 دروس تباعا في التكوينات المستمرة، انصبت على "الدور الاجتماعي والتربوي لرجال الشرطة"، و"المراقبة بالسدود الطرقية والإدارية"، و"احترام قانون السير، والتواصل مع رواد الطريق، في أفق التخفيف من حوادث السير"، و"احترام الإشارات الضوئية وعلامات التشوير الطرقي". و كانت الاستفادة عامة، وهمت العميد المركزي الشاب حسن خايا، وعناصر الهيئة الحضرية بمختلف رتبهم، وضباط الشرطة بالزي المدني من مختلف المصالح الأمنية. وكان المراقب العام نورالدين السنوني، رئيس الأمن الإقليمي للجديدة، خصص أول حصة في التكوينات المستمرة اللامركزية، لمناقشة مقتضيات قانون المسطرة الجنائية، مع آخر التعديلات التي طرأت عليه شهر أكتوبر 2011، سيما المادة 66، وذلك لفائدة ضباط الشرطة القضائية، ضمنهم رؤساء الدوائر الأمنية، ورئيسا الفرقة السياحية ومصلحة حوادث السير، والعمداء والضباط المنتسبون للمصالح الداخلية والخارجية. وحسب مسؤول أمني، فإن إخضاع الأطر الأمنية للتكوينات المستمرة، أملته، من جهة، ضرورة إلمام ضباط الشرطة القضائية، بالعلاقة المهنية التي تربطهم برؤسائهم القضائيين، الوكلاء العامون للملك ووكلاء الملك. ومن جهة ثانية، ضرورة إلمام ضباط الشرطة القضائية، بالتغييرات التي طرأت على قانون المسطرة الجنائية، وصقل مهاراتهم وكفاءاتهم المهنية، وتمكينهم من آليات وتقنيات البحث والتحري، مواكبة للتطورات المتسارعة التي باتت تعرفها الجريمة، التي لم تعد لها حدود جغرافية، في هذا العالم الذي أصبح قرية صغيرة، سيما الجرائم المالية والاقتصادية، والجرائم المعلوماتية.
أما اختيار المادة 66 من قانون المسطرة الجنائية، كمحور لأول حصة في التكوينات المستمرة بأمن الجديدة، فقد أملاه انخراط المغرب في تفعيل "حقوق الإنسان"، ومن ثمة، ضرورة إطلاع المتهمين الموقوفين على ذمة البحث والتحقيق، بمقتضى حالة التلبس، بكافة الحقوق والضمانات التي يكفلها القانون.
وبالمناسبة، يلاحظ أن بعض ضباط الشرطة القضائية بمصالح أمن الجديدة، كانوا عملوا أصلا في بداية مشوارهم المهني، حراسا للأمن أو مفتشين للشرطة. مناصب ثمة من كان ولج إليها في سبعينيات أو ثمانينيات القرن الماضي، بمستويات دراسية محدودة. حيث أصبحوا لاحقا ضباطا وعمداء، إثر استفادتهم من الترقية الداخلية(avancement)، أو من الترقية عن طريق المباريات الداخلية أو الخارجية. حيث إن الإدارة العامة للأمن الوطني كانت أعفتهم من الخضوع للتكوينات والتدريبات في معهد الشرطة، والتي حتمها وضعهم المهني والإداري الجديد، وترقيتهم إلى مناصب عليا، وكذا، المهام الشرطية والإدارية الموكولة إليهم. فبغض النظر عن العصاميين، فإن فئة عريضة لا تحظى بالمهارات والكفاءات المهنية، وحتى المؤهلات المعرفية في مجالات قانون المسطرة الجنائية، والقانون الجنائي، وحقوق الإنسان (...)، وحتى أن بعضهم بات في حاجة ماسة إلى دروس في التقوية، لتحسين أسلوبهم، والاستعمال السليم لقواعد اللغة والصرف والنحو. وثمة أخطاء متداولة على نطاق واسع، من قبيل الخلط في استعمال أداة الاستثناء "غير"، والتي غالبا ما تعرف ب"ال"، لتصبح "الغير"، وكمثال على ذلك : "الإجراءات غير المسطرية"، عوض "الإجراءات الغير المسطرية"، والتي تثقل بها محاضر الاستماع، ومحاضر الانتقال والتحري(...). وتعمد النيابة العامة إلى إعادة إحالة مساطر قضائية على الضابطة القضائية (المصلحة الإقليمية للشرطة القضائية)، مرفقة بتعليمات نيابية، بغاية تعميق البحث، الذي قد تكون عناصره غير كاملة ومكتملة، ما يجعل الكشف عن الحقيقة والوصول إليها، وتحديد ظروفها وملابساتها، مشوبا باللبس والالتباس. الأمر الذي قد يحول دون تكييف وقائع النازلات تكييفا صحيحا وسليما، مبررا من الوجهتين الواقعية والقانونية.
وأحيانا يكون غياب إلمام الضابطة القضائية، ببعض الإجراءات المتعلقة بقانون المسطرة الجنائية، ولو الجزئيات منها، حاسما في مجرى القضايا الجنحية أو الجنائية، المعروضة على أنظار القضاء، وكذا، في الأحكام والقرارات الصادرة بشأنها. فثمة بالمناسبة قرار صادر عن الغرفة الجنحية الاستئنافية بالجديدة، قضى ببراءة المتهم، وبإبطال ما قضى به حكم جنحي ابتدائي، من إدانة وغرامة، رغم حالة التلبس، والاعترافات، والوثائق والمستندات، الصادرة عن جهة رسمية. واستند دفاع الظنين في مرافعته، إلى خطأ مسطري "بسيط"، لكنه "جوهري" و"حاسم"، ارتكبه ضابط للشرطة القضائية، كان يعمل بالدائرة الخامسة، قبل أن يلحقه العميد المركزي مؤخرا بمعية موظفة أمنية أخرى من الدائرة نفسها، (قبل أن يلحقهما) بالدائرة الرابعة، للعمل مع رئيسهما السابق. حيث حرر الضابط محاضر استماع قانونية، سرعان ما تراجع الظنين عما جاء فيها من اعترافات تلقائية وصريحة، صرح أمام المحكمة، أنها انتزعت منه تحت التعذيب، بدليل أنه لم يوقع عليها، سيما أن الضابط أشار فقط إلى كون المشتكى به "رفض التوقيع، دون تبرير ذلك الرفض". ما يتعارض ومقتضيات المادة 25 من قانون المسطرة الجنائية. إن التركيز في مرحلة أولية، خلال التكوينات المستمرة، التي تتواصل بأمن الجديدة، على قانون المسطرة الجنائية، تمليه ضرورة إلمام ضباط الشرطة القضائية بالعلاقة المهنية والقضائية، التي تربطهم بالنيابة العامة، برؤسائهم القضائيين، الوكلاء العامين للملك، ووكلاء الملك بمحكمتي الدرجتين الثانية والأولى، والذين يستمدون منهم التعليمات النيابية المرجعية، عند مباشرة التدخلات والأبحاث والتحريات، بمقتضى حالة التلبس، أو في إطار البحث التمهيدي، أو الإنابة القضائية؛ وضرورة كسب المهارات والتقنيات والكفاءات المهنية، التي تتيح لهم (الضباط) إنجاز المساطر القضائية، بشكل صحيح وسليم؛ وكذا، كيفية التعامل مع أطراف المساطر القضائية، في إطار الإجراءات القانونية والمسطرية الجاري بها العمل، بشكل يكفل حقوقهم الدستورية والقانونية، بعيدا عن التجاوزات، والشطط في استعمال السلطة، التي يخولها القانون في إطار مقيد ومحدود.
إن هاجس قانون المسطرة الجنائية يكمن في توفير ظروف التقاضي والمحاكمة العادلة، في احترام تام لحقوق الإنسان، وحقوف الأفراد، وصيانة حرياتهم، وجعل مكافحة الجريمة، واستتباب الأمن والنظام العام، واستقرار المجتمع، غاية سامية. ومن هذا المنطلق، شكلت المادة 66 من قانون المسطرة الجنائية، محور أول حصة من التكوينات المستمرة .بأمن الجديدة. فطبقا لمقتضيات المادة 66 من ق.م.ج.، والتي استمدت روحها من الفصل 23 من دستور المملكة، فإن ضباط الشرطة القضائية أصبحوا ملزمين بإطلاع الأشخاص الموقوفين، فور إيداعهم تحت تدابير الحراسة النظرية، سواء في حالة التلبس، أو في إطار البحث التمهيدي، بعد استشارة النيابة العامة، (إطلاعهم) على جميع الحقوق والضمانات التي يخولها لهم القانون، ضمنها إطلاعهم بكيفية يفهمونها، بدواعي وأسباب اعتقالهم، والأفعال المنسوبة إليهم، وبحقهم في الاتصال بمحامييهم لمؤازرتهم، أو انتداب محاميين في إطار المساعدة القضائية، وحقهم في الاستشارة القانونية، وحقهم في التزام الصمت، وعدم الجواب عن أسئلة المحققين، وإطلاعهم بكافة الحقوق القانونية، من حق في التطبيب والعلاج، والأكل، وربط الاتصال بأقاربهم (...). ويتعين على ضباط الشرطة القضائية تضمين دوافع الاعتقال في سجل نظامي، يخضع للمراقبة المنتظمة للنيابة العامة. كما أصبح الضباط ملزمين بإدراج هذه الإجراءات في محاضر الانتقال والتحري، تحت طائلة بطلان المسطرة القضائية، ومحاضر الاستماع القانونية.
وكان بالمناسبة النقيب ذ/ عبد اللطيف بوعشرين، تقدم بمذكرة طعن إلى الغرفة الجنحية الابتدائية بمحكمة الدرجة الأولى بالدارالبيضاء، أثار فيها جملة من الخروقات التي شابت المسطرة القضائية، التي أنجزتها الضابطة القضائية، سيما المواد 82 و66 و67 و68 من قانون المسطرة الجنائية. حيث إن الضابطة القضائية لم تفعل مقتضيات المادة 66، عند الاستماع إلى موكله، قاض سابق متهم على خلفية "تزوير نتائج امتحانات البكالوريا". حيث إن الفرقة الوطنية للشرطة القضائية لم تشعره، عند وضعه تحت تدبير الحراسة النظرية، بحقه في التزام الصمت. ما ترتب عنه قول المحكمة الزجرية ببطلان محاضر الضابطة القضائية.
إن التكوينات المستمرة تتواصل بأمن الجديدة، لدراسة وتدارس مواضيع قانونية وأمنية، وأخرى ذات صلة بعمل وتدخلات الشرطة العلمية والتقنية، من قبيل "مسرح الجريمة"، واستغلاله في فك لغز الجريمة. وكانت الإدارة العامة عممت دورية مديرية على المصالح الولائية والإقليمية للشرطة القضائية، إثر خرق مهني جسيم، ارتكبه رئيس سابق للمصلحة الإقليمية للشرطة القضائية بأمن الجديدة، جراء تساهله وسماحه لغرباء بالولوج إلى مسرح الجريمة، والاقتراب من جثة ضحية أجنبي، لقي مصرعه على خلفية علاقة جنسية شاذة. ما أفضى إلى إتلاف أدلة مادية حاسمة، وطمس معالم الجريمة.
وبأجرأة التكوينات المستمرة اللامركزية بأمن الجديدة، يكون رئيس الأمن الإقليمي للجديدة، المراقب العام نورالدين السنوني، أول من عمد على الصعيد الوطني، إلى تفعيل التوصيات والتوجيهات المديرية الصادرة عن بوشعيب ارميل، والتي تروم في غاياتها إطلاع موظفي الأمن الوطني بأهم المستجدات القانونية والمسطرية، وبالدوريات المديرية والمصلحية، وبالإجراءات والطرق والأساليب السليمة والصحيحة، لتفعيلها وتنزيلها على أرض الواقع. وتتواصل التكوينات بأمن الجديدة، حيث همت جميع موظفي الأمن بالزيين الرسمي والمدني، لدى الهيئة الحضرية، والأمن العمومي، وباقي المصالح الأمنية الداخلية والخارجية، في أفق تنظيم عملها، ومجالات تدخلاتها الأمنية، سواء في الشارع العام، أو عند إنجاز المحاضر والمخالفات، أو تنظيم حركات السير والجولان، أو معاينة حوادث السير، والإجراءات المصاحبة لها.