أدى أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، اليوم صلاة الجمعة بمسجد طارق بن زياد في طنجة. وذكر الخطيب في مستهل خطبة الجمعة أن الأمة الإسلامية احتفلت بيوم من أيامها المجيدة, وذكرى من ذكرياتها الخالدة, تتمثل في فاتح محرم, فاتح السنة الهجرية, قائلا إنها فاتح صفحة جديدة في مسار الدعوة الإسلامية والرسالة الخالدة التي شاءت الحكمة الإلهية أن تكون آخر اتصال بين الأرض والملأ الأعلى, وأن يكون صاحبها صلوات الله وسلامه عليه خاتم الأنبياء والمرسلين. وقال الخطيب إن الرسول صلى الله عليه وسلم هاجر رفقة صاحبه أبي بكر الصديق رضي الله عنه, وليس معه مال ولا متاع, يحمل معه إيمانه وعقيدته, الإيمان الذي يعطي للنفس سكينتها, وللروح طمأنينتها, هذه السكينة التي غمرت قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الهجرة, فلم يعتره هم ولا حزن, ولم يستبد به خوف ولا وجل, ولم يخالج صدره شك ولا قلق, ولا انزعاج ولا اضطراب. وأكد الخطيب أن الغاية هي استخلاص العبر من هذا الحدث الفيصل, قائلا إن أمام المسلم هجرات كثيرة ومتنوعة تنتظره في حياته ومعاشه, بما فيها هجرة الشك إلى اليقين, وهجرة الوهم إلى الحقيقة, وهجرة الكسل إلى العمل المثمر, وهجرة الخمول إلى العمل البناء لعمارة الأرض وبناء الحضارة وإسعاد الإنسان. كما تشمل هذه الهجرات, يضيف الخطيب, هجرة البغضاء والكراهية إلى المحبة والألفة, وهجرة الرذيلة بمختلف صورها إلى الفضيلة التي تزكي النفوس, وتطهر الأرواح, وتريح الضمائر, وهجرة التنازع والتطاحن إلى التعاون والتكافل والتآزر, وإجمالا, هجرة سبل الشر إلى مسالك النجاح والفلاح. من جهة أخرى, أبرز الخطيب أن الهجرة في حياة الأمم ترمز إلى التغيير المطلوب على الدوام في حياتها من حسن إلى أحسن, مضيفا أن لكل تغيير ثمنه الباهظ, ولا سيما إذا كانت الأمة في حالة أو موقع يجعلها متعرضة للمكر والشر, فإذا اجتمعت واتحدت على المطالبة بالحق, وصمدت في وجه المكر, تحقق لها الفتح والنصر كما تحقق للمهاجرين الأولين. وقال إن مما تقتضيه مواجهة مكر المتربصين, هجرة خطط إلى خطط أنسب لكل حالة قائمة, لأن المؤمنين يقظون, لا يستغفلهم الأشرار, وإن ظنوا أنهم يستطيعون فعل ذلك, استهانة بقدر المؤمنين وقدراتهم, ولكن أنى لهم ذلك وقد تكفل الله سبحانه وتعالى بالدفاع عن عباده.