محمد العمراني : فيما يسابق الوالي اليعقوبي الزمن لتنزيل مشاريع طنجة الكبرى، التي يراهن عليها الجميع لأن ترتقي بعروس الشمال إلى أحد أفضل المدن بالحوض الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط، وفي الوقت الذي تم تخصيص أزيد من 200 مليار سنتيم لتزويد الأحياء الهامشية والعشوائيات بشبكتي الماء الصالح للشرب والكهرباء وتجهيزها بقنوات الصرف الصحي، وهو ما كان يوحي بأن الإدارة الترابية وعلى رأسها الوالي اليعقوبي ستضع حدا لانتشار العشوائيات بمدينة طنجة، غير أن واقع الحال يؤكد النقيض من ذلك تماما. فلا زال الزحف السرطاني للعشوائيات على وتيرته المعتادة، ولازال مسلسل نهب أراضي الجموع والتجزيئ السري متواصلا حلقاته، وكأن رهانات وتحديات طنجة الكبرى لا توجد إلا في مخيلة الوالي اليعقوبي، ولا تتعدى في أقصى الحالات كورنيش المدينة ووسطها، حيث الأشغال على قدم وساق، لكن ما إن تتجه نحو هوامش المدينة حتى تكتشف أن طنجة العشوائية لا زالت تتمدد وتكبر كل يوم بل كل ساعة.... هل نحن في حاجة لأن نذكر مرة أخرى بما أضحت تشكله هاته العشوائيات من مخاطر حقيقية تهدد النسيج الاجتماعي لمدينة طنجة على المستقبل المنظور؟... هل لا بد من إعادة دق ناقوس الخطر للتحذير من هاته القنابل الموقوتة القابلة للانفجار في أي لحظة وحين؟... الزحف السرطاني للعشوائيات أضحى خطرا زاحفا في صمت من شأنه أن يدمر أوصال هاته المدينة التي يراهن عليها ملك البلاد لأن تصبح قطبا حضريا غير مسبوق، مدينة يحلم ساكنتها بأن تصبح منارة المغرب في السنوات القادمة!.... يبقى السؤال الكبير العريض: من المسؤول وهل هناك من حلول لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟... لم يعد خافيا على أحد أن أعوان السلطة ورجالاتها، من مقدمين وشيوخ وقياد ورؤساء الدوائر، يتحملون القسط الأعظم من المسؤولية فيما وقع... هل يتصور أي عاقل أن يتم استنبات هاته الأحياء العشوائية على امتداد آلاف الهكتارات من دون ترخيص قانوني أو غير قانوني، لو لم يكن هناك تواطؤ من مسؤولي الإدارة الترابية بمختلف رتبهم... يجب الإشارة إلى أن هناك البعض من هؤلاء غير متورطين في نكبة طنجة، وهم أقلية على كل حال... لقد تحولت بعض الأحياء والمناطق بهاته المدينة المنكوبة إلى محميات خاضعة للتقسيم الترابي بين أعوان السلطة، فلكل واحد منهم مجال نفوذه الترابي، بحيث يستحيل وضع أي آجورة من دون موافقته، و" اللي سخن ليه راسو" ورفض الخضوع لقانون أعوان السلطة يكون مصيره المنع وتحرير المحاضر في حقه بتهم البناء العشوائي.... طبعا يجري كل ذلك بمباركة من القواد ورؤساء الدوائر ومن يوفر لهم التغطية داخل مبنى ولاية طنجة... منذ أيام جرى فصل عون سلطة برتبة شيخ، كان إلى عهد قريب أحد أشهر أعوان سلطة في مدينة طنجة بكاملها... قصة هذا الشيخ تكشف لنا بالملموس وعلى أرض الواقع ما جرى بمدينة طنجة في السنوات الأخيرة... هذا الشخص كان هو الحاكم الفعلي لأحد مقاطعات طنجة الأربع، هو الآمر الناهي فيما يتعلق بالبناء العشوائي، بحيث كان من المستحيل أن يتم بناء مسكن غير مرخص قانونا من دون أن يحضى بموافقة هذا الرجل... الأخطر من ذلك أن عشرات الشكايات كانت تقدم إلى رجال السلطة وإلى رئيس الدائرة الخاضع لنفوذه وحتى إلى مصالح الولاية، بل هناك العشرات من المقالات الصحفية التي كشفت بعضا من ممارسات هذا الشيخ، لكن كان مصيرها سلة المهملات؟... من حقي أن أتساءل... لماذا لم يتم فتح تحقيق في كل ما نسب إليه من تهم وادعاءات؟؟... هل يعلم مسؤولو الإدارة الترابية الذين كان يشتغل تحت إمرتهم أن هذا الشيخ الذي لا يتجاوز راتبه الشهري ثلاثة آلاف درهم يمتلك منزلا فخما من عدة طوابق و في موقع استراتجي، وأن أولاده يدرسون في مؤسسات تعليمية خاصة، ومتزوج من سيدتين ووووو.....!!!! إذا كانوا يعلمون ولم يحركوا ساكنا فتلك مصيبة، وإذا لم يكن في علمهم ذلك فتلك مصيبتان... كيف استطاع هذا الرجل الوافد إلى مدينة طنجة قبل سنوات قليلة أن يراكم ثروة بهذا الحجم؟... من كان يوفر الحماية لهذا الشخص وللكثير من أمثاله؟... هل كانت الحماية لوجه الله تعلى أم أن "سيدي قاسم" كان هو الضامن لعقد الحماية هذا؟؟... على كل حال تم فصل هذا الشيخ من مهامه وإن جاء القرار متأخرا... أتساءل ببلادة... ترى كم من الرؤوس ستسقط له قرر هذا الشيخ فتح فمه وكشف عن قائمة المسؤولين الذين كان يدعي أنهم كانوا يوفرون له الحماية؟؟... من المؤكد أن زلزالا كبيرا سيضرب المدينة، وستصل تداعيات هزاته الارتدادية إلى مسؤولين كبار تعاقبوا على تدمير النسيج العمراني لهاته المدينة ... الخلاصة: "كلشي واضح وباين"... انتشار البناء العشوائي مسؤولية الإدارة الترابية أولا وثانيا وثالثا، ثم يأتي دور باقي المتورطين من مجزئين سريين وعدول ومنتخبين... ما من حي عشوائي إلا وتم استنباته تحت رعاية وحماية أعوان ورجال السلطة... طنجة أمام مفترق طرق... إما أن يتحمل اليعقوبي كامل مسؤولياته في وقف الزحف السرطاني للعشوائيات، وله كامل الصلاحيات والسلطات لإجبار مسؤولي الإدارة الترابية على وقف هاته الجرائم التي ترتكب في حق هاته المدينة، مثلما له من الصلاحيات أن يطرح حلولا بديلة ليستجيب للطلب المتزايد على السكن بما ينسجم وعقلية نسبة كبيرة من الأسر المغربية التي تفضل اسكن الفردي والمستقل، وإما في حال فشله في هذا الرهان فإن طنجة الكبرى ستصبح مهزلة كبرى، ومن العار حينها إهدار 760 مليار من أموال الشعب على مدينة تصر على أن تنمو مشوهة....