الإعاقة البصرية وعدم الإنصاف، لم يثنيا مراد الوكيلي (24 سنة) على شق طريقه بثقة نحو المستقبل. بعد حصوله على الباكالريوس في علم النفس، غير مساره الدراسي نحو الترويض الطبي لأن تخصصه الأول "لم ينصفه". "رغم الصعوبات التي يطرحها المحيط والجامعة المغربية إلا أنني أسير بخطى ثابتة نحو تحقيق هدفي"، يقول مراد في حديثه إلى "هنا صوتك". كفيف وغريب يصعب على مراد تذكر تلك اللحظة التي ودع خلالها والديه وإخوته، مسافرا نحو مدينة مكناس التي تبعد عن قريته ب 40 كلم، هناك سيبدأ حياة جديدة مليئة بالإحباطات والصعوبات لكنها كللت بالنجاح في النهاية. مراد الذي ولد ضعيف البصر وفقده بشكل كلي في سن السابعة يقول: "بعدما تلقيت تعليمي الأولي ب 'المسيد‘ (مكان لتحفيظ القرآن) فارقت أهلي وأنا لا أزال طفلا، لمتابعة دراستي بأحد المراكز الخاصة بتعليم المكفوفين. لم أكن أزور أهلي إلا في العطل بحكم الظروف المادية القاهرة، كان ذلك صعبا للغاية". ويتابع مراد بنبرة يشوبها التحدي: "كان لدي هدف واضح حينذاك، وهذا ما ساعدني على تجاوز كل تلك المحن وتعلمت أشياء كثيرة من تجربتي في القسم الداخلي والتعليم الأساسي الذي كان يتسم بالصرامة". فرص محدودة يستنكر مراد الإقصاء الذي يعاني منه الطالب المكفوف. "للأسف، نحن المكفوفون محرومون من متابعة دراستنا بالتخصصات العلمية، على عكس الدول المتقدمة التي أثبت فيها المكفوف مهاراته في تخصصات الفيزياء والرياضيات والهندسة. في المغرب فرصنا محصورة في كليات الآداب والعلوم القانونية فقط". لا يعاني الطالب المكفوف من أي نقص في مهارته التعلمية، وأصبح يحقق نوعا من الاستقلالية. تخلى مراد بشكل شبه كلي عن الكتابة والقراءة بواسطة "برايل" معوضا إياها بالحاسوب بفضل برامج معلوماتية مثل "جوز" التي تمكنه من استخدام الحاسوب في الدراسة والترفيه. يقول مراد: "لم يعد هناك أي فرق بين الطالب المكفوف والعادي. طبعا، هناك تخصصات لا يمكننا دراستها والعمل فيها كالجراحة الطبية على سبيل المثال". مسلسل الإقصاء كان مراد يأمل أن يتابع دراسته العليا بتخصص علم النفس، لكنه اضطر إلى تغيير مساره وسبب ذلك يشرحه مراد قائلا: "عندما اجتزت مباراة القبول لمتابعة دراستي بماستر علم النفس الشغل، نجحت في الامتحان الكتابي. وأثناء المقابلة استطعت الإجابة على كل الأسئلة التي وجهتها لي اللجنة. لكن بعض الأساتذة عارضوا قبولي واعتذروا عن ذلك بدعوى أنني لا أبصر، لكون هذا التخصص يعتمد على الملاحظة البصرية. أعتبره عذرا واهيا. لقد سمعت من طلبة يدرسون في هذا الماستر أنهم لم يعتمدوا تلك التقنية أبدا". تحدي يجتاز مراد في الوقت الحالي تكوينا تحضيريا في الترويض الطبي ويعتبر ذلك فرصة ذهبية. "رغم أنها ستأخذ مني أربع سنوات أخرى، فأنا على يقين من أنني لن أندم. وهل يندم المرء إذا قضى كل سنواته باحثا عن المعرفة؟"، يجيب مراد مبتسما: "بالفعل لا. بقدر ما لم أعد أكترث للصعوبات، يغمرني إحساس بقوة داخلية عندما أشرب فنجان قهوة، وأنني سأحقق يوما ما أريد". يؤكد مراد أن طموحه لا يتوقف عند الحصول على وظيفة بل يتجاوز ذلك قائلا :"أطمح إلى فتح عيادة للترويض الطبي وسأحصل على الدكتوراه في التخصص الذي لم ينصفني. كما أنني أفكر بشكل جدي في إنشاء جمعية تعنى بالمكفوفين ولا تسترزق من معاناتهم كما هو الشأن لدى العديد من الجمعيات بالمغرب للأسف". * هنا صوتك