"ودعت مقعدي في المدرسة بعدما قصفت قوات بشار الفصل، في اشتباكات بين الجيش الحر وقوات النظام السوري"... يحاول غسان أن يكمل، وهو يحبس دمعة ترتعش في عينيه. يدير وجهه خجلاً بعد أن استحال عليه ذلك، وهو يردد عبارة "ما بدنا شي.. غير إنو نرجع على بلدنا". يتوقف عن الكلام لحظة، وهو يلوح بيده إلى أولاد آخرين آتين باتجاهنا، كانوا يلعبون بقرب مسجد عند مدخل سوق الداخل بطنجة. تضمه بعد ذلك والدته فاطمة، التي قبلت الحديث ل "هنا صوتك ".. ليضيف قائلاً: "بَدْنا نِرْجَع عَلى سُوريا.. وبَسْ". بهذه الجملة يختصر الطفل غسان (8 سنوات) القادم من ريف البياضة (شرق حمص)، كل الآلام التي عاشها في رحلة دامت لأسبوعين مرورا بالحدود السورية، وصولاً إلى منطقة (وادي خالد الحدودية) مع سوريا (شمال لبنان)، ثم غرب الجزائر، ليصل رفقة عائلته إلى المغرب. رحلة نحو المجهول "وصلنا إلى طنجة عبر الشريط الحدودي للمغرب، قبل شهر. المغاربة أناس طيبون"، تقول فاطمة (38عاما) بعد أن نادت على أبنائها الأربعة الآخرين، الذين كانوا يتسولون في أزقة سوق الداخل، بلهجة سورية جميلة، وملامح بريئة تحمل بؤس النزوح. "انطلقت الرحلة في إحدى الليالي الباردة، من منتصف شهر يناير، لنقضي بعدها حوالي ثلاثة أيام، ونحن نبيت في العراء على الحدود اللبنانية السورية. الجيش الحر هو من أوصلنا إلى وجدة. كانت الساعة الثالثة بعد منتصف الليل، حين استقبلتنا العديد من العائلات السورية التي سبقتنا إلى وجدة. لقد وفرت لنا كل شيء على مدى ثلاثة أيام، إلى أن سافرنا إلى طنجة بعد مرور أسبوع". هكذا تسرد فاطمة (والدة غسان) بوجه حزين حكاية وصولها إلى طنجة، هرباً من جحيم الأزمة الإنسانية والسياسية التي تعيشها سوريا. الساعة تشير إلى الثالثة بعد منصف النهار. فاطمة تلوح لأبنائها بعد ما تفرقوا من حولها، بإشارة تدل على أنها ستغير مكانها، خوفاً من السلطات المغربية. "لا نفعل شيئا هنا غير التسول، لكن الحمد الله.. فالمغاربة شعب طيب"، تقول أم غسان في حديث ل "هنا صوتك". المغرب يرحل سورين كان علينا أن ننتقل رفقة فاطمة إلى المنزل، حيث تكتري غرفة صغيرة يشاركها فيها عدد من العائلات السورية، من أجل معاينة الوضع عن قرب. لكننا قوبلنا برفض لدخول آلة التصوير، من طرف بعض الرجال، خوفاً من قوات النظام السوري ومن السلطات المغربية. خوف تقول عنه فاطمة في حديثها ل "هنا صوتك" "بأنه يسكننا جميعا، مما يجعلنا نعيش في رعب حقيقي". بعيداً عن ضجيج سوق الداخل بطنجة، كان لنا لقاء بالخبير في شؤون الهجرة حسن عمري، الذي يقيم في وجدة (شرق المغرب)، والذي أكد واقعة ترحيل 21 عائلة سورية في ظروف، لا تحترم القوانين الدولية لحقوق الإنسان، حسب ما نقلته صحف محلية قبل أسبوع، مشيرا في حديثه ل "هنا صوتك"، إلى أن "المغرب والجزائر لم يحترما معاهدة جنيف الدولية، والتي تضمن التعامل الجيد مع النازحين من المناطق التي تعيش نزاعات"، وأكد على أن السلطات المغربية أقدمت على ترحيل حوالي 21 عائلة، من ضمنهم شاب معاق و11 طفلا قاصرا، بالإضافة إلى 4 نساء وستة رجال. وأشار حسن عماري إلى أن السلطات المغربية، احتجزتهم لمدة ستة أيام في مخفر للشرطة بالسعيدية، ليتم ترحيلهم بعد ذلك إلى المطار الدولي بالدارالبيضاء، قصد استكمال الإجراءات لترحيلهم إلى تركيا ثم إلى لبنان. نفس المعلومة أكدها محمد العمرتي، رئيس اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان (منظمة حكومية) بوجدة، في حديث ل" هنا صوتك": "فعلا السلطات المغربية رحلت عددا من السورين، باتجاه تركياولبنان. وذلك بعد توقيفهم لمدة ستة أيام، على الشريط الحدودي بين المغرب والسعيدية، إذ تم سحب جوازات سفرهم من أجل التحقيق معهم، ليتم نقلهم بعدها عبر حافلات إلى المطار الدولي محمد الخامس. وقد تم إرسال بعثة من اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان إلى الدارالبيضاء، من أجل استكمال إجراءات ترحيلهم". وكشف العمرتي في حديث ل "هنا صوتك"، أن قرار ترحيلهم يتحمل مسؤوليته رئيس الحكومة المغربية، عبد الإله بن كيران. ويشار إلى أن السلطات المغربية، قد أصدرت قبل أسبوعين (15مارس) قرارا، هددت فيه بطرد النازحين السوريين المتهمين بإثارة اضطرابات في المساجد بين المصلين، في عدد من مدن المملكة المغربية، وذلك بعد تحذير سابق في بداية الشهر الماضي، كانت وزارة الداخلية قد وجهته في بيانها، مشيرة إلى أن السلطات المغربية ستتخذ مستقبلاً إجراءات الطرد الفوري لكل مخالف، وذلك وفق القانون الخاص بدخول الأجانب وإقامتهم في المملكة المغربية، بحسب بيان الداخلية المغربية. (*) نقلا عن "هنا صوتك"