من غباء بعضهم.. أو من فرط ذكاء البعض الآخر.. اعتقدوا أن رأس حاسوب صديقنا حمزة المتيوي يمكن أن يكون رأس خيط أريان الموصل إلى حيث يوجد "الهدف" ضائعاً، كضربة جزاء نفذها بفشل لاعب مبتدئ.. لذلك سارعوا في طلب رأسه.. رأس الحاسوب حتى لا نتيه بعيداً بعيداً.. أيتها الصحافيات، أيها الصحافيون، هذه نصيحة لله.. خذوها من صحفي فاشل، ولكنه مجرب، ومتفوق، في هذا الباب، على الطبيب نفسه: تخلصوا من حواسيبكم وآيباداتكم وهواتفكم الخلوية التي من شأنها أن تجر عليكم الويلات وتجر بعضكم إلى حصص ماراطونية لعجن الكلام في كل شيء وفي كل لا شيء، وعودوا إلى سالف العهد والأوان، اكتفوا بالورق الصقيل، الأبيض منه والمخطط، الوزاري منه ودون ذلك. ولا تنسوا ورق الزبدة وورق التعبئة الذي كنا نبتاعه من فندق الشجرة من أجل حل المعادلات العقدية الطوييييييلة جداً جداً.. اكتبوا واحرقوا مسوداتكم بعد التنقيح الجيد، وإياكم والحواشي.. إنها الطريق السيار نحو مصادركم الخبرية.. آه من المصادر.. والمصادر الموثوقة أساساً.. تخيلواً، مثلاً، مصدركم، لا قدر الله، موثوقاُ، أي مقيد اليدين، مقتاداً إلى وليمة السين والجيم، ثم حصص السير واجي، ثم إلى الحفلة الكبرى.. الحفلة العظمى. في السابق، كان الواحد يكتب قصاصته الخبرية على ورقة من الورق "الرباعي" ثم يبعث الفاكس إلى الجريدة من أبعد محل لهذا الغرض، ثم يحرق ما كتب حتى لا يكون دليل إثبات ضده، والجريء هو من كان يوقع باسمه الكامل أو بالأحرف الأولى .. أما اليوم فالصحافي من المفترض أنه تخلص من غلالة الخوف التي كانت تخيم على المشهد، وأصبح يعيش زمن الحرية والديمقراطية والحقوق المتبجح بها في تلفزات المملكة السعيدة.. والحال أن الممارسة على أرض الواقع تقول غير ذلك، فلا يمكن أن يحرق الصحافي جهازه كل مرة، لذلك ننصحه بالحرق مرة واحدة ويعود إلى عهد أسلافه، عهد صحافة السلحفاة التي تسير على مهل إلى حتفها الأخير، لا متعجلة ولا مترجلة.. جرة جرة حتى تسلم الجرة ويا مجرور ما جرك جار إلى الحفلة تلك.. وفي سياق آخر، يذكر العبد لله، والمناسبة دائماً طلب رأس حاسوب الزميل حمزة، أنه في الشهور الأولى لفتح مكتب يومية المساء بطنجة، كنت قد اتفقت مع الصديق عبد الله الدامون على تدبيج بعض المساهمات، ودعاني إلى تدريب أناملي الوجلة على مغازلة لوحة المفاتيح في قاعة التحرير، ولأول مرة في حياتي سأكون في محاورة مع حروف لغة الضاد المبثوثة تحت الحروف اللاتينية في أزرار اللوحة، وكانت الذال المعجمة غير بادية للعيان، وكذلك بعض الحركات، لغتنا لغة حركات وسكون أيضاً، وكنت كل مرة أستنجد بالسي عبد الله لمعرفة أين يلبد المستخبي.. واكتشفت أنه يفضل الكتابة على حاسوب من حواسيب صالة التحرير على الحاسب الموجود عنده في المكتب.. المكتب لاستقبال الضيوف والمتعاملين مع المؤسسة وللأغراض الإدارية، والكتابة تستقيم في مكانها، ومكانها قاعة التحرير، هكذا فهمت من الرجل الذي لا يمكن أن تتخيله جالساً على الكرسي الدوار خلف مكتب فاخر وأنت تقرأ لؤلؤة من لآلئه.. أتصور حمزة يشتغل في القاعة تلك، في ذلك المكان المعد خصيصاً للتحرير، ولكن لا يمكن أن أتصور أحداً يزحزح حاسوباً من تلك الحواسيب من مكانها.. ليس لأنها مثبتة بالرصاص، وإنما، فقط، لأنها وضعت في مكانها من أجل استعمالها في موضعها.. وسوف لن يجدوا الأموال المسروقة في داخلها ولو فككوها تفكيكاً.. يا أخ حمزة، أنت صحفي ولست بوليسي، أكيداً.. وقل لهم: إن تعليق الحجام لن ينفع في إرجاع الصومعة إلى وضعها الأول.. ولا تضيعوا الوقت في التفاصيل وتنسون صلب الموضوع.. تضامننا المطلق مع حمزة المتيوي صحفياً ملتزماً بأخلاقية المهنة عرفناه، وإنساناً نظيفاً عايشناه وصادقناه.. عزيزي حمزة، لست وحيداً في ساحة المعركة.. كل الزملاء وأحرار الوطن معك.. والله، أولاً وأخيراً، معك.. - نلتقي !