لم يكن يوم الأحد 20 فبراير 2011 كسائر الأيام التي سبقته، بل كان يوما مميزا، أو جد مميز. ففيه خرج آلاف المغاربة شيبا وشبابا، ملبين دعوات للتظاهر، مررت عبر قنوات يمكن القول أنها أصبحت تتحكم في المتغيرات السياسية على الساحة الدولية عامة، والعربية خاصة، لِما أنتجته من ثورات، أطاحت بأنظمة عربية كانتا من أعتد الأنظمة، و أخرى صارت في حكم تابعاتها. إذن، أشرقت شمس العشرين من فبراير على جموع غفيرة، احتشدت ببني مكادة السباقة دائما لمثل هذا الحراك. والحق أننا كنا خائفين من اختيارها نقطة انطلاق المسيرة الاحتجاجية، التي باركتها جمعيات ومنظمات وأحزاب، وأقرت الحكومة مشرعينهت. كان تخوفنا من احتمال معاودة ما حصل في انتفاضة 1991، لكن سرعان ما اطمأنت القلوب، ونحن نتابع بافتخار المستوى العالي الذي انطلقت به المظاهرة، وذلك الجو المسؤول وهي تخترق الشارع تلو الآخر، وفي كل نقطة تجلب إلى صفوفها المزيد من المشاركين، حتى وصل الموكب إلى ساحة الأمم، التي أصبحت قبلة للاحتجاجات والوقفات، كما الاحتفالات والسهرات، فانتصبت جموع الخلق منتشرين على مساحة واسعة من أطرافها، ومن شارع محمد الخامس، واقفين وجالسين على الإسفلت، مرددين شعارات لم تختلف في شيء عن التي رددها المغاربة قاطبة في نفس الوقفات عبر مختلف التراب الوطني، وعلى رأسها المطالبة بإصلاح الدستور، والتنديد بغلاء المعيشة... واستثناءا كان شعار "الإسقاط" حاضرا في مظاهرة طنجة، لكن ليس من النوع الذي يتردد كثيرا عبر قناة الجزيرة، وإنما هو إسقاط من نوع آخر "الشعب يريد إسقاط أمانديس" وتعلمون قضية أمانديس واستياء السكان منها ومن فواتيرها، خصوصا في تلك الفترة التي ارتفعت فيها حرارة الاحتجاجات ضدها، و المطالبة برحيلها. وهكذا ظل المحتجون أوفياء لتعهدهم بالتزام الانضباط و النظام، وعدم الخروج عن نطاق سلمية الاحتجاج، إلى أن كشر الشارع عن أنيابه، و برزت مخالبه. تعودنا في كثير من المواقف أن نضرب الأمثال، وننسب دائما أقوالا إلى أجدادنا القدامى، ممن سبقونا في إلى مدية الحياة، المليئة بالمواقف، فتجاربهم دروس لنا، وأقوالهم حكم. لقد قالوا فيما قلوا "المَخْزْنْ ظَالِمْ وَلَا رَعِيَّة فَاسِدَة" والمعنى واضح، لكن ما فات أسيادنا الأولون الإفتاء فيه، هو حالة الرعية الفاسدة في ظل غياب أو تغييب المخزن بصفة شبه مطلقة!. إنها الإشكالية التي لم نجد لها أبدا تفسيرا منطقيا، رغم العديد من الآراء و التوضيحات التي أعقبت مساء الأحد الأسود، الذي لا يستطيع أحدا محوه من ذاكرة المدينة، ولو طال به الزمان، أو حتى أصابه الزهايمر في مستقبل العمر. فجأة وبعد اختتام المظاهرة المذكورة بتلك الطريقة الحضارية، وانتشار الواقفين في كل الاتجاهات، وفي طريق العودة إلى منازلهم وعيالهم، فوجئنا بوجود وقفة أخرى أمام مقر ولاية طنجة، بل وصلت حتى بابها الرئيسي، فتغيرت الشعارات، وأصبحت خارجة عن ما كان مبرمجا، بل تخللتها ألفاظ نابية، مما أعطانا إحساسا بأن الأمور سوف تسير في الاتجاه الخاطئ، وفعلا حدث ما كان متوقعا، وما كان ليحدث لو أن الوقفة اختتمت في ساحة الأمم. وظل الوضع على حاله، إلى أن وصلت سحابة أخرى من البشر أتية من ملعب مرشان، فيما يشبه مددا للمحتجين. فتطورت الأحداث، وتحولت طنجة إلى ساحة للحرب على كل ما يطلق عليه اسم ممتلكات. خراب، دمار، إتلاف وإحراق، كل هذه الجرائم ارتكبت أمام أعين المواطنين، الصغار منهم قبل الكبار، حيث كان ضررهم النفسي أكبر، جراء الرعب الذي أوقعه المشاغبون في نفوسهم. و لولا لطف الله، لاقْتُحِمَتِ المنازل، و لَحدثت أمور وحده يعلم الله خطورتها، ولا ضرورة للحديث هنا عن الخسائر وكمها، لأن الأمر لا يختلف عليه اثنين، ولا يلفه غموض، إلا مسألة واحدة حيرت المواطنين، وجعلت غالبيتهم يعتقدون أنهم لم يعودوا في مأمن كما ظنوا. والأمر هنا يتعلق بالغياب التام لأي تدخل أمني، وحماية الناس وممتلكاتهم. يقال أن المخزن لم يريد التدخل، لكي لا يتفاقم الوضع، وتحدث المواجهة بينه وبين المتظاهرين، وتجنبا لأي انزلا قات خطيرة، خصوصا وأن الأمن المغربي موضوع تحت المجهر الدولي منذ أحداث العيون المعلومة. و لسنا ندري أي انزلاق أمني كنا نخشاه أكبر مما حدث. لقد سبق وتوقعتا انفلاتا أمنيا في هذا اليوم، وتمنينا أن نشاهد ما يخالف ظننا، غير أن ما شاهدناه كان أكبر من كل التوقعات. لم يكن أحد يتخيل أن تصبح طنجة عرضة للنهب والتخريب، أو تلطخ سمعتها على أيدي أبنائها، لكن اليوم وجب القول و بكل جرأة، أن هؤلاء لم يكونوا أبدا من أبنائها. و هي بريئة منهم براءة الذئب من دم يوسف، طنجة تخجل كون هؤلاء أشباه البشر يقطنون بها، وينعمون بجمالها، بزرقة بحرها، بهدوء طابعها، وبلطف أهلها، وهم الذين لا يستحقون حتى أن يكونوا بقايا أوساخ على بالوعات مراحيض أبنائها الشرفاء المحترمين. و كان الله في عون المتضررين، و نسأله وحده أن يبسط أمنه و أمانه عليها، ومنها على البلد كله. {tanja24}