في سنة 1844 خرجت الجيوش المغربية متجهة إلى الجزائر لمساندة المقاومة الجزائرية في حربها ضد الاحتلال الفرنسي، فوقعت بالقرب من مدينة وجدة معركة "إيسلي" بين الجيش المغربي والفرنسي التي انتهت بانتصار سريع للجيش الأخير, وكان من بين الضباط الفرنسيين المشاركين في هذه المعركة ضابط يدعى "ليون روش". سنتين بعد هذه النكبة المغربية الشهيرة التي أطاحت بسمعة المغرب العسكرية وأبانت عن هشاشة "المخزن"، انتقل هذا الضابط إلى المغرب للعمل كمستشار خاص في المفوضية الفرنسية بمدينة طنجة، ودامت إقامته في طنجة إلى أن انتقل إلى تونس في مهمة أخرى سنة 1853. في طنجة عمل "روش" بكل ما أوتي من دهاء على التمهيد لدخول الاستعمار الفرنسي إلى المغرب، فقد تمكن خلال اقامته بطنجة من التجسس على أحوال المغرب والمغاربة، وتمكن من معرفة أسرار السلطة المغربية عن طريق شراء ذمم بعض المسؤولين بالنقود واشاعة الرشوة بينهم حتى أتم مهمته بنجاح. ولمعرفة خطورة هذا الرجل فإن بدايته كانت من الجزائر عندما لحق بالجيش الفرنسي للمساهمة في احتلال هذا البلد في الثلاثينيات من القرن التاسع عشر، لكن هذا الاحتلال اصطدم بشراسة المقاومة الجزائرية تحت قيادة الأمير عبد القادر آنذاك، فاضطرت فرنسا إلى التفاوض مع الأمير على الهدنة، فكانت معاهدة "التافنة" التي نصت على وقف إطلاق النار من سنة 1837 إلى 1839. وخلال هذه المعاهدة انتقل "ليون روش" إلى صف الأمير عبد القادر بعدما تعلم اللغة العربية واللهجة الجزائرية عن طريق احتكاكه بالجزائريين وأعلن خداعا دخوله في الإسلام تحت اسم "عمر"، فوثق به الأمير وجعله كاتبا خاصا له. هذه الوظيفة مكنت "روش" من معرفة جميع أسرار الأمير عبد القادر، وعندما انتهت معاهدة "التافنة" وعودة المعارك من جديد هرب "ليون روش" إلى صفوف الفرنسيين معلنا أنه كان يتجسس فقط على الأمير ومقاومته ولم يدخل حقيقة في الإسلام. ونظرا للأسرار الكثيرة التي حصل عليها "روش" استطاعت الجيوش الفرنسية أن تكبد خسائر كبيرة للمقاومة الجزائرية، وهي الخسائر التي دفعت بالأمير عبد القادر إلى طلب المساعدة من المغرب الذي لبى النداء ووقعت معركة "إيسلي" السالفة الذكر. ويعد "ليون روش" الآن أحد رجال فرنسا الكبار الذين قدموا خدمات كبيرة لفرنسا في مجال التوسع الاستعماري، وكانت ولادة هذا الرجل في سنة 1809 بغرونبل وبها توفي سنة 1901 وقبل وفاته كتب مذكراته حول تجربته في خدمة فرنسا ونشرها سنة 1885 وتوجد هذه المذكرات في طبعة بالعربية تحت عنوان "ثلاثون سنة بدار الإسلام" احتوت على الكثير من الأكاذيب والمبالغات.